ابراهيم العوضي يكتب : شهادة بـ «رمشة عين»!
ظاهرة الشهادات العلمية الوهمية – أو بالعامي المضروبة – لم تكن مستغربة أو مستبعدة، والكشف عنها كان مجرد مسألة وقت ليس أكثر. فقد تناول العديد من الكتاب والمهتمين وأنا منهم، تلك الآفة التي أصابت المجتمع ونحن نلاحظ كيف، وبقدرة قادر، أضحى الكثيرون من حولنا أصحاب شهادات عليا، وكما يقول اخواننا المصريون بـ «رمشة عين»! وما خفي أعظم!
مواطنون حصلوا على شهادات وهمية من دول لم نسمع عنها وعن تاريخها العلمي… لم يمضِ فيها هؤلاء سوى أيام معدودة، أياما قضوها من أجل سداد رسوم الدراسة، ومعها كذلك رسوم الحصول على الشهادة الوهمية! تحدثنا عنهم مراراً وتكراراً وعندما كشفهم التعليم العالي – كما يقول المثل العامي – «قامت القيامة وقعدت» لأنهم ادعوا أنهم حصلوا عليها عن جهد وتعب. نعم، فهم فقط تحملوا عناء ومشقة السفر ومنها أصابهم الجهد والتعب!
ولكن ما كشفته الدولة أخيراً، جاء من غير عناء وتعب نهائياً من قبل حملة الشهادات المضروبة، فقد حصل هؤلاء على شهاداتهم عن طريق التزوير وعن طريق دفع المال فقط، ولا شيء سواه، ومن خلال أحد موظفي الوزارة!
إن المؤلم في الموضوع أن يتساوى مثلاً من درس الهندسة لخمس سنوات، قضى فيها جل وقته في الدراسة والتعليم، مع من حصل عليها من دون أن يحضر فصلاً واحداً. وأن يتساوى مثلاً من حصل على شهادة الدكتوراه بعد بحث علمي دقيق، مع من حصل على الشهادة من دون أن يكتب مقالاً علمياً واحداً! وأن يتساوى، ومن الآخر، المزور مع المجتهد في العمل وفي المميزات والحقوق الوظيفية المختلفة!
ذكرت في مقال سابق قبل شهر، أننا نعلم أن «جامعات المال» ما زالت عامل جذب للكثيرين ممن يتوهمون أن الحصول على الشهادة العليا فقط هو السبيل الوحيد للوصول إلى ما يمكن أن يصل إليه اقرانهم من مناصب ووجاهة اجتماعية، وهي متوافرة بكثرة والوصول إليها والتعامل معها أسهل مما يتوقعه الجميع، ولكنني على يقين أيضاً أنهم سيكشفون منذ الوهلة الأولى والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة! ولكننا اليوم وجدنا تجار «المال الحرام» ممن يبيعون شهادات الوهم على المرضى النفسيين ممن يعتقدون أن نيل الشهادة المضروبة هو مفتاح النجاح لهم!
لا يهمني الكشف عن أسماء أصحاب الشهادات المضروبة، ولكن الأهم هو استبعادهم من وظائفهم أياً كانت خبراتهم ومكانتهم ومناصبهم، لأنهم ببساطة حصلوا عليها من دون وجه حق! وأن تسترد الدولة كل ما حصل عليه هؤلاء من دون وجه حق أيضاً من أموال ومزايا ومنافع فهي حق عام لجميع المواطنين، وأن يحاكموا محاكمة عادلة هم ومَنْ ساعدهم على التزوير لينالوا عقابهم وليكونوا عبرة لغيرهم! والله المستعان!
***
في دول العالم المتقدمة، يدرس الفرد ليتعلم ولكننا ندرس لنحصل على الشهادة!
في دول العالم المتقدمة، علم الشخص هو من يؤهله إلى سوق العمل، ولكن الشهادة وحدها هنا، وفقاً للدستور، هي من تكفل للفرد الوظيفة!
لذلك، فالمعادلة سهلة جداً: الشهادة للمواطن تعني الوظيفة، أما في الدول الأخرى، فإن العلم والمعرفة هما الوسيلة للحصول على الوظيفة… ولذلك يلجأ المواطن للحصول على الشهادة بأبسط وأسهل الطرق، والله من وراء القصد!
ابراهيم العوضي