كتاب أكاديميا

أسماء السكاف تكتب: باعوا أطفالهم وبلا ثمن

وقفت سفينة ضخمة أمام الميناء على أحد الشواطئ الأوروبية وبدأت تنزل حمولتها ، بدأ بالنزول قبطان السفينة يتبعه طابور طويل من الأطفال لا حول لهم ولا قوة يمشون خلفه لمصيرهم لا يعلمون شيئا عن القادم ، يربطهم حبل بأيديهم أوله بيد القبطان وآخره بيد مساعده في الخلف ، قلق الصغار باد على وجوههم ولكن لا يتجرؤون على البوح فالعقاب قاس يعلمون ذلك جيدا وصل بهم رب السفينة الى سوق النخاسة ليبيع كل طفل لأول شار بثمن مناسب لجيبه ، كل ما كان يهتم به القبطان هو كم سيجني من وراء كل طفل لم يكن يهتم أبدا ولا يفكر أصلا بالبيئة التي سيعيش فيها هذا الطفل ولا كيف وأين سيكون ، لو وقفت لترى المنظر من بعيد لأوجعك وآلمك وقوف أطفال كالزهور بطابور عرض يباعون ثم يبدأ العدد بالقلة حتى ينتهي الأطفال من أمامك كل منهم ذهب لمصير وبيئة مختلفة .

رغم بشاعة الموقف السابق إلا أني لم أصف تماما ما يحدث مع الصغار من سوء معاملة ولا كيف يتم معاقبة العاصي والمتمرد منهم الا أننا لا نستطيع انكار حقيقة هذا التاريخ البشع في عصر من العصور السابقة سنتقزز وتشمئز نفوسنا وتحزن قلوبنا لحال الصغار ونتمنى لو أمكننا احتضانهم ورحمتهم ، ماذا سيحدث لو قال لنا شخص نثق بكلامه بأننا نقوم بدور هذا القبطان الظالم في كثير من الأحيان مع صغار لا حول لهم ولا قوة، بالنسبة لي سيحدث زلزال في نفسي وضيق وغضب كيف تتم مقارنة عصرنا الحالي المتفتح المهتم بالطفولة بذلك العصر الجاهل المتخلف الظالم زمن العبودية والاستعباد من الظلم مقارنة عصر الظلمة بعصر النور والطفرة التربوية الحديثة .

اذن سنخرج معا من سوق النخاسة ونمشي عبر الزمن سويا بضع مئات السنين حتى نصل الى العصر الحالي سندخل احدى المدن في أحد مطاعمها أو حتى حدائقها لو جلست تدقق لوجدت الأطفال حولك مقيدين ولكن ليس بحبال بل بأجهزة يمسكونها بأيديهم مكبلين بها وعيونهم متسمرة عليها انها أجهزة ذكية تستخدم أحيانا بطريقة غبية، في نفس المدينة بجانب آخر داخل أحد المنازل نرى طفلا بعمر الخامسة أو السادسة تقريبا يجلس في أحد زوايا الحجرة أمامه كم كبير من الكتب والأوراق يمسكها ويحفظ منها، رغم علامات النباهة البادية على وجهه البريء الى أن الحزن البادي كغمامة تغطي وجهه الصغير لا يمكن اخفاؤه ، لنسأل عنه وعن قصته أجابتنا أمه بفخر: ولدي نبيه وذكي جدا يقرأ ويكتب منذ كان في الثالثة من عمره والده يريده أن يكون أصغر خطيب للمسجد الكبير في مدينتنا يواظب على تحفيظه الخطب والكلمات منذ كان عمره سنتين ويريه (فيديوهات) الخطب والدروس بشكل مستمر يومي ، ناداه والده وقال بفخر: أسمعنا يا بني خطبة عن حق الجار بدأ الصغير بأسلوب رائع جدا حمد الله وأثنى عليه وبدأ الخطبة بطبقات صوت مختلفة مناسبة لما يقول يرجف صوته كأنه سيبكي من التأثر ينادي الجموع كأي خطيب كبير يخطب بحمية بين جموع الناس ، كان والده ينظر له ولي كأنه يقول هذا انجازي ، أنا لم أستطع أن أرى به سوى ببغاء يردد ما حفظ فقط أعلم يقينا عدد الساعات التي انقضت وهو يجلس ليقلد الخطباء والمشايخ حتى يتقن أسلوبهم وطريقتهم ليرضي والده ألم يذهب هذا من وقت مرحه ولعبه واكتشافه للعالم حوله فهو لا زال في سن صغيرة لم قرر والده أن يختار له الطريق الذي سيشق بل ويعاقب ان لم يتقن ربما يضرب أيضا حتى يجيد ما أراد له والده حفظه وتكراره

وأيضا في نفس المدينة في احدى الحدائق العامة تقف طفلة صغيرة ترتدي نصف ثياب فأغلب جسدها الصغير مكشوف من بطن وظهر وأفخاذ بتسريحة شعر جميلة ومكياج واضح حمرة شفاه والوان فوق العين تقف أمامها أمها مزهوة والمصور يلتقط لها مجموعة من الصور ويملي عليها حركات وانثناءات تقوم بها لتبدو الصور بشكل أجمل ، تأففت الصغيرة وهتفت مللت متى سننتهي وجلست على الأرض متعبة وبختها أمها وأعطتها نظرة صارمة قائلة: كدنا ننتهي ألا تستطيعين الصبر أبدا ، انتهت ساعات التصوير ثم قبضت الأم الثمن من شركة الإعلانات المسؤولة وأخذت طفلتها ومشت ، هذه الصغيرة الجميلة هي الفاشينستا المعروفة التي لا يخلو برنامج من برامج التواصل الاجتماعي من صورها  والاعلانات التي قامت بتمثيلها رغم أنها في الرابعة من عمرها فقط ولكنها تجني من المال مالا يجنيه الكبار ، أول سؤال يتبادر للذهن هل الأهل من يؤمنون المال لمعيشة أطفالهم أم العكس ربما اختلفت الموازين في هذا الزمن .

بيع الطفل للشهرة بين مؤيد ومعارض فالكثيرون يبررون أنه أمر إيجابي للطفل غير ناظرين لنفسية الطفل والتبعات والترسبات عليها، مقاطع رقص الفتيات المنتشرة لجلب مشاهدة أكثر، أم تسخر من طفلها لتضحك المشاهدين، أهل يصورون لحظات بكاء وحزن صغارهم لجلب مشاهدة أكبر والعديد العديد من المقاطع للأطفال التي نراها بشكل يومي منتشرة.

ما هو مقياس التربية الصحيحة للطفل هل نتركه بلا تعليم وحفظ ودراسة حتى ينشأ حرا؟؟

بالطبع لا ليس حلا، ليس هناك أجمل ولا أروع من الهدي النبوي في التربية لو طبق تماما لنشأ جيل واع متعلم بنفسيات مشرقة الغالبية منا تحفظ الحديث النبوي الشريف: (مرو أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام نهج تربوي بالتدرج بإعطاء كل عمر حقه بعدم الضغط والشدة على الطفل بأي أمر كان فهو في عمر قبل السابعة يحتاج للحنان والمرح واللعب والحركة أكثر من أي شيء آخر التعليم والتربية تأتي كما كان الرسول(صلى الله عليه وسلم)يعلم بناءً على الحدث والموقف بالقدوة الجيدة فلا نستطيع أن نعلم ونعلم ونأمر الأطفال بأمر ما ونحن نقوم بعكسه ، التربية الصحية للطفل تنشأ على مبدأ احترام ذات الطفل وتقديره لا على اجباره واسكاته وترويضه فالعظماء نشأوا وتربوا تربية راقية جدا، توبيخ الطفل والسخرية منه أمر مدمر ، أذكر حديثا نبويا به هذا المعنى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :

(جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد هذه الناحية، الحج، قال: فمشى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:يا غلام زودك الله التقوى، ووجهك الخير، وكفاك الهم) احترم رأيه مشى معه ودعا له، نعم المعلم ونعم القدوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كان المعلم قاسيا صارما جلفا لكره الطالب مادته ونفر منها ولو كان لينا رقيقا طيبا لأحب الطالب مادته مهما كانت صعوبتها وهذا مبدأ الرسول(صلى الله عليه وسلم) في التربية والحياة بشكل عام عندما قال: (ان الرفق لا يكون في شيء الا زانه ولا ينزع من شيء الا شانه)

التربية والتعامل مع هذه المخلوقات الصغيرة اللطيفة التي تبدو وكأنها كائنات من الجنة أحب تسميتهم بأحباب الله يحتاج منا الكثير والكثير من التعلم والحكمة في زمن أصبح فيه بيع الأطفال مختلف عن السابق فهم يباعون للشهرة يباعون لهوى النفس يباعون للتطرف والفكر المنغلق تقمع شخصياتهم ليظهروا بمظهر يليق بمجتمع يحب التملق والتصنع فلنكن نحن نواة خير ونهضة وفهم لهدي الحبيب عليه الصلاة والسلام في التعامل مع الأطفال أعظم هدية وهبة أنعم الله بها علينا.

 

 

 

 

أسماء السكاف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock