أسماء السكاف تكتب: الدور السابع
رن هاتفها النقال فأجابت بكل هدوء لتسمع صوتا أشبه بالفحيح يخبرها أن تذهب للدور السابع من المجمع السكني الفلاني لترى ابنتها هناك بأي وضع ستكون، أغلقت الهاتف غير آبهة أو مهتمة فهي تعرف ابنتها أكثر من نفسها، حتى رن هاتفها بتنبيه رسالة ووصلتها صورة لابنتها تخرج من المصعد مبتسمة في ممر تجهله وكتب المرسل تحت الصورة : الدور السابع من المبنى الفلاني قبل قليل، كانت تعرف أنه مجمع سكني فخم ضخم، وبالمقابل تعرف أنها أوصلت ابنتها ذات السبعة عشر عاما لمنزل جدتها لتدرس مع خالتها التي تكبرها بأعوام قليلة، أغلقت الهاتف بهدوء ووقفت متجهة لغرفتها لتلبس ثياب الخروج وهي تتذكر صوت الشماتة والثقة في كلام المتصلة التي لم تعرفها، ارتدت ثيابها وهي تفكر هل أقول لوالدها أم أتريث، بالتأكيد سيعيد لومي على ثقتي المفرطة بها، لم تفكر حتى بالاتصال بها ربما ضمنيا حكمت عليها بعد رؤيتها للصورة وهي بحاجة للدليل العيني الآن ركبت السيارة ورجليها بالكاد تحملاها وبالكاد ترى أمامها من الغشاوة والضباب أمام عينها، الجو كان صافيا الضباب أمام عينيها فقط، تذكرت كم النقاشات والانتقادات التي تطالها ربما في كل جلسة عائلية على طبيعة علاقتها بابنتها وأن الصداقة بينهما بهذا الشكل خاطئة كانت تدافع عن رأيها ووجهة نظرها وتضرب مثالا بابنتها وكيف أن سبعة عشر عاما من التجربة تعد دليلا دامغا على صحة رأيها: علم ابنك كثيرا وأحبه أكثر وتقبل أخطائه وعثراته تقبلا حقيقيا لا ظاهريا، ضخ في عقله عند الصغر كل الثوابت والأسس بحزم وحب معا ثم توكل على الله وأطلقه في الكون ليكتشف بناءا على ما تم زرعه من أسس في عقله ولن تندم بإذن الله، هذا كان مبدؤها وقناعتها واقتناعها وما نفذته طيلة سبعة عشر عاما دون شعور بالندم، كانت تقف على اشارة التقاطع القريب من المبنى تتذكر وتسترجع بعض الحوارات مع صغيرتها ثم مع فتاتها المراهقة ثم معها وهي شابة، حتى أوقفت أبواق السيارات من خلفها دوامة الأفكار وحبل الذكريات الذي كاد أن يخنقها لولا استيعابها لوميض الإشارة باللون الأحمر للمرة الثانية على التوالي وكيف كانت السيارات تتجاوزها وينظر لها من فيها بشفاه تتحرك، بالتأكيد لم يكونوا يلقون السلام عليها.
وقفت في مواقف المبنى استجمعت كل قواها وإيمانها بالقضاء والقدر ودخلت المصعد وبهدوء تام ضغطت على زر الدور السابع متمنية ألا يصل بها المصعد ولا ترى ما يهدم كل شيء له معنى جميل، وصل المصعد: تن تن.. فتح الباب خرجت لتجد نفسها أمام نفس الممر في الصورة وفي نهايته بابين لا تعلم ابنتها خلف أي باب منهما، سمعت ضحكة حيوية بريئة جذابة تعرفها جيدا جذبتها الضحكة للباب فطرقته بحزم وقوة مصطنعة، فتحت الباب أختها ناظرة لها بكل استغراب: حياك ما الذي أتى بك وجدت ابنتها وأختها ومجموعة من صديقاتهن اللاتي تعرفهن جيدا يتغدون، سكت الجميع ربما من اصفرار لونها، لم تتكلم جلست على أول مقعد صادفته لاهثة كأنها للتو أنهت سباقا، قفزت ابنتها مخفية وجهها خلف يديها: آسفة ماما لم أجد وقتا لأخبرك.. جئت مع خالتي على عجالة لنودع صديقتها، لوحت الأم بيدها وخرجت تتمتم: أنا الآسفة، في طريق العودة الذي لم تشعر به رغم أنه قبل دقائق كان أطول طريق في العالم بالنسبة لها، دخلت منزلها واستلقت حتى قبل أن تخلع حذاءها من قدميها تمتمت بصوت هامس لنفسها: ربما الآن يجب أن أغير بعض قناعاتي فكيف للثقة أن تكون ثقة إن كانت تهتز من أي مؤثر أتاها وكيف للثقة أن تعيش وتشيخ مع التعرض لعوامل التعرية لو لم يكن جذرها ثابت قوي راسخ، ولنفترض أن خطأ ما حدث هل هذا مبرر لنسف قناعات وثقة بنيت عليها علاقات لسنوات هل من العدل نسف الكثير من الصح مقابل خطأ واحد ربما بغير قصد حتى مهما كان حجم الخطأ ومهما كان نوعه.
هذا ما دار في رأسها قبل أن تفتح الباب لابنتها التي احتضنتها قائلة: لا أعلم ما الذي دفعك لتلحقي بي ولكني .. أغلقت بيدها فم ابنتها قائلة: شششش ما كان كان ولكن ثقي ياروح أمك بأننا سنستمر بالتعلم وحتى تبديل القناعات إلى أن نشيب.
أسماء السكاف
9/2018