لا تضيع دقيقة بعد الآن.. طريقك للتعلم خلال النوم!
«بينما كان الطفل نائمًا، انطلق فجأة بث البرنامج الإذاعي من لندن. وفي صباح اليوم التالي، وللدهشة التي أثارها الطفل لانهياره (أفرج الفتيان عن ابتسامة وجهها كل منهما للآخر)، فقد استيقظ الصغير روبن، وهو يكرر كلمة بكلمة خلال المحاضرة الطويلة لكاتب قديم غريب (وهو واحد من القلائل الذين وصلت أعمالهم إلينا)، كان (جورج برنارد شو) الذي يتحدث – وفقا لتقاليد وثيقة – عن عبقريته الخاصة. وقد كانت هذه المحاضرة بطبيعة الحال لغمز روبن الصغير وقهقته، غير مفهومة تمامًا، وتخيلوا أن طفلهم قد جنّ فجأة؛ فأرسلوه للطبيب. والذي لحسن الحظ فهم اللغة الإنجليزية، وتعرف على الخطاب الذي ألقاه شو في بث مساء اليوم السابق. أدرك الطبيب أهمية ما حدث، وبعث برسالة إلى الصحافة الطبية حول هذا الموضوع. بـأن مبدأ التعلم خلال النوم، أو (hypnopædia) قد اكتُشف».
المقتطف السابق من رواية عالم جديد شجاع «Brave New World» بقلم ألدوس هكسلي «Aldous Huxley»، المنشورة عام 1932، والذي يحدثنا عن اكتشاف مبدأ التعلم خلال النوم؛ إلا أنه قد مرت سنوات قبل أن يكشف لنا العلماء إمكانية تطبيقه بشكل مفيد.
يساعد النوم على رسوخ الذكريات، ودمجها في شبكة الذاكرة طويلة الأمد. بجانب أنه يساعدنا أيضا على تعميم ما تعلمناه؛ مما يتيح لنا المرونة اللازمة لتطبيق هذه المهارات على الأوضاع الجديدة. فلأدمغتنا القدرة على ترسيخ الحقائق، والمهارات المكتسبة على مدار اليوم.
تخلص من عاداتك القديمة وأنت نائم
1رسائل خفية لتغيير عاداتك السيئة واكتساب عادات جديدة
صار لدينا اليوم عدد من الصناعات التي تروج لهذه الفكرة. فمن جانب، توجد اسطوانات تعليمية يمكنك تشغيلها لأطفالك لتعليمهم الحروف الأبجدية مثلًا. كذلك توجد العديد من التطبيقات تعدك بأن تتعلم الموسيقى، وتحسين مهارات لغتك الأجنبية، وتخبرك كيف تجذب المال، وتعثر على الحب بينما أنت نائم.
وعلى الجانب الآخر تباع تلك الأشرطة والاسطوانات لتسهيل اكتساب عادات جديدة، والتخلص من عادات سيئة مثل: «مساعدتك على التوقف عن التدخين، وفقدان الوزن، واكتساب الثقة، والصحة، وإدارة الوقت، وإتقان مهارات الدفاع عن النفس، والتحدث أمام العامة، والتخلص من الآلام». كل ذلك وغيره، وأنت مغمض العينين!
لا تقلق بشأن النوم في الصف بعد الآن
2تقترح أبحاث العلماء أن الدماغ يكون واعيًا، ويقوم بمعالجة المعلومات من البيئة المحيطة بنا أثناء النوم.
ربما لاحظ بعض منا عندما نستيقظ على صوت المنبه، أو ننتبه عند سماع اسمنا، ونحن نائمون. في حين أنه في المقابل يمكننا النوم خلال عاصفة رعدية ذات صوتٍ عال أو أي أصوات أخرى ذات صوت مكافئ دون أن نستيقظ.
قد يفسر هذا كيف نجح المتطوعون خلال الدراسة التي أجراها الباحثون بجامعة كامبريدج «Cambridge» في الاستجابة لمجموعة من التعليمات خلال نومهم. فقد سجل الباحثون نشاط المخ عند المتطوعين حينما كانوا مستيقظين، وطُلب منهم تصنيف الكلمات المنطوقة، إما لحيوانات أو لأشياء بالضغط على زر باستخدام اليد اليمنى للحيوانات، واليد اليسرى للأشياء.
وما إن أصبحت العملية آلية بالنسبة للمتطوعين؛ وضع الباحثون المشاركين في غرفة مظلمة مع الاستمرار في مهمة تصنيف الكلمات، حتى غط المشاركون في النوم .وعندئذ واصل الباحثون الاختبار لكن مع قائمة جديدة تمامًا من الكلمات. وعند قياس نشاط المخ، أظهرت النتائج أنه مع عدم إدراك المشاركين إلا أنهم استمروا في الاختيار بدقة، وإن كان بشكل أكثر بطئًا.
تعلم الموسيقا واللغات وأنت مغمض العينين
3النوم يعزز قدرتنا على تعلم اللغات والموسيقا
هذا ليس عنوانًا دعائيًّا؛ فقد ذكرت دراسة أمريكية نشرتها دورية نيتشر «Nature» أن المشاركين كانوا أكثر عرضة لعزف لحن موسيقي بشكل صحيح إذا جرى تشغيله سابقا لهم خلال فترة القيلولة.
فيما كشف باحثون سويسريون في دراسة أن النوم يعزز قدرتنا على تعلم لغة أجنبية. فقد طلب من مجموعتين من المشاركين الاستماع إلى تسجيل صوتي لأزواج من الكلمات الهولندية، ومقابلها بالألمانية. وأثناء ذلك سُمح لنصف المجموعة بالنوم خلال هذه الفترة. وعند إعادة التقييم؛ وجد الباحثون أن المجموعة التي نامت تمكنت من تذكر عدد ملحوظ من الكلمات بنسبة 10% أكثر من أولئك الذين لم يناموا.
الروائح والأصوات والأطعمة يمكن أن تدعم ذاكراتنا
4أبسط طرق تعزيز الذاكرة هي عبر الارتباط الشرطي للروائح والأصوات والأطعمة
يمكن لبعض التقنيات أن نستخدمها لتوجيه أحلامنا، هكذا يقول نبيل فرنسي من القرن التاسع عشر يدعى الماركيز دي هيرفي دي سان دنيس «Marquis d’Hervey de Saint-Denys» في كتابه: الأحلام وكيف نوجهها «Dreams and How to GuideThem». مرتكزًا على فكرة أن أبسط طرق تعزيز الذاكرة هي عبر الارتباط الشرطي للروائح والأصوات والأطعمة، والتي تمثلها التجربة الشهيرة لبافلوف وكلبه.
تدعم هذه الفكرة دراسة ألمانية درس خلالها المشاركون أماكن مجموعة من الأغراض، وذلك قبل السماح لهم بالنوم في المختبر. وخلال عمل المشاركين نشر الباحثون عطرًا خفيفًا في غرفة الدراسة، وأعادوا نشره مرة ثانية أثناء نوم المشاركين.
وجد الباحثون في نهاية الدراسة أن المشاركين كانوا أكثر ميلًا لاستدعاء المعلومات؛ فقد تمكنوا من تذكر أماكن 84% من الأغراض، وذلك عندما تم إقران ذكرياتهم مع رائحة أثناء النوم. في مقابل 61% للمجموعة الأخرى التي لم تتعرض للعطر.
ونفس هذا النهج يمكن أيضًا أن يتبعه الدماغ أثناء النوم لإعادة تعلم مهارات، أو وقائع معينة، وتقوية الذاكرة خلالها.
في المستقبل القريب قد نستطيع السيطرة على أدمغتنا
5تعزيز الذاكرة يحدث عبر ذبذبات كهربية محددة وبطيئة تنشط موجات المخ دون استيقاظ الشخص.
تسعى الدراسات البحثية لتوفير وسائل تكنولوجية في المستقبل القريب، يمكنها تحسين دورات النوم في الدماغ. وتعتمد تلك الفكرة على أن تعزيز الذاكرة يحدث عبر ذبذبات كهربية محددة وبطيئة تنشط موجات المخ دون استيقاظ الشخص.
وأولى هذه التجارب ما أجرته جامعة توبنغن «University of Tubingen» في عام 2004، باستخدام محفزات تمرر تيار كهربائي صغير في الجمجمة. فقد أظهرت التجارب تحسن أداء المشاركين في اختبارات الذاكرة اللفظية. وفي الآونة الأخيرة، تطورت هذه التقنية عبر إنتاج قلنسوة من الأقطاب الكهربائية لقياس النشاط العصبي، مرفقة بسماعات تبث الأصوات بتزامن مع موجات المخ.
إلا أن فكرة النوم بقلنسوة تبث موجات إلى أدمغتنا قد تكون فكرة غير مريحة. لذا تشير ميريام راينر«Miriam Reiner» الباحثة بمعهد التخنيون للتكنولوجيا «Technion Institute of Technology» في حيفا، إلى إمكانية استخدام نموذج يسمح للشخص بالسيطرة على نشاطه العصبي حين يكون مستيقظًا.
6يمكن محاكاة نشاط الدماغ خلال النوم، وذلك على مدار اليوم، وتسريع عملية التعلم.
فالمشاركون في أبحاث ميريام يجرون محاولة لقيادة سيارة لعبة كمبيوتر عبر قوة أفكارهم، في حين يسجل الكمبيوتر ترددات الموجات الدماغية التي ترتبط عادة مع دعم وتقوية الذاكرة أثناء النوم. وبالتالي يمكن عن طريقها محاكاة نشاط الدماغ خلال النوم، وذلك على مدار اليوم، وتسريع عملية التعلم.
فقد لاحظت ميريام أنه عند ممارسة هؤلاء المشاركين لمجموعة معقدة من حركات الأصابع شبيهة بتعلم عزف لحن على البيانو، وذلك لأول مرة، زيادة مباشرة بعد التدريب بحوالي 10% عن المجموعة الضابطة.
وتفسر هذه النتائج أن لعبة الكمبيوتر مكنتهم من تعزيز ذاكرتهم كما لو كانوا نائمين في الواقع. والأهم من ذلك، وجدت الدراسة أن هذه التحسينات قد استمرت في النمو بعدما جرى اختبارها على مدار الأسبوع التالي. مما يدعم فرضية أن التغذية المرتجعة للنشاط العصبي يمكن أن تساعد في ازدهار أكبر للذكريات خلال النوم.
دع دماغك يقوم بالعمل بدلًا منك
7المثير للاهتمام أن نتمكن من تحقيق الكثير بعدم القيام بأي شيء على الإطلاق، وترك أدمغتنا تقوم بالعمل خلال النوم.
نظرًا إلى أننا نقضي ثلث حياتنا نائمين فلا شك أن هذه البحوث ستساعدنا على تغيير الطريقة التي نتعلم ونمضي بها أوقاتنا بطريقة أكثر فاعلية، واستغلال وقت النوم الذي قد نعتبره وقتا ضائعا نحاول تقليله بالمنبهات ومشروبات الطاقة. فمن المثير للاهتمام أن نتمكن من تحقيق الكثير بعدم القيام بأي شيء على الإطلاق، وترك أدمغتنا تقوم بالعمل خلال النوم
المصدر:
ساسة بوست