الحكم الرشيد ومنظومة دول مجلس التعاون الخليجي | د. محمد الدويهيس
إن قيمة الأمن الوطني بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي قضية «وجود» وبالتالي فإن قدسية قيمة الأمن الوطني حقيقة يفرضها الواقع وتمليهاالتحديات والتهديدات والأحداث المحيطة وتحتمها ظروف العولمة لذا وفي ظل هذه الظروف والمستجدات فإن تنازل دولة عن جزء من سيادتها لصالح تجمع أو تنظيم إقليمي لا يعني الإقلال من هيبة الدولةوتخفيض سيادتهاوإنما هو بمثابة إعادة هيكلة لحقوق هذه السيادة ، فتقليص سلطة الدولة مثلا يقابله احتمال تعظيم هذه السلطة من خلال تعاون هذه الدول مع بعضها البعض في مواجهة الأخطار والتهديدات فمثلا وجود الكويت عضوا في مجلس التعاون الخليجي يزيد من مواجهة مصادر تهديد أمنها وحماية وصيانة الحريات العامة وهذا يعتبر مطلبا شعبيا وفي نفس الوقت يعزز من أهمية وقدسية وقيمة أمنها الوطني.
ويجب أن نؤكد على أهمية كفاءة الدولة وفعالية أدائها لوظائفها وفقاً لمبادئ الحوكمة وممارساتها ومقومات الحكم الرشيد ومتطلباته.
وقد تحدثت في مقالات سابقة عن أهمية وقدسية الأمن الوطني والحكم الرشيد وسأحاول في هذا المقال أن أشرح بشيء من التفصيل ما هو المقصود بالحكم الرشيد ومقوماته وعلاقته الوطيدة بالأمن الوطني وأهميته في دول مجلس التعاون الخليجي.
أكد المفكران السياسيان بويل وألموند أن شرعية أي نظام سياسي تتآكل وقد تزول عندما تعجز الدولة عن مواجهة خمسة أنواع من التحديات؛
1 – اختراق مفاصل الدولة وعدم تماسكها.
2 – ازدواجية الولاءات وضعف الالتزام الوطني.
3 – عدم القدرة على ترشيد آليات وأساليب المشاركة الشعبية.
4 – عدم القدرة على بناءاقتصاد وطني رشيد وحمايته من الفساد.
5 – ضعف الدولة وعدم قدرتها توزيع الثروة على أسس ومبادئ العدل والمساواة.
لذا يتطلب من الدولة تحقيق التوازن بين مبادئ رحمة الحكم وحكمته ،ومقومات السلطة وعدالتها وقواعد ضبط حرية الفرد وتحديد مسؤوليته الوطنية.
ويرى البعض أن نوعية الحكومة تعتبر شرطاً مهماً ولازماً لتحديد كفاءتها.حيث يعتقد أن هناك علاقة إيجابية بين مستوى ديمقراطية الحكومة وبين مستوى كفاءة الأداء في الجهاز الاداري للدولة وأن هناك علاقة طردية بين التطور الديمقراطي وتراجع معدلات الفساد حيث أن الديمقراطية توفر آلية جيدة لمساءلة الحكومة من خلال الانتخابات الدورية وذلك بناء على مستوى أداء هذه الحكومة خلال فترة توليها ،لذا يعمل المسؤولون خلال هذه الفترة على تحسين الأداء الحكومي رغبة في إعادة انتخابهم حيث أن بقاء الحكومة المنتخبة في السلطة مرهون بمستوى أدائها وكفاءتها.
وفي الجانب الآخر يرى البعض أن التطور الديمقراطي لم ينتج عنه تراجعاً للفساد بل أن البعض يرى أن الديمقراطية نظام سيئ للحكم ولم تعد العلاقة الطردية بين نظام الديمقراطية وتراجع معدلات الفساد قائمةوهو ما تعارف عليه ب «متناقضة الديمقراطية»وأنه يجب استبدال النظام الديمقراطي !وعليه يرى البعض أن مفهوم «الحكم الرشيد» يعتبر نظاما أفضل لكفاءة الحكومة من نظام الديمقراطية غير المعتدلة.
وكما هو معروف فإن الديمقراطية هي حكم الأغلبية الذي يحترم حقوق الأقلية ويحميها ويضمن حقوق المواطن ويسمح بتعدد الأراء،والفصل بين السلطات وصيانة القضاء واحترام القانون ،وتتوقف الديمقراطية عند المضمون السياسي حيث أنها أسلوب يتعلق بكيفية الوصول للسلطة.
بينما الحكم الرشيد هو ممارسة السلطة السياسية والادارية والاقتصادية لإدارة شؤون المجتمع حيث يتغلغل الحكم الرشيد في كافة مفاصل ونسيج المجتمع ويتعاطى مع كل فئاته.وبالتالي فالحكم الرشيد يعتبر ترشيداً للممارسةالديمقراطية المعتدلة وتدعيماً لمبادئها وصيانة لها وضماناً لاستمرارها ووقاية لها من الانحراف. والحكم الرشيد هو استكمال للديمقراطية من خلال ترشيد ممارسات الديمقراطية في ادارة أداء أجهزة الدولة وتعظيم الاستجابة السليمة لحاجات المواطنين وضمان عدالة توزيعها والتأكيد على تمثيل الأقليات وقيم التعددية والاختلاف بالرأي وتوسيع المشاركة بين أجهزة الدولة والقطاع الخاص.
ويعتبر الحكم الرشيد مرشدا لممارسات الديمقراطية وحاميا لها من خلال تحقيق الشفافية وتفعيل المساءلة والحد من الفساد وتعزيز ركائز الاستقرار الاجتماعي والمصالح العليا للمجتمع
وتتمثل مبادئ الحكم الرشيد في الشفافية والانفتاح والمساءلة وحكم القانون والتوافق العام والمشاركة الشعبية والإنصاف والكفاءة والفاعلية وتتمثل أدوات الحكم الرشيد في تعميق اللامركزية وتحفيز التجديد والابتكار،وممارسةالتقييم وقياس الأداء والمتابعة والتقويم والتركيز على الرؤية الاستراتيجية والثقافة والممارسة الادارية المنتجة.
ويركز الحكم الرشيد على مبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف الاقتصادي بين المواطنين ومحاربة الفساد وفرض القانون وتمثل الحكومة النزيهة والمنصفة والتي تضع المواطن محور اهتمامها وتوسيع المشاركة الشعبية وتحسين نوعية الحياة.
إن التركيز على مفهوم الأمن الوطني والذي يهدف للمحافظة علىً كيان الدولة وتماسكها وسلامة المجتمع واستقراره ضد أي تحديات أو أخطار تهدد الاستقرار السياسي أو الاقتصادي أوالاجتماعي وترسيخ قدسية الأمن الوطني من أجل تحقيق السعادة وتوفير الأمان والاستقرار وصيانة الحقوق والحريات العامة وتوفير رفاهية المجتمع، أصبح مطلباً وطنيا ملحاً وهدفاً استراتيجياً لا غنى عنه.
وتتزايد أهمية الدبلوماسية في عصر العولمة كأداة لتنفيذ السياسة الخارجية للدول الصغرى. ما يزيد من أهمية تطوير العمل الدبلوماسي والارتقاء بمستوى وكفاءة أداء الجهاز الدبلوماسي وأهمية الدراسات والمؤتمرات والبحوث المتعلقة باستراتيجيات الأمن الوطني للدولة أو لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي.
والمتتبع للتغيرات والتحولات الكبرى التي يشهدها العالم خلال العقدين الماضيين يلحظ أن سيادة الدولة قد تأثرت وتصدعت في ظل العولمة وهنا تبرز أهمية وضع استراتيجية لرأب هذا الصدع وتحقيق مصالحة بين العولمة والسيادة. وهنا تبرز أهمية التوفيق بين سيادة الدولة والعولمة خاصة عندما تتقدم قضية الأمن الوطني سلم أولويات الدولة حيث يتطلب ذلك تضييق الفجوة وضرورة التخلي عن المفهوم التقليدي للسيادة والتكيف مع المتغيرات الجديدة.
إن تقوية وتدعيم سبل ومقومات التعاون الأمني لدول مجلس التعاون الخليجي بهدف مواجهة التهديدات والأخطار الخارجية والداخلية يعتبر مطلباً لكل شعوب دول المجلس ويمثل تجسيدا لأهمية وقدسية قيمة أمنها الوطني.
لذا فإنني أدعو الناشطين السياسيين وأصحاب القرار والمهتمين بالشأن العام وجميع المواطنين إلى قراءة المزيد من التفاصيل عن الحكم الرشيد وقدسية قيمة الأمن الوطني لدول مجلس التعاون الخليجي في المرجع العلمي المفصل «دول الخليج العربي وقدسية قيمة أمنها الوطني في عصر العولمة» للدكتور جاسم محمد خلف ونظرته وخبرته العلمية المتخصصة ورؤيته التحليلية الثاقبة للوضع بدول مجلس التعاون الخليجي وقدسية أمنها الوطني.
ودمتم سالمين.