شهادة جامعية من دون محاضرات ولا رؤية مدرسِين! طريقة جديدة للتعليم في سويسرا
بدأت “المدرسة العليا الخاصة سويسرا الغربية” بمنطقة “ساير” في 18 سبتمبر/أيلول 2017، بثَّ برنامج تعليمي دون إلقاء دروس أو حضور مدرسين، حيث يهدف هذا البرنامج أساساً إلى ترسيخ استقلالية الطلبة. وفي الأثناء، أثارت هذه البيداغوجيا (التعليم بشكل عملي) غير الرسمية عدة تساؤلات عن مستقبل التكوين الجامعي الحالي.
في واقع الأمر، يبدو أن الطلبة -بحسب صحيفةLe Temps السويسرية- على موعد مع القطع مع الدروس النظرية المتواصلة، فضلاً عن الأساتذة المملّين. ويعد هذا الأمر جوهر البرنامج الجديد الذي تستعد “المدرسة العليا الخاصة سويسرا الغربية”، لدمجه ضمن برامجها الدراسية في مجال اقتصاديات الأعمال، مع حلول السنة الدراسية الجديدة.
وسيتم اعتماد هذا البرنامج في إطار تكوين تحت اسم “أكاديمية الفريق” بالمدرسة العليا للتصرف، في منطقة “ فاليز”. وفي هذا الصدد، سيتم في الوقت ذاته منع أساليب التعليم التقليدية، علماً أن هذا البرنامج برمته يعد بمثابة سابقة في سويسرا.
سيتم اختيار 17 طالباً لاجتياز المرحلة الأولى من التكوين، التي تمتد 3 سنوات، ولن يطالَب هؤلاء التلاميذ بحضور أية محاضرات، في حين لن يُفرض عليهم اجتياز اختبارات.
في المقابل، سيلتزم الطلبة بتأسيس فريق وتركيز برنامج إدارة محفظة المشاريع، في حين سيقع من خلاله تحديد الزبائن وتركيز استراتيجية اقتصادية واضحة.
من جانبه، أوضح أنطوان بيرشوود، الذي يشرف على هذا البرنامج بـ”المدرسة العليا الخاصة سويسرا الغربية”، أن “هذا النموذج البيداغوجي يراهن على منح الطلاب بعض الاستقلالية والمسؤولية، على حد سواء، كما يراهن على الجانب التعاوني فيما بينهم. فضلاً عن ذلك، سيكون للطلبة الحرية التامة في تنظيم فريقهم الخاص وإدارة جدولهم الزمني، في إطار تركيز (مشروع) ذي أبعاد منطقية يتماشى مع الأهداف التي يتعين تحقيقها”.
التعلم عن طريق العمل
وفي إطار هذا البرنامج، سيتخلى الأساتذة عن مراكزهم لصالح مدربين، أو رجال أعمال، أو أخصائيين في الإدارة، أو جامعيين، في حين يتمحور دور هؤلاء حول “تطوير قدرات الطلبة وإطلاق العنان لمواهبهم”.
وفي الأثناء، سيتعين على مختلف الطلبة أن يكوّنوا علاقات مع خبراء وشركات وباحثين مختصين بمجال المنظومة البيئية. من جانب آخر، سيعمد الطلبة إلى تبادل الأفكار فيما بينهم وتشاركها مع زملائهم في الفريق ذاته.
وأردف أنطوان بيرشوود أن هذا النموذج من النظام التعليمي يرتكز على قاعدة أساسية؛ ألا وهي: فرع، ودورة، واختبار. وبدلاً من تقييم الطالب عن طريق اجتياز امتحان ما، تقوم “أكاديمية الفريق” بتطوير أساليب التعلم من خلال التركيز على ذوي المهارات القيادية القوية.
“المهارات الصعبة” في مواجهة “المهارات الناعمة”
في حقيقة الأمر، يعود أصل فكرة هذا البرنامج البيداغوجي بالأساس إلى فنلندا، حيث وقع تركيز “أكاديمية الفريق”، لأول مرة.
وقد أغرى هذا البرنامج عدة جامعات في أوروبا، على غرار كلية الإدارة في ستراسبورغ، حيث أقرت شهادةً جامعيةً خاصةً في هذا التكوين عام 2011، أطلقت عليها اسم “المستثمر الشاب”، علماً أنها مستوحاة من أنموذج “أكاديمية الفريق” في فنلندا.
من جهتها، نوهت أولغا بوراشكينوفا، الدكتورة في علوم التسيير، إلى أنه من الصعب أن ننتقل ببساطة من اعتماد البيداغوجيا الكلاسيكية إلى أنموذج المتعلم المستقل. وفي السياق ذاته، ذكرت هذه المدربة المشارِكة ببرنامج “المستثمر الشاب” في ستراسبورغ، أن “الإطار التربوي يتغير مرتين كل سنة، مما يضع فريق المدربين والطلاب أمام تحدٍّ، يقتضي ضبط وتطوير البرنامج”.
على الرغم من أن الشركات السويسرية تحبذ التدريب المهني المزدوج، الذي يُنتهج في المدارس العليا الخاصة- فإن ذلك لا يعني بالضرورة عدم اعترافها بنظام التكوين التقليدي. ويتجلى ذلك بوضوح من خلال الانتدابات. في المقابل، ما فتئت هذه العقلية تتغير تدريجياً.
صعوبات تواجه النظام التعليمي الجديد
وفي هذا الإطار، أشار رئيس مركز الأبحاث السويسرية “أفينير سويس”، تيبير أدلر، إلى أن “المشكلة الرئيسية بسويسرا، تتلخص في أنه، وعلى الرغم من تحسّن مستوى الجودة بإطار هذا التكوين، فإن تغيير المحتوى محظور تماماً”.
من جهة أخرى، ينبغي أن تتغير الاحتياجات المستقبلية لسوق الشغل بما يتلاءم مع انتدابات التوظيف. وفي هذا السياق، أوضح تيبير أدلر أنه “بمجرد تشبّع المرشحين بالخلفية التقنية اللازمة، تتحسن آفاق انتدابهم بصفة كبيرة، خصوصاً أن بعض المشغّلين سيرغبون في انتداب موظفين خاضوا هذا التدريب الجديد”.
وفي شأن ذي صلة، ذكرت أولغا بوراشكينوفا أنه “غالباً ما تشتكي الشركات من عدم توافر المهارات في مجال العلاقات لدى الطلاب الذين قضوا 5 سنوات بالدراسات العليا… عموماً، من المقرر أن يتم مستقبلاً انتداب الطلاب حسب خبرتهم وليس وفقاً لشهاداتهم”.
فنلندا وتجربة تعليم رائدة
يُعتبر نظام التعليم الفنلندي أحد أفضل نظم التعليم في العالم، وهي بين أول عشرة دول في تصنيف أنظمة التعليم في العالم، مع ذلك فالسلطات المحلية لا تبحث عن الحفاظ على ما حققته بالفعل، وقررت إحداث ثورة في النظام التعليمي.
يريد المسؤولون إلغاء المواد الدراسية: من الآن لن تكون هناك دروس في الفيزياء والحساب والأدب والتاريخ والجغرافيا.
يشرح مارجو كيلونين، مدير قسم التعليم في هلسنكي هذا التغيير فيقول، إن هناك مدارس تتبع النظام القديم، الذي كان معمولاً به منذ العام 1900، لكن الاحتياجات تغيرت الآن، ويتحتم علينا إنشاء نظام يناسب القرن الحادي والعشرين.
بدلاً من دراسة المواد بشكل منفصل، فسيدرس الطلاب الأحداث والظواهر من جوانب متعددة، هكذا على سبيل المثال، الحرب العالمية الثانية ستُدرس من وجهة نظر التاريخ والجغرافيا والرياضيات، وفي دورة “العمل في المطعم” يتعلم الطلاب معارف معقّدة حول اللغة الإنكليزية والاقتصاد ومهارات الاتصال.
يُطبق هذا النظام على الصفوف العليا، بداية من الطلاب في عمر 16 عاماً
المصدر:
هافينغتون بوست