يوسف عبدالكريم الزنكوي يكتب: رابعة متوسط…كانت شي!
في منتصف شهر يونيو من العام 1964، بعد انتهاء امتحانات النقل النهائية للمرحلة المتوسطة، وانتهاء السنة الدراسية، كنت وأبي، يرحمه الله، وأخواي ناصر وأسعد نستند إلى”دبة” سيارة أبي “الأوبل الخضرا الفاتحة”، وقد وضع الوالد مذياعه الـ”ترانزستور” على “الدبة”، نستمع إلى مذيع نشرة الأخبار معلناً أسماء الناجحين في مرحلة رابعة متوسط، والمنتقلين إلى المرحلة الثانوية أو الأول ثانوي.
وكلما أعلن المذيع اسماً نعرفه، علا صراخنا نحن الصغار في الفريج في ميدان حولي، ليخرج أحد الجيران خوفاً من أن يكون قد وقع سوءاً لأحدنا لا سمح الله. كانت ليلة لا تنسى عندما أعلن المذيع اسمي واسم شقيقي أسعد، وأختي صبرية، بشكل متفرق طبعاً، ليعلو صراخنا، فيسكتنا تارة الوالد، وتارة أخرى شقيقي ناصر.
حينها كان المتعلمون، ولهذا السبب كانت الحكومة تذيع أسماء خريجي المتوسطة، وكأنها “مو مصدقة” إن عندها متعلمين، ولندرة المتعلمين، قررت الحكومة منذ أوائل الستينات حتى يومنا هذا، ربط الشهادة العلمية بالدرجة الوظيفية، فالحاصل على شهادة المتوسطة يحصل على درجة وظيفية معينة، والحاصل على شهادة الثانوية يحصل على درجة وظيفية أعلى، وهكذا مع الشهادات الجامعية والدرجات العلمية العليا. ومنذ ستين سنة إلى اليوم لم يتغير هذا القرار السخيف، الذي فضل العلوم النظرية على الإبداع والخبرة الميدانية.
ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على حصولي على درجة الماجستير في الإعلام من الولايات المتحدة الأميركية (1978)، وكنت حينها من الكويتيين النادرين الحاصلين على هذه الدرجة العلمية الرفيعة، والمتخصص في هذا الحقل، لم تهتم أي من الجهات التي عملت فيها بالاطلاع على الشهادة الأصلية، يمكن لأن الجامعة التي منحتني هذه الدرجة العلمية معروفة ومعترف بها وبكليتها الإعلامية، ويمكن كذلك لإننا لم نكن نعرف الغش والتزوير.
ورغم أنني بنهاية العام 1981 (أي قبل أكثر من 37 سنة)، أنهيت معظم متطلبات الحصول على درجة الدكتوراه في الإعلام المصرفي من جامعة “سيراكيوز” في الولايات المتحدة، ولم يتبق سوى الرسالة نفسها، ولم أكمل ذلك لحدوث مشكلة في الكويت أعادتني إلى بلدي، إلا أنني امتنعت عن إكمال الدراسة، ليس بسبب أن هذه الشهادة لن تفيدني في شيء سوى التدريس في الجامعة، إنما لتكاثر حاملي الدرجات العلمية العليا…أغلبهم مزورون، فما الذي يفرقني عنهم حينئذ، لو قررت العودة إلى مقاعد الدراسة للحصول على درجة علمية لا تسمن ولا تغني من جوع؟
في تلك الحقبة، كان كل ما نعرفه عن الغش والتدليس هو أن يقوم مدرس مادة ما بتدريس أحد طلبته درساً خصوصياً في بيته بمقابل مادي، أو أن يسلمه نموذجاً من أسئلة الامتحان، ومثل هذا السلوك كان جريمة كبرى لا تغتفر، حتى وإن كنا نسمع عن حدوثه بين مبتعثين إلى جامعات “عربية”، ولكنها كانت في حدود هدايا بسيطة يشترونها من الكويت ليقدموها لمدرسيهم، لعل وعسى أن يمنحوهم درجات أعلى، وليس شهادات علمية عليا.
لاحظ أنه في تلك الحقبة الستينية، ورغم ندرة المتعلمين، لم نسمع عن أن كويتياً واحداً زور شهادة الصف الرابع المتوسط أو شهادة الثانوية العامة، رغم أنهما شهادتان لا تتطلبان تخصصاً علمياً ولا خبرة ميدانية. لم يحدث هذا، يمكن لأن الكويت كانت صغيرة، ونعرف كل شيء عن بعضنا بعضا، وعن تحصيلنا العلمي.
اليوم نجد بيننا آلافاً، إن لم يكونوا مئات، يتهافتون على شراء شهادات مزورة لدرجات علمية رفيعة، مثل الماجستير والدكتوراه، اللتين تتطلبان تخصصاً علمياً، وياليتهم اكتفوا بتخصصات نظرية مثل التاريخ أو الدين أو علم النفس وغيرها، بل هم أتوا، وبكل جرأة بتخصصات علمية تتطلب خبرة ميدانية وفهماً دقيقاً، مثل إدارة الأعمال والاقتصاد والتجارة وغيرها.
“شنو هالجرأة”؟ الغش والتزوير الذي انقض علينا اليوم وبهذه الصورة البانورامية ثلاثية الأبعاد، كأنه وحش يقف على رؤوسنا، يحاول تدمير أخلاقياتنا التي تربطنا ببعضنا بعضا، وينوي قتل ما تبقى من أعرافنا وقيمنا، والتهام عظام مهشمة من عاداتنا وتقاليدنا.
كل هذا يحدث جهاراً نهاراً، لأن الحكومة لا تريد أن تطبق القانون على الجميع، إلا إذا “اشتهت، وعلى ناس وناس”.
\ \ \
“شصاير فينا؟:
من رئيس القسم لى حَد الوزير
نادر اللي له نوايا صالحه
ناقة الديره اتركوها في الهجير
وعقْب حَلْب الديد… قالوا “مالحه”!
أصغر مْوظف… إلى أكبر مدير
منهو ما خلّاها “عِزْبه” لصالحه؟
“كالحه” هذي الليالي يا عشير
واقرا في القاموس معنى “الكالحه”!
في أوضح من الشاعر “وضاح”؟
إعلامي كويتي
السياسة