محمد سالم البلهان يكتب: علموا أبناءكم الحرف اليدوية
في إحدى خطب الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة – طيب الله ثراه – طالب مواطنيه وحثهم على ضرورة تعلم وممارسة الأعمال والمهن اليدوية الحرة.. من دون أن يعتمدوا كلياً على الوظيفة الكتابية التي مردودها في غالب الأحيان أقل بكثير من مردود الحرف اليدوية.
وأنا أستمع إلى خطبة الرئيس ما تمنيته أن يطبق على شبابنا في الكويت وان على الحكومة ان تجد وسيلة علمية تجذب ابناءنا لتعلم الحرف اليدوية التي لا وجود لها بين مواطني البلاد.. فلو زار أي انسان يهمه الأمر محال إصلاح السيارات والدراجات النارية والهوائية وغيرها التي تصلح في المنطقة الصناعية في الشويخ وغيرها وحتى في المؤسسات الهامة كحفر آبار البترول أو مزاولة تصدير البترول وصناعة المنتوجات البترولية الخفيفة وكذلك في مجال الزراعة ومراقبة الموانئ والطيران وتسيير وسائل النقل العام وإصلاح الأدوات المنزلية الكهربائية والأدوات التكنولوجية البسيطة، فلن يجد يد العامل الكويتي فيها.. كل هذه الأعمال والمهن اليدوية والحرف تسير بيد العمالة الوافدة التي تتحكم في الأسعار وفي الإنتاج.. أليس ذلك خطأ يجب معالجته وإصلاحه؟! خصوصاً كل ما ذكر من محال أو مؤسسات صناعية يدوية تستغل من قبل الوافدين، ومن المعلوم أن كل تلك المحال منحت أراضيها إلى المواطن الكويتي لاستغلالها حسب المهنة التي منحت للكويتي ممارسة العمل فيها، إلا أن هذه المحال عن طريق من منحت له تم تأجيرها واكتفى المواطن الكويتي بأخذ نصيبه من الإيجارات الشهرية لهذه المحال التي أراد لها المشرِّع الكويتي في منحه إياها للمواطنين إيجاد فئة من العمالة من أبناء الوطن تتولى العمل والخدمة في هذه المحال أو على الأقل الإشراف على ما يدور فيها من عمل.. لسد حاجة البلاد المستقبلية إلى الأيدي العاملة الوطنية. لا أن تؤجر أو تباع كما هي الحال، وللأسف يتم ذلك الآن بموافقة الحكومة، وكان على الحكومة أن تظهر على من منحت القسائم الصناعية أو الزراعية ان يزاولوا العمل بها بنفسهم، لأن المهنة اليدوية بلادنا الكويت في حاجة إليها تماما لأنها كما يقال: تبعد الانسان عن الفقر وتحمي له الحياة.
وهذا ما ذكره الرئيس الحبيب بو رقيبة الذي أعطى له بخطبته سالفة الذكر مثلا يقتدى به إذ قال: ان كان لأحد الملوك ولد أوكل تربيته إلى مربية فاضلة. التي لم تكتف هذه السيدة الفاضلة بأن تعلم الطفل مكارم الأخلاق والآداب التي يجب أن يتحلى بها كما علمته القراءة والكتابة والعلوم العامة على أيدي أساتذة مختصين تحت اشراف تلك المربية الفطنة.
والأهم من ذلك قامت هذه السيدة الفاضلة بتعليم ولد السلطان حياكة السجاد الغالي الثمن كمهنة ينتفع منها مستقبلاً لو أن أي ظروف طرأت. ولما اشتد عضد الشاب ابن السلطان كانت تستهويه ممارسة التجول في شوارع المدينة للاطلاع على أحوال المواطنين، وفي احدى جولاته هذه اشتم رائحة طعام ذكية، اتجه نحو المكان الذي تنبع منه تلك الرائحة فوجده مطعما لتناول الطعام وبعدما تناول ابن السلطان الطعام ذا الرائحة الشهية اقتاده عمال المطعم إلى مكتب صاحب العمل الذي أبلغه بأن الطعام الذي أكله هو من لحوم البشر وأن المطعم يصطاد الغرباء الذين يدخلون أول مرة لاستعمال لحومهم طعاماً لزبائنهم الدائمين.
ثم قال مدير المطعم لصاحبنا إنه قد جاء دورك وسيكون لحمك طعاماً لزبائن المطعم. قال الشاب ما هو المردود المالي الذي سيعود عليكم من لحم جسدي إذا ما نحرتموني؟ قال له إنه مبلغ كذا. فقال: أنا مستعد لو تركتم لي فرصة الحياة أن أضاعف لكم هذا المردود المالي بأضعاف على أن تزودوني بكمية من الصوف وخيوط من الحرير ومشغل لحياكة السجاد.
ولما طال غياب الفتى عن منزل والديه أخذت سلطات السلطان بإيعاز منه بالتفتيش والبحث عنه، هنا تقدمت السيدة المربية للسلطان بأن يرسل معها رسولا من رجاله إلى سوق السجاد في المدينة الذي به استدلت على قطعة من السجاد من صنع ابن السلطان الذي كانت قد علمته صناعتها، فطلبت ممن معها من رجال السلطان تتبع خطى ذلك الرجل الذي باع القطعة في السوق، وهناك في منزله وجدوا ابن السلطان فعادوا به إلى ذويه، وهذا يعني ان المهنة الصناعية اليدوية تحمي الإنسان من الموت والفقر.
ولذا عليكم أن تعلموا أولادكم المهن اليدوية.
محمد سالم البلهان *