سوسن إبراهيم تكتب: صاحب القبعة الزرقاء
انتهت جلسة الكيماوي قبل عدة أيام وأصبح جاهزا ً للخروج. ارتدى قبعته الزرقاء التي لازمته منذ أول جلسة كيماوي وأول شعيرات سقطت. أحضر معه ما يلزمه وهمّ بالخروج من المستشفى بعد أشهر قضاها هناك. لقد أصبحت ملاذه وبيته الذي أُجبر على العيش فيه. أحضر مستلزماته التي رافقت أسوأ لحظات حياته وودع الممرض الآسيوي الذي طالما كان بجانبه عند أشد آلامه ومرضه، ودعه بحرقة وكأنه أحد أصدقائه القدامى. ودعه رغم إنحراجه منه، فهو الذي لازمه مدة ليست باليسيرة لقد عرف عنه مالم تعرفه عنه أمه حين كبر، لقد رأى بكائه وسمع صراخه ومناجاته. كفكف دموعه واستمر بالسير خارج سجنه الأمن حتى خرج بعد أن ظن أن سيره سيستمر أياما ً ولياليها لقد أرهقه الرحيل، إرهاقا ً أكبر من وجوده بالداخل أسير محتجز رهين الفحوصات والتحاليل. خرج متخبطا ً ملتاعا ً يشعر ولا يشعر بشيء يحاول فهم ما يجري حوله. يبدو حائرا ً ضائقا ً به صدره. ولكنه قد شُفيّ بالكامل لمّا تلك المشاعر المتخبطة لمّا لا يخرج منتصرا ً مهلهلا ً . لقد هزم السرطان ولكنّ الأخير هزمه من قبل، لقد هشم روحه الحية اليانعة لقد أمات تفاصيله العميقة لقد كسره بمعنى الكلمة. هزمه السرطان قبل أن يهزمه، بعد أن انتشل روحه ونفضها كما يُنفض الغبار عن سطح المكتبات. ولكن يبقى انتصاره أقوى وأعظم من سطوة السرطان لقد حارب بشراسة وتفوق عليه ومازال بالعمر بقية. لقد ابتسم لأنه أيقن بأنه المنتصر وأنه الأقوى لأن العبرة في الخواتيم. لقد خرج ذاك اليوم شخصا ً أخر. شخصا ً عانى وحارب بضراوة لم يُخيل إليه أنه سيخوض تجربة بذاك العمق ولكنه فعلها وقضى على سطوته وقسوته.
لقد خرج شخصا ً يكبر عمره بسنوات وسنوات ولكنه أقوى من ذي قبل وهذا ما يهم الآن.
إلى صاحب القبعة الزرقاء.
سوسن إبراهيم محمد
@SawsanIris3