يوسف عوض العازمي يكتب: التعليم بين الفكر ، والتلقين !
” التعليم زينة في الرخاء وملاذ في الشدة ”
( أرسطو )
في فقه التدريس ، وفي أبجديات التعليم ، يفترض الكثير من المعلمين أن الطالب عليه إستيفاء الشروط المحددة للوصول للدرجة المؤهلة للنجاح بالمادة ( لم أقل الدرجة المؤهلة للتعلم ! ) واكثر المدرسين ( سواء مدرس مراحل أو جامعات و دراسات عليا ) يعتمد إعتمادا” تاما” على الإختبارات ( الأكثر يعتمد الإختبارات الموضوعية ) لتحديد المستوى المؤدي لإجتياز المادة المدرسة !
أي أنك أمام عملية تلقينية بحته ، لاعلاقة لها بألف باء التعليم الصحيح ، يحفظ الطالب عدة عبارات او كلمات أو حتى ارقام تواريخ ، ويقدم على أثرها الإختبار ، وألف مبروك ناجح ، و ربما يأخذ A ، ولاتسألني هنا عن الحصيلة العلمية المطلوبة ، ما أن ترصد الدرجات ، و تظهر النتائج ، ستكون كل المحفوظات ( لاحظ إني قلت المحفوظات ولم اقل المعلومات ! ) في غياهب النسيان ، ونسيا” منسيا” !
وفي مثل هذه الطرق التي عفا عنها الزمن ، ستكون أساليب الغش حاضرة ، وصعب على أي معلم إيقافها ، فأهل الغش من الطلبه يتطورون بشكل سريع ؛ وكلما ضبطت طريقة غش ، يبتكر الغشاشون طريقة أكثر تطورا” ، وبالأساس السبب بهذا السلوك السيئ هم المعلمين المعتمدين النظام الجامد المطبق في التعليم ، وهو نظام الحفظ والتلقين ! ، وهو نظام فاشل يؤدي فقط لنجاح و رسوب الطالب بالمقرر ، لكنه بالتأكيد ليس فيه من الفائدة للطالب بشئ يذكر ..
أعلم ان معظم الأساتذه يفضلون الإختبارات الموضوعية ( الإختبار الموضوعي هو الصح و الخطأ ، وإختيار جواب صحيح بين عدة أجوبه ) حتى ينتهون من التصحيح بأقصر وقت ، و أسمع كثيرا” عن أساتذه يستعينون بمصححين بالإمتحانات الموضوعية ، وأصدق ذلك ، فالأمر لايحتاج جهد ولا تأكد ، فقط لصق نسخ !
أما الإختبارات المقالية ، فهي التي تجهد المعلم بالتصحيح ، و تظهر المستوى الحقيقي لشخصية الطالب و فهمه ، لكن كثيرا” من الأساتذه لايريدون ذلك ، والسبب بسيط ، فإن كان تصحيح الإختبار الموضوعي يأخذ ساعة وقليل من الوقت لشعبة متوسطة العدد ( بين 40 و 50 طالب ) فالإختبار المقالي لن يقل وقته تصحيحه عن ضعف وقت الموضوعي ، أي انه قد يكون حساب الوقت عاملا” في إختيار الإستاذ لنوعية أسئلة الإختبار ، وهنا لايعلم بالنوايا إلا سبحانه ..
التعليم ذو رسالة سامية ، و حثت عليه الأديان السماوية ، وأول آية نزلت في القرآن الكريم كانت عن العلم ، ويقاس تقدم أي بلد بمقدار تقدمه العلمي ، ومايقدمه من علم للبشرية ، لذلك الدول المحترمة ترصد ميزانيات ضخمة من أجل العلم والتعليم ، والعنصر الأهم في العملية التعليمية هو المعلم الكفء ، لذلك وجود معلم غير جيد هو تدمير للعلم ، و هدم للقيم العلمية ، وعلى المعلم أن يطور نفسه ، ويقرأ ويتابع أحدث الأساليب في مجال عمله ، ولاعذر له في عصرنا الحاضر ، عصر الأنترنت والثورة التكنولوجية والتقنيات المتقدمة ، حتى أصبح معها الحفظ والتلقين في التعليم من الأمور التي عفا عنها الزمن .
المفكر عبدالوهاب المسيري يضع يده على الجرح في أحد اقواله : ” أصبح التعليم الآن هو اكتساب مقدرة اجتياز الامتحانات ! ” ، أما الدكتور القدير أحمد البغدادي ( رحمه الله ) له رأي مهم في التعليم ، حيث يربط التعليم الجيد بالحرية و بناء الشخصية المفكرة للطالب ، إذ يقول : ” التعليم الحقيقي هو ذلك النوع من التعليم الذي يخلق حالة الحرية وينشرها بين أفراد المجتمع خصوصا لدى الأطفال والطلبة، حتى في الجامعة التعليم ليس حراً .. نحن نلقن الطالب لكننا لا نعلمه كيف يستخدم عقله أو كيف يجادل ويحاور ويناقش .. نحن في حاجةإلى القضاء على الإستبداد في حياتنا، والتعليم أحد أهم الوسائل لتحقيق هذا الهدف ”
يوسف عوض العازمي ..