منى صابر حاتم يكتب: الغرفة المغلقة
” طفل واحد، قلم واحد، كتاب واحد”.
مقولة رائعة لمناضلة باكستانية أُشتهرت بدفاعها عن حقوق الإنسان، وخاصة حق الإناث في التعليم، وهي أصغر حاصلة على جائزة نوبل للسلام إطلاقاً.
ناضلت بسلاح العلم، كان شغفها بالتعلم أقوى من رصاصات طالبان أثراً. أخافت طالبان بعزمها وإصرارها، ترصدوا لها محاولين قتلها، “من فيكم ملالا؟” هكذا ردد قاتلها، بعدها أطلق رصاصاته الثلاث نحوها، خابت محاولتهم وبقيت هي المنتصرة على أرض حكم عليها بالإعدام.
دمرّت حركة طالبان المدارس معتقدةً بأن العلم فقط ما حُوّط بالحجارة، الرصاصات التي أصابت ملالا كانت هي النهاية الفاصلة، فانقلبت الموازين و أصبحت محط الاهتمام على كافة الأصعدة، المحلية والدولية، فقد نالت تعاطف ودعم الجميع.
ملالا الفتاة الصغيرة القوية عزماً وإرادةً هزمت طالبان، ضاربة بعدتهم وعتادهم عرض البحر، لتضعهم خلف قضبان الإصرار والعزيمة، رافعة راية العلم حق للجميع.
فتاة في ريعان العمر، في دولة فقيرة مضطربة سياسياً، أقتلعت منها أشجار السلام لتقف مكانها مدرعات الْخِزْي والبأس، هدمت فيها المدارس خوفاً من غلبة العلم على جهل الإرهاب.استطاعت أن تبهر العالم وتخلق هالة رائعة لتصبح أيقونة للعلم، أثارت إعجاب الجميع، وتأثر الكثير بها.
أثارتني تلك الفتاة الصغيرة في إصرارها، فكان هو الباعث لي في فتح تلك الغرفة المغلقة التي لم ألقي لها بالاً في ما مضى من أيام عمري، حتى أيقنت أن ليس هناك مستحيل ولا أمر يصعب تجاوزه.
وفِي لحظات صمت، تبادر إلى ذهني مقارنة مؤلمة، لبعض من أبناء بلدي ممن أنعم عليهم بالأمن والاستقرار، والوفرة المادية والمعنوية، حالهم بحال من مُنع إضطهاداً من نعمة العلم، وإنها والله من أجّل النعم. قلت محدثة نفسي :لماذا قلما ما نجد مثل شغفها فينا أو في من حولنا؟، وكيف ننبت العلم في أرض جدباء؟.
لا يغيب عن بالنا ذلك الأمر الذي لم يؤمر فيه النبي صَلِّ الله عليه وسلم بالإستزادة إلا بالعلم وهو ما ورد في سورة طه ( ١١٤ ) “وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمً” وهو من القيم الأساسية التي يحث عليها ديننا الحنيف.
وما أجملها من مكانة التي شرف الله العلي القدير بها أهل العلم وذكرها في محكم التنزيل قائلاً: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } (المجادلة: 11)
“طفل واحد، قلم واحد، كتاب واحد”، عبارة مُشرِقة ختمت بها ملالا خطابها أثناء حفل جائزة نوبل للسلام، ملالا أصبحت الآن إسماً لمؤسسة رسمية لدعم مشاريع التعلم أينما وجدت في جميع أنحاء العالم.
النهوض يحتاج لقلم واحد، وكتاب واحد، وطفل تزرع به حب العلم وشغفه، وكم من غرفة مغلقة تحتاج لمثل ملالا حتى يشاع بها نور العلم؟