تعليمنا مغشوش..! بقلم: د. سلوى عبدالله الجسار
<من غشنا فليس منا> حديث شريف سمعناه ومازلنا نسمعه ونردده، وما نعيشه اليوم من واقع محزن ومؤسف يترجم ممارسات بغيضة «فاللي ما يغش ما ينجح واللي ما يبوق ما يصلح واللي ما يكذب مو شريف»! اذن من هو الشخص النظيف وما مواصفاته؟
ردود الفعل التي حشدت ما بين مؤيد ومعارض للائحة الغش الجديدة وقرار تدوير مديري المدارس والتي اعتمدتها وزارة التربية لمواجهة والتصدي لظاهرة الغش تثير العجب العجاب واللوم موجه الى الطلبة فقط والسؤال لماذا نلوم ونعاقب الطالب وقد وصل ظلمه في حال الغش الى فصله وحرمانه من كل المواد علما بانه كان من الافضل حرمانه فقط من المادة التي غش فيها، وهذا لا يعني انني ضد مثل هذه الاجراءات ولكن ما تم اتخاذه من قرارات تعتبر غير مهنية وغير مجدية ولن تضع حدا لمثل هذه الممارسات الخطيرة التي شوهت تعليمنا وافقدتنا الثقة فيه.
فاصابع الاتهام يجب ايضا ان توجه الى المعلمين الذين لم يقوموا بدورهم في ممارسة مهنة التدريس بكفاءة واخلاص وامانة، فأين دور الموجه الفني في مراقبة هذه الفئة من المعلمين الضعاف والعمل على تحسين ادائهم؟ وتقديم الدعم التعليمي لابنائنا الطلبة، اين دور مدير المدرسة في متابعة اداء المعلمين والطلبة ومساعدة من يحتاج الى التطوير وعلاج الضعف التراكمي؟ اين دور المنطقة التعليمية في ممارسة مهامها في التفتيش والرقابة على اداء العاملين في المدرسة ومحاسبة كل مقصر؟ ماذا نسمي تدخل بعض مديري المدارس في منح الطلبة درجات لا يستحقونها فقط لجعل مدرسته تحتل المراكز الاولى في الحصول على اعلى نسب النجاح! الا يعتبر هذا غشا؟! والمبالغة في منح الطلبة درجات كاملة في اعمال السنة دون وجه حق وبعيد عن العدالة اليس هذا غش؟! قيام عدد من المراقبين بكتابة الاجابات لأسئلة الاختبارات للطلبة خلال الامتحانات اليس هذا غشا؟! انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية اليس هذا غشا؟!
عدم الثقة في مديري المدارس في مراقبة لجان الاختبارات النهائية ووضع مراقبين عليهم حتى بعد التدوير الا يعتبر هذا اكبر حالة فساد وغش! كيف نأمن على ابنائنا وعلى تعليمهم في المدارس عند مديرين ومعلمين، للاسف وزارة التربية فقدت الثقة بهم! علما بان هناك العديد من المعلمين والمديرين المخلصين والمبدعين لكن اختلط الحابل بالنابل.
الاتهامات التي توجه الى الطلبة ومعاقبتهم بأشد الاجراءات لممارستهم الغش لن تجدي نفعا، ولن يصلح الوضع المأساوي لان للاسف آلية الانظمة التعليمية تساهم في تفشي الغش والفساد والاهمال فالكل مسؤول عن وصولنا الى هذا المستوى لان التعليم الذي يفشل في تعزيز قيم الامانة والالتزام والاخلاص ليس تعليما بل صناعة جهل، فنحن امة في خطر لاننا نجحنا في تخريج غشاشين وفاسدين فلن نبني وطنا و«كويت جديدة».
أين هذه الحملة «لا للغش» من أصحاب الشهادات المزورة الذين البعض منهم في أماكن صناعة القرار، اضافة الى ان مشكلة الغش ليس فقط في مدارسنا لكنها طالت الجامعات والكليات ليس فقط من قبل بعض الطلبة لكن هناك بعض الاساتذة التي تضخمت كشوفهم في منح معظم الطلبة امتياز الا يعتبر هذا غشا؟! بل البعض منهم يمارس الاهمال واللامبالاة في عدم احترام مسؤوليات العمل الاكاديمي وأخلاقيات المهنة في الغياب المتكرر وتدني المستوى الاكاديمي والعلمي وللاسف بعلم قيادات هذه المؤسسات، وإلا فقط نجح الوزير في فصل الطالب وحرمانه لكن لم يجرؤ على فصل ومعاقبة من يعلم هذا الطالب! أعتقد ان المعادلة في هرم مقلوب وخطير، فعندما يصل الوضع الى التعليم يجب ان نضع نقطة على السطر ونقف لمحاسبة كل من تسبب في فساد رسالة التعليم وجعل الكويت في ادنى مستويات المؤشرات العالمية رغم ما يصرف على التعليم من مبالغ ضخمة ولكن مازلنا نطلق شعارات كاذبة في التطوير والتنمية ونحيي أفرادا للاسف وضعوا في مناصب لا يستحقونها ونحارب المخلصين والشرفاء من ابناء الوطن.
“ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون (41)” سورة الروم
د. سلوى عبدالله الجسار أستاذ مشارك – كلية التربية – جامعة الكويت عضو مجلس الامة السابق
أستاذ مشارك – كلية التربية – جامعة الكويت عضو مجلس الامة السابق