كتاب أكاديميا

نور العجيل تكتب: ما كان حُلماً

الثاني من أغسطس سنة ١٩٩٠
كان يوم مشؤم ما إن رنق النوم عين خليفة حتى طرق بابه زميله: بسم الله ما الذي جاء بك في الهزيع الأخير من الليل!
أحمد: أي ليل، أي نوم أي راحة تزعم أنك ملاقيها! 
السادسة صباحاً الجنود العراقيون في كل مكان..
خليفة: أعالم يا صديقي ما تقول؟
أحمد: أعلم، وليس لنا في ذلك حيلة!
عاد خليفة إلى بيته يجر في رجله كيف سأخبرها بهذا الرزء..أرتدى ثيابه العسكرية كان يحسبها هاجعة حتى قالت:ألست مجاز يا خليفة؟
ما الذي تخفيه في سريرتك؟
استبثته ذات نفسه حتى قال: العراقيون في كل مكان!
حنان: العراقيون؟
خليفة: كل أبنائي أمانة في عنقك.. وإن حل ما حل، وإن لم أعُد لا تتركِ الكويت أبداً..
استعبرت حنان رفعت رأسها وعينها مخلضة بالدموع: 
ستعود لي!
ها هو أحمد يضرب الباب في شدة!
خليفة: ها أنا يا أحمد
يسير خليفة وأحمد مسرعان ومن زاوية أخرى تسحب الستار الأزرق الفاتح حنان حتى ترى ما الذي حل!
وعلى نور الشمس المتسلل استيقظ الأبناء ما الذي حدث يا أمي: العراقيون غزوا الكويت!
ريم: أين أبي؟
بينما تجيبهم حنان على أسئلتهم..
وصل خليفة وأحمد لجسر الصبية وكأن العسكر العراقيون في استقبالهم..
العسكري العراقي الأبيض بأسنانه الصفراء وعلى وجنته اليسرى ندبة بصوته الغليظ هازئاً: ما شاء الله أتيت متأخر!
أحمد معتدل القامة أسمر وبنظرته الشزراء ونبرة صوته الهادئة: أيحسب في ذلك يلقينا في الرغام!
العسكري: أصعد الباص دون صوت!
كان آخر ما عرفته حنان أن خليفة رحل ليدافع عن أرضه.. كان كلما طرق بابها أحد تضع يدها على قلبها يا رب لطفك!
ها هي زينب تمسك غطاء رأس والدها (شماغه)
تستنشقه بشده وعينيها موكوءة بالدموع..مذ رحل لم تأكل أي شيء.. حتى كلّت وربد وجهها كانت تعاني من سرطان الدم(اللوكيميا) وكانت هذه صورتها من ظهر ذاك اليوم كان من يراها لن يقول عنها متفتية ذات ١٢ عام فقط ألم بها الألم وسرق منها جمالها حتى غدت شاحبة أخذ المرض منها ما أخذ حتى باتت كالمتسلبة.. مرت ثلاثة أسابيع حتى علمت يقيناً حنان بأنه أسير..الحمد لله إنه ليهون علي بأنه يتنفس في مكان ما جائعاً للطعام ولا يموت صغير جائعاً للحياة!
إن لفي ذلك أجر عظيم!
زينب: الحمد لله سأزور أبي في سجون العراق!
حنان: إن شاء الله يا أبنتي
الثاني من نوفمبر..
خالد: حنان يا أختي ليس لكِ في هذه الأرض مكان بعد اليوم! لتأتي معنا للعراق!
حنان: أبنتي مريضة وزوجي في الأسر! والكويت أرضي!
خالد: ليس هنالك كويت!
حنان: لن تأخذني!
خالد: وإن متِ!
حنان: أفضل أن أموت أنا وأبنائي في بيتي على أن أموت هناك
خالد: لكِ ما أردتِ ولا تخبريني بأنكِ نادمة بعد ذلك!
حنان: لن أندم أبداً!
مر شهر على ذاك اليوم 
٢-١٢-١٩٩٠ مستشفى الهادي..
ماتت زينب هناك..انخفاض حاد في ضغط الدم
جراء اكتئابها.. لم ترَ والدها ولم يودعها..
٦-١٢-١٩٩٠ الرمادي العراق سجون الأسرة الكويتيين
خليفة: ما الذي حل بالكويت
حنان: الحمد لله كل خير، أخبرني كيف معاملتهم لك؟
خليفة: لك أن تتصوري كم من الأيام التي نمت بها معدتي خاوية..إهانتهم الدائمة لنا! تعذيبهم لمن يتطاول أمامنا! لا يغيب عن ناظري طعنهم لجاسم في بطنه لا يغيب أبداً!
حنان: كل هذا!
خليفة: وأسوأ، لكنني غفرت لهم حين سمحوا لكِ بزيارتي!
حنان: ما أكرمك!
خليفة: بالأمس حلمت حلم أرابني!
حنان: اللهم أجعله خيراً.. أخبرني!
خليفة: وكأنما لي مزرعة دجاج بها سبع دجاجات وفرت من تلك المزرعة دجاجة!
*وكأنما كان يروي فقدانه لابنته.. تسيطر حنان على نبرة صوتها وتحاول ألا تخونها قوتها فتقول:
المزرعة يا خليفة ما هي إلا هذا السجن الذي يقف عائقاً بينك وبين بلادك والدجاجة أنت سوف تغادره وتعود للكويت.
خليفة: اللهم آمين،
@nooral3jeel

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock