د. دلال الردعان تكتب: ثقافة الفساد
الحديث عن ظاهرة الفساد والصراع بين المصلحون والمفسدون في الأرض ليس بأمر حديث أو مستغرب ، فظاهرة الفساد موجودة منذ فجر الانسانية . فمنذ أن أرسل الله تعالى الأنبياء للدعوة إلى الاسلام والسلام والفئات الفاسدة من صناديد الكفر تتصدى للإصلاح في الأرض، والفساد ظاهرة عالمية لا تخلمنها أي من المجتمعات حتى مجتمعات العالم المتقدمة ، لكن ما يجعل الأمر استثنائي هو أن هذه المجتمعات تتبنى جاهدة سياسة تحجيم الفساد أملاً منها بردع آثاره المدمرة والمعرقلة لتنمية المجتمع فعززت حكوماتها الشفافية وأفردت مساحات كبيرة للمسائلة وتقصي الحقائق، ولقد طالت هذه المحاسبة المسئول الكبير قبل الصغير فلا أحد أكبر من القانون فالكل محاسب على تقصيره في الأداء … فالجميع مراقباً و بعيداً عن مقولة ” الحكومات لا تخطئ أبدا’.
أما حكوماتنا في العالم الثالث فتشهد لها شعوبها بالبراعة في استخدام أساليب الفساد، لذا فلا غرابة في أن يستفحل الفساد لدينا،ففي الحقيقة لاشيء أكثر شيوعاً من الفساد في بلادنا العربية ، وللأسف أضحى الفساد علامة مسجلة لبعض هذه الدول، ولعل انتشار الفساد في هذه الدول ماهو إلا نتيجة الرخاوة في تطبيق القانون أو أحياناً في عدم وجود قوانين تجرمه أو وجود ثغرات تبرء ساحة ممن يضلعون به، وأحياناً أخرى تساهم شخصيات معينة ذات نفوذ قوي في المجتمع من أجل تسيير الأمور وفق مصالحها مساهمةً فاعلة في تفشي الفساد، فلولا الفساد، ما وصل حال بعض بلداننا العربية والطريف في الأمر أن الغالبية ممن يرفعون شعار محاربة الفساد ويتحدثون بصوت عالٍ عن القيم والشفافية هم من يجرمون في حق الوطن بمساندة الفساد والفاسدين
ومن أهم الأسباب وراء غض الطرف عن الفساد كثيرة، أهمها: وجود من يستفيد من الفساد ومن يعتاش على حراسته واستمراره، وضعف منظومة القيم، والتراخي في تطبيق القانون
إن ما يزيد الأمر فساداً هو شيوع ظاهرة”ثقافة الفساد” في مجتمعاتنا حيث أصبح الفساد جزء من نسيج الحياة الاجتماعية، بحيث نرضى به.. نعيشه كواقع..نتكيف معه…ونتعامل به برضانا وأحياناً مجبرين على ذلك من أجل انجاز مصالحنا وتسهيل معاملاتنا، فهل نعد تآلفنا مع ظاهرة الفساد هذا سببه تخاذل حكوماتنا لمحاربته؟ أم أن هناك سيكلوجية خاصة ونمط شخصية معين يرتبط بالفرد الفاسد شجعت البعض ان ينتهجها ليحقق مآربه كما يحقق هذا الفاسد ما يصبو له ، فأصحاب الفساد هم اشخاص قاموا باستغلال سلطتهم التي خولت إليهم من خلال مناصب تولوها سواء بالتعيين أو الانتخاب في سبيل تحقيق مصالحهم الذاتية. وهم أشخاص يتميزون بالتحايل والمكر ومسح الجوخ لتحقيق الكسب الشخصي المادي والاجتماعي ضاربين بعرض الحائط مصلحة الأمة، كما تسود بين الفاسدين واعوانهم السرية التامة في التعامل.. وتمتهن الفئة الفاسدة نهب المال العام واستغلال المناصب وكذلك طمس الحقائق وقولبتها وإشاعة الباطل مستخدمة أسلحة التزوير والرشاوى والقمع والتسلط واحباط الانتاجية و التشجيع على التعصب القبلي وانتشار الطائفية.
ليس الحل في أن يكتشف الفساد أو يدان فالفئة الفاسدة قدتستخدم سلطتها وقوتها وثغرات القانون كذلك لتنفذ من طائلة العقاب لكن العلاج يكمن في تفعيل آلية الإدانة لمقاومة الفساد فالمطلوب أولا تقوية الوازع الديني للأفراد لتشجيع المحاسبة الذاتية لهم ليتجنبوا الانصياع لوسواس شيطان الفساد في نفوسهم أوتجنب الوقوع كضحايا للفاسدين، كما يجب تغليظ العقوبة والتشهير وفضح الفاسدين اعلامياً لردعهم، وكما يجب إنشاء مؤسسات مدنية مدعومة لمقاومة الفساد وليس الاكتفاء بهيئة مكافحة وحيدة كما يجب ان يمنح اعضاء هذه الهيئات أجور ومكافآت تجعلهم بمنأى ومأمن من الإغراءات المادية من حولهم
لذا فإنه ليس من المنطق أن ينسب الفساد للحكومات فقط فللناس دوراً كبيراً في تفشي الفساد وإن لم يصنعوه
كما أنه من الغرابة أن تطرح بعض هذه الحكومات رؤى تنموية وتقف عاجزة أمام التشهير بالفاسدين والقبض عليهم والحد من الفساد بين مسئولي الحكومة أنفسهم والفساد النيابي والقبيضة
والواقع خير شاهد
ويقول الله عز وجل: (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) [القصص: 177] نسأل الله أن يقي ديرتنا شر الفاسدين
د/ دلال عبد الهادي الردعان