كتاب أكاديميا

يوسف عوض العازمي يكتب: الطفل الذي بداخلك

” يولد الانسان حرا ، و لكنه في كل مكان يجر سلاسل الاستعباد ”

( جان جاك روسو )

هل سألت نفسك يوما” عن علاقتك مع الطفل الذي يكمن داخلك ، في داخل نفسك ؟

مهما ذهبت بنا ظروف الحياة و مشاغلها ، أو تلاعبت فينا أقدارها و متاعبها ، يبقى هناك شخص يؤشر من بعيد ، ينادي للشخصية الحقيقية لتقف على حقيقتها ، و ترمي تصنعها جانبا” و تلبس ثوب العفوية ، و الإبتسامة البريئة ، والضحكة الغير صالحة للنشر ( أحيانا” ! )

عندما تجرفك أيام الحياة و لياليها إلى مشاغلك و إهتماماتك العملية ، حينما تجنح للرسمية و تحفظ لسانك عن العفوية ، وتتحدث بلسان الوضع الإجتماعي ( أقصد أي وضع العائلي العمري العملي إلخ … ) و تأخذ من التعقل الزائد جانبا” ، وتتصنع التواضع كي يقال عنك متواضع ، فإنك ستبقى ناقصا” .. و إن تعمدت بالظهور بمظهر المتواضع !

أعرف أحدهم يشغل وظيفة رسمية تتطلب إحتكاك دائم بالناس ، و قضاء الحوائج ، وبسبب البيئة المجتمعية لايستطيع ألا أن يكون رسميا” و ثفيلا” ، أي يأخذ الإتزان الزائد ، و هذا أمر فرضه عليه المنصب أو الوظيفة العليا ، هذا الشخص بالذات عندما يسافر في إجازة تجده شخصا” آخر مختلفا” تماما” عن نفس الشخص المقصود ، ففي الإجازة يذهب لمكان لايعرفه احد في أقاصي الأرض ، و هناك يغلق خط الهاتف ، ويطلق سراح الطفل الذي بداخله ، لباس مختلف ، شكل مختلف ، نفس مختلفة ، يركب الدراجة الهوائية يسير بها و هو يغني بصوت عال ، ضحكاته تسمعها من بعيد ، من يعرفه سيقسم بأنه ليس هو نفس الشخص !

و عندما تنتهي الإجازة ، يرتب طفله داخل حقيبة السفر ، و يشد عليه الأربطة ، ويلبس ثوب الرسمية و الثقل ، فإذا بك أمام شخص مختلف تماما” ، ومتناقض مع الأخ المسافر !

عندما نحلل شخصية الشخص ( رجلا” كان أو أمرأة ) و نجده متناقض بين شخصيتين ، يظهر بشخصية و الأخرى مختلفة ، فماذا يعني ذلك ، أعتقد أن البيئة المجتمعية تلعب دورا” في ذلك ، خاصة مجتمعاتنا التي تهتم بالمظهر لا بالحوهر ، تهتم باللباس و تتجاهل اللابس ، لايهمها سوى الظاهر وتبني عليه 99 % من الفكرة العامة عنه ، أي لو كنت تلبس دشداشة و غترة و عقال ، غير لما تلبس قميص و بنطلون ، لما تطلق اللحية التعامل يختلف عن الحليق ، بل أننا في الآونة الأخيرة أخذ البعض منا يتوسل المسميات في السيرة الذاتية ، فتجده يكتب في سيرته ( خاصة في وسائل التواصل ) بأنه عضو في المكان الفلاني أو الجهة العلانية ، والمضحك أن البعض وصل إلى الإدعاء بأنه عضو في منظمات دولية و أممية ! ، معروف للعارفين أنه يصعب الوصول إليها إلا عبر تزكيات من الدولة و الجهات المختصة !

أظنه الفراغ و فقدان الثقة بالشخصية ، و الإدعاء بأمور ومنجزات وهمية يعني أن هناك نقصا” في ثقة الإنسان بنفسه ، التواضع نعمة و راحة للنفس ، ومن تواضع لله رفعه ، أما ادعاء المناصب الوهمية الكاذبة ، فهي مرض و نقص و جهل ..

نرجع للطفل ، و اهمية إطلاق سراحه ، مهم جدا” أن تدلل طفلك الذي بداخلك ، إذا أحببت مكانا” للذهاب إليه لاتحرم نفسك ، مطعم مثلا” أو كافيه ، حتى الألعاب توحد ألعاب للكبار ، أضحك أبتسم أركض هرول ، الدنيا لاتساوي جناح بعوضة ، لاتسجن نفسك بحجة الثقل ، اعمل ماتراه مناسبا” لك أنت ، وليس للناس ، فالمحتمع اليوم غير مجتمع الامس ، صدقني الكل ماض في طريقه ، فلا تقف ولا تتثاقل على حساب نفسك ، والحياه سائرة بك وبدونك ..

يوسف عوض العازمي ..

alzmi1969@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock