أ.د. عبدالمحسن دشتي يكتب: كلُّنا غشَّاشُون
انتفض الشعب لفداحة الجرم الذي قامت به ثلة من الطلبة المراهقين، حين توجهوا إلى وزارة التربية، تقودهم ثلة من أولياء الأمور، في سابقة لم تحدث من قبل، لكن في قراءة سريعة لواقعنا الذي نعيشه منذ زمن، فلا نستطيع القول إنها غير متوقعة إلا إذا أردنا أن ندفن رؤوسنا في الرمال. ورأينا جميعاً ما صاحب هذا التصرف من قبل الطلبة وأولياء الأمور من تهديد ووعيد لوزير التربية. وعلى الرغم من أنني ضمن من انتفض من الشعب، فأطالبكم لنقف برهة ونتساءل: هل هؤلاء نتاج بلاد كاليابان أو فنلندا مثلاً؟ اليابان التي دائماً ما نتشدق بتطورها الأخلاقي والسلوكي.. فنلندا التي نتشدق ليل نهار بحصولها على أفضل مركز تعليمي على مستوى العالم.. لا ياسادة.. هؤلاء كويتيون أتوا من الكويت التي يبدو أنكم لا تعلمون شيئاً عن نظامها التربوي ومناهجها التي صممت ليحفظها الطالب.. والحفظ يساعد وبشدة على الغش، لا على التفكير والتأمل. تنتفضون وكأنكم لا تعيشون في هذا المجتمع الذي حولناه بإرادتنا إلى مجتمع يتقبّل الغش.. مجتمع لا ينجح فيه الكثيرون في أي مجال إلا عن طريق الغش. خذ قيادة السيارات مثلاً.. العديد منا يخالفون يومياً من دون أي شعور بالمسؤولية، فقط للوصول إلى وجهتهم بالحيلة والغش.. لكي ننجز أي معاملة في أي جهة حكومية علينا أن نبحث عن الواسطة.. والواسطة هي نوع من الغش. الاستئذانات الطبية (أو ما يسمى بالطبيات) هي نوع من الغش.. عندما ننظر إلى الوافدين قاطبة وكأنهم أدنى منا مستوى، كأننا شعب الله المختار، فنحن نعلم أولادنا «الغش». لا أنسى تلك السيدة التي اخترقت طابور الانتظار وتقول لابنها «لا تخف اذا احد كلمك قول له انا كويتي».. أليس هذا درساً في الغش؟! جلسات طرح الثقة أخيراً والممارسات الطائفية والقبلية من البعض، أليست هي نوعاً فاخراً من الغش؟ زيارة خاطفة للجمعيات التعاونية ومقارنة الأسعار بينها، تجعلك تصدر أهة حارقة من الغش الذي تراه.. البرلمان الطلابي الذي أرى أن الطلبة قد أُعدت لهم خطبٌ ليحفظوها لذلك اليوم.. أليس ذلك غشاً؟ نتائج الثانوية ونسب النجاح الخيالية والشهادات المزورة ووووو……
ما الحل إذن؟ حقيقة لا أرى حلاً ناجعاً في ظل كل هذا التدهور في جميع مناحي الحياة، خصوصاً السلوكية منها واللاأخلاقية، وتقاعس السلطة التنفيذية والتشريعية في تحمل المسؤولية. قد تكون بداية الحل تكاتف الأيدي وعلى مدى سنوات لوضع برنامج تأهيلي لنا جميعاً تعالج به سلوكياتنا وأخلاقياتنا، وتشترك بإعداده جميع الهيئات الحكومية وغير الحكومية وجمعيات النفع العام والبيت والمدرسة وغيرها. مرة أخرى، أستنكر وبشدة سلوك الطلاب وأولياء الأمور، إلا أن اللوم يقع علينا جميعاً.