متخصصون: للفن والإعلام دور في التقويم
التنمر والعنف الطلابي
في ظل تزايد العنف الطلابي وظاهرة التنمر بين الاطفال، بات لزاما على كل الاجهزة المعنية اتخاذ كل التدابير لمكافحة هذه الظاهرة، التي اتخذت منحى خطرا بعد ان تغلغلت فيها روح الانتقام بين صغار السن تحديدا، واصبحت حتى المدارس مرتعا لهذه الممارسات بين الذكور والاناث على حد سواء، وبين حين واخر تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي صورا لهذه السلوكيات التي تهدد الامن والسلم الاجتماعي.
المسؤولية ليست حكراً على مؤسسات المجتمع المدني، بل هي مسؤولية الجهاز الاعلامي الرسمي الذي عليه ان يكثف رسائله وبرامجه لمواجهة هذه الظاهرة من جهة، والفن الذي يعتبر من اهم الأدوات التي تؤثر في الاطفال والناشئة بشكل ملحوظ اذا ما كان الطرح مميزا ولافتا، وللوقوف على مدى جاهزية هذه الجهات لمكافحة الظاهرة جاء هذا التحقيق.
سعود الخالدي الوكيل المساعد لشؤون التلفزيون في وزارة الاعلام، تحدث عن خطة الوزارة في هذا الصدد قائلا: لقد وضعنا خطة متكاملة لمواجهة ظاهرة التنمر والعنف الطلابي، وقد بدأنا فعليا في بث فلاشات توعوية لمواجهة كل اشكال التنمر والعنف بين الاطفال، الى جانب تكليف لجنة متخصصة لعمل مجموعة برامج واعمال تستنكر هذه السلوكيات الخطأ، وطرح صورة للاخلاق الحميدة وكيفية التعامل مع الاخر.
واضاف الخالدي: ان الوزارة وضعت نصب عينيها قضايا المجتمع المهمة، وما يجب التصدي له من ظواهر سلبية على صعيد العلاقات الاجتماعية والانسانية، ووضعت الطفل والناشئة على قمة هذه الاولويات من اجل خلق جيل واع ومثقف بعيد عن كل ممارسات العنف والتطرف الفكري، لذا يعمل قطاع التخطيط ايضا في وزارة الاعلام على هذه الحالة، لتحسين المناخ الاجتماعي العام وتوجيه النشء لما هو مفيد.
غيض من فيض
من جانبه، تحدث د. سعد بن طفلة وزير الاعلام السابق واستاذ اللغة الانكليزية في جامعة الكويت، عن رأيه في الموضوع قائلا: لا بد من الاعتراف بان هذه الظاهرة باتت طافية على السطح في مجتمعنا، وهي جزء من ظاهرة تعنيف الاطفال، وكنت للتو اترجم تقريرا في الولايات المتحدة الاميركية يتحدث بالارقام عن هذه الظاهرة في اميركا، ليجزم التقرير بأن هذه الارقام ما هي الا غيض من فيض من الحالات العامة الموجودة اصلا، وهي كذلك هنا في الكويت، ونحن في الجامعة نسمع من الطلبة حكايا وقصصا عن التنمر فيها من العجب العجاب سواء كانت ما بين الاناث او الذكور.
واضاف: علينا ان نواجه انفسنا بهذه الحقيقة، التي لا بد ان نعمل على مكافحة اسبابها ولا نخجل من الاعتراف بها، وعلينا ان نرشد ابناءنا لسلوك افضل، فلا ينبغي على الفتاة ان تسكت من باب الحياء اذا ما تعرضت للتنمر او العنف من باب العيب، او يجب الا نعظم روح الانتقام في نفس الولد اذا ما تعرض للعنف ايضا، والبحث عن وسائل تربوية لتقويم هذا السلوك.
الرسالة الفنية
الفنان داود حسين، تحدث عن الدور الفني في مكافحة التنمر والعنف الطلابي قائلا: هناك الكثير الذي يمكن القيام به على الصعيد الفني من خلال الاعمال التلفزيونية التربوية خصوصا، وان للدراما قاعدة جماهيرية كبيرة عند الاطفال والناشئة، وهناك الكثير من الفنانين الذين يعتبرون ايقونة لهذه الشريحة في المجتمع، والتي يمكن تسخيرها لخلق قاعدة فكرية لدى الاطفال تحسن من سلوكهم وتنبذ العنف.
الفنانة زهرة الخرجي قالت: الفن في اصله رسالة ثقافية واجتماعية، وهو الاساس في خلق مجتمع واع من خلال ما يطرح من اعمال ادبية او اعمال فنية، ومنذ البدايات ونحن نعمل على منظومة الطفل التي تحتمل الكثير من الاهداف لكونه اكثر استيعابا وتأثرا بما يرى او يقرأ، ومع ازدياد ظاهرة العنف والتنمر بين الطلاب بات لزاما على كل من يهمه الامر في الوسط الفني تحمل المسؤولية تجاه هذا الجيل، بطرح اعمال تربوية تعيدهم الى المسار الصحيح، ويجب على الجهات المسؤولة في الدولة تحمل جزء كبير من المسؤولية في انتاج هذا النوع من الاعمال، وفتح ساعات البث المناسبة لها كي تحقق الهدف المنشود.
وعن دور وزارة الاعلام قالت: في ظل وجود وزارة اعلام متنقلة في جيب كل انسان، اصبحت المسؤولية مضاعفة على جهاز الدولة في توجيه اهدافه وتعميق افكاره للحد من هذه الظاهرة، باساليب مبتكرة تواكب التطور التكنولوجي والحداثة في عالم الاتصال، كي تصل الى الجميع في اسرع وقت، وتسخير كل الجهود من اجل انقاذ اجيال المستقبل.
تضافر الجهود
الفنان عبدالرحمن العقل اكد ضرورة تضافر الجهود من كل الجهات المعنية للحد من هذه الظاهرة، قائلا: مسألة العنف الطلابي والتنمر لا يقف حلها عند جهة واحدة، فهناك مسؤولية على الاعلام والفن والاسرة والمدرسة من خلال وضع آلية تعاون للوقوف على اسبابها والحد منها، لكونها اصبحت ظاهرة تؤرق الجميع، ويجب عدم التساهل في معطياتها، خصوصا بعد ان اصبحت موجودة بين الطلبة من هم دون العاشرة.
واضاف «الدور الفني يأتي من خلال انتاج اعمال تربوية وبرامج توجه السلوك العام بشكل حميد، وتعزيز روح التسامح والمحبة مع الاخر، وغرس القيم والعادات والتقاليد التي جبل عليها مجتمعنا الكويتي بعيدا عن التنمر والعنف، وهذا الامر يحتاج الى دعم من وزارة الاعلام من الناحية الانتاجية لتقديم عمل متوازن وقيم.
الجوانب النفسية
د. نادية الحمدان استاذة علم النفس في جامعة الكويت، تحدثت عن هذه الظاهرة قائلة «ما يدور في المدارس حاليا من حالات عنف كانت في البداية ظاهرة موجودة في المراحل العمرية المتقدمة قليلا، اي في المرحلة الثانوية، لكن المخيف الان هو ما شهدناه أخيرا من انتقال هذه الظاهرة الى الاطفال في المراحل الابتدائية، الامر الذي يدق ناقوس الخطر، فقد اكتسب هؤلاء الاطفال مظاهر العنف مما يتابعونه عبر اليوتيوب والالعاب الالكترونية التي تعتمد على الصراع والضرب وابراز مواطن القوة، مما يجعله يسعى لتقمص هذه الشخصيات من جهة، او التأثر بالطاقة التي تولدها في نفسه كي يصبح هو البطل.
واضافت: للاسرة ايضا دور في تعزيز روح العنف والتنمر، اما من خلال تعرض هذا الطفل للتنمر في بيئته فتنعكس على سلوكه، او من خلال دعم الأهل للعنف عندما يوجهون ابناءهم للرد على من يعتدي بالمثل، كمن يقول «اللي يطقك طقه» لنقع في نظام العصابات والجماعات في مواجهة البعض، الى جانب تأثير الظروف الاسرية على الطفل اذا ما كان هناك عدم استقرار اسري بين الام والاب، او وجود حالة انفصال او تعنيف الاب للام امام الابناء.
واوضحت الحمدان ايضا ان متابعة الاطفال للاعمال الدرامية التي لا تناسب اعمارهم، والتي تحتوي على مشاهد القتل والعنف، حتى الافلام الكارتونية ذات الصلة بهذا الموضوع اسهمت في تعزيز روح الانتقام او العنف لديهم، لنشهد ظاهرة الشللية فيها قائد يعطي الاوامر لفريقه بالتهجم على الاخر.
الحلول العلاجية
عن الحلول العلاجية لهذه الظاهرة، قالت د. الحمدان: للاسرة دور كبير في علاج هذا السلوك لدى الابناء من خلال تقديم النصائح والتوجيه، والتقرب من الابناء للوقوف على الاسباب وراء هذا التنمر او العنف، واخيرا العقاب في حال استدعى الامر، اما المدرسة فهي في العادة تلجأ للفصل التأديبي، وهذا العقاب خطأ وغير مجد لانه سيجتمع مع اصدقاء السوء وتكبر المشكلة، والصحيح ان يقف على هذه الحالة المتخصصون في الجوانب النفسية والاجتماعية، ووضع نظام لحل المشكلة عن طريق مواجهة المخطئ ومساعدته على التخلص من الدوافع وراء هذا السلوك، الى جانب عقد الندوات والورش التدريبية التي توجه الجميع في الاتجاه الصحيح، والتعامل مع هذه الحالات بشكل جدي وعميق.