هنادي ملا يوسف تكتب: ومن «الدال» ما قتل!
ترانمت وتصاعدت وانتشرت وفاحت رائحة نتنة في أجوائنا واشغلت الشعب الكويتي منذ أيام ببلوغ السيل الزُبى من استفحال قضية الشهادات المزورة! فلم تكن الضربة الموجعة لهم فقط، بأن كُشفوا من قبل أبناء هذه الأرض المخلصين الأوفياء الذين أبوا أن يظل الكثيرون معصوبي العينين عن الحقائق والظلم، ولكنها كانت ضربة كبيرة للعلم ونواتجه، لأننا كلنا نعلم أنه إذا أردت هدم شعب، فاهدم العلم لديه!
دائما ما كنا نسمع ونحن صغار: حبل الكذب قصير! تربية تعلمنا منها أن نسلك الصدق في أمورنا، لأن الصدق منجاة. قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119).
كنت أرى في المدرسة عندما كنا في المرحلة الابتدائية أطفالا يقومون بتزوير توقيع آبائهم عندما يتسلمون ورقة الاختبار بعد أن قامت المعلمة بتصحيحها وحصولهم على درجة سيئة.. كنت أعلم أنه نوع من «الخوف الوقائي» بأن يقوم بذلك الطفل لكي يُفادي نفسه من العقاب المتوقع، لأن الآباء في هذه الحالة لم يكونوا ليعطوا الأمان لأطفالهم بألا يحصلوا على «الأذى النفسي» نتيجة لإخفاقهم في جني الدرجات النهائية!
وهناك نموذج آخر من يقوم بجلد نفسه لتحقيق الراحة لغيره، ففي المرحلة المتوسطة كنت أرى نماذج أكبر مع زيادة العمر العقلي والنمو الجسدي، بأن قامت احدى المتعلمات بعدم حضور حفل التفوق على الرغم من حصولها على %94، الا أنها كما تقول «إنها نسبة غير مشرفة ولا تليق بي، فأنا أستحق %98»! كنت أعلم أنها لم تكن سعيدة بذلك الاجراء أيضا، لأنها لم تفعله برغبة حقيقية منها! والنماذج كثيرة..
ومع التطور التكنولوجي لم يعد «للكوركتر» أو آلة التصوير الملونة تلك الفاعلية كما كانت بالسابق، بل أصبحت برامج الحاسوب أكثر تطورا من ذي قبل، فأنت إن أردت تزوير حتى تحليل الدم ونتائجه ليكون باسم شخص آخر ومن بلد آخر، فإنك لن تجد صعوبة بعمل ذلك بتاتا!
ومع زيادة الجشع وزيادة حجم بالونة الأحلام وانعدام التقوى وانجلاء الصدق والرغبة العارمة الفيّاضة بالحصول على الكراسي الفارهة الفارغة، ظهر وانتشر بشدة وقوة الحب الشديد لحرف «الدال»، أيا كانت الدوافع النفسية لتحقيقها، فهي رغبة ملحة عند الكثيرين، ولا ضير في ذلك، فهناك الكثير من الأشراف ممن حققوها بجهد وتعب إيمانا منهم بمبدأ الصدق الذي نشأوا عليه واحترامهم لعقولهم وذواتهم بأن يضعوا «الدال» بكل فخر واعتزاز نفس خارجيا أمام الناس، وداخليا شعورا وكيانا!
اللهم احفظ الأشراف والمخلصين من أبناء وطني ووفقهم لما تحبه وترضاه.