حصانة دشتي والأكاديميين
أ. د. عبداللطيف بن نخي
السجال الذي دار بين النائبين الفاضلين سيد عدنان عبدالصمد والدكتور عبدالحميد دشتي، في جلسة البرلمان التي عقدت يوم الاربعاء الموافق 11 /3 /2015، يؤكد الحاجة لبيان وتوثيق شواهد الكيدية التي يرصدها أعضاء اللجنة التشريعية عند مناقشة طلبات رفع الحصانة البرلمانية التي تحال إليهم، كما يظهر أهمية عرض تلك الشواهد في المجلس قبل التصويت على طلبات رفع الحصانة، حيث يعتقد صديقي بوخالد بأن تطبيق مقترحه هذا سوف يحد كثيرا من التوتر بين النواب عند طرح طلبات رفع الحصانة البرلمانية، وأنا من ناحيتي أثني على رأيه، لأنني أؤمن بأن تعزيز الشفافية في المجلس من شأنه ترشيد قرارات النواب، فضلا عن تمكين الناخبين من متابعة أداء النواب والتحقق من مدى توافق تصريحاتهم مع مواقفهم.
في مساء يوم جلسة رفع الحصانة، انتشرت رسالة في «واتساب» مفادها أن نواب المجلس المبطل الثاني الذين صوتوا ضد رفع الحصانة البرلمانية في قضية شيك بدون رصيد، من بينهم مجموعة ناقضوا موقفـــهم المعلن من طلبات رفع الحصانة التي يكون الخصم فيها مواطنا. الرسالة تضمنت تفاصيل خطيرة، ولكن من غير المناسب سردها في مقال. بعد البحث والتحري تبين لي بأن التصويت في قضية الشيك بدون رصيد تم بهدوء وسلاسة، وفي يوم أربعاء أيضا ولكن قبل سنتين، وتحديدا في 6 /3 /2013.
بسبب جسامة الادعاءات وسرعة انتشار الرسالة ومساحة تغطيتها، توقعت تصريحات صحافية من المعنيين لنفي الاتهامات، ثم تليها مقابلات تلفزيونية توضح الملابسات وتبرر المواقف التي ساهمت في حرمان مواطن من مقاضاة نائب بقضية شيك بدون رصيد بمئات الآلاف من الدنانير. ولكن للأسف، حتى تاريخ كتابة المقال، لا خبر جاء ولا بيان نزل. عزائي أن الشاكي احترم الدستور والقانون ولم ينتظر النائب، المشكو في حقه، خارج المجلس ليكسر «خشمه»، كما أشار أحدهم.
ردود الفعل على الرسالة تباينت في «القروبات» ولكنني سأكتفي بتناول ما تم تداوله بين الأكاديميين. أحد الاكاديميين المتعاطفين سياسيا مع المعنيين بالرسالة ابلغنا بأنه جالس بجوار أحدهم وقد أكد له بأنهم جميعا صوتوا مع رفع الحصانة. هذه المداخلة انتشرت في «القروبات»، ومنها الأكاديمية، بسرعة تفوق الرسالة الأولى. الغريب أن بعض الأكاديميين اعتبرها كافية لنفي الاتهامات وإنهاء الحوار وإغلاق الملف.
لا شك بأن المداخلة كانت مبادرة جيدة من أحد المعنيين ولكنها، مع كامل الاحترام له، غير كافية لإثبات مصداقيتها. قد تكون الذاكرة خانت الرجل أو قد تكون التورية خدمته، فهو لم يحدد موضوع رفع الحصانة في مداخلته. معرفة ما جرى حق أصيل لكل الشعب وليس فقط لمن يثق بصاحب المداخلة.
كما أن القضية أكبر من مسألة انتخابية يحرص فيها المرشح على إقناع ألف ونيف من معارفه ولا يبالي بمن سواهم. المواقف النيابية والتعاطي معها يجب أن تكون متوافقة مع القواعد والأعراف الديموقراطية لا الديموغرافية. المجتمعات المتحضرة لا تكتفي بمنظومة نزاهة وشفافية في الحكومة، بل تحرص على تشريع قوانين خاصة بالنزاهة والشفافية في البرلمانات لتمكين الشعب من مراقبة نوابه.
لذلك عقبت على تلك المداخلة بأن الوضع يستوجب الاطلاع على كشف التصويت على رفع الحصانة عن محرر الشيك بدون رصيد، خاصة وأن أسماء النواب المشاركين في التصويت ومواقفهم موثقة في سجلات المجلس ويمكن الوصول إليها.
الغريب أن طلب الكشف لم يلاقِ تأييدا علنيا من زملائي الأكاديميين بل قوبل بانزعاج من قبل بعضهم. فتساءلت في نفسي، لماذا يتخلف أكاديمي عن دعم سلوك يرسخ الشفافية؟، ولماذا يستاء آخر من مقترح يعزز النزاهة؟ كيف يكون ذلك والشفافية والنزاهة ممارستان يفترض أنهما متأصلتان في الأنشطة والمؤسسات الاكاديمية والبحثية؟ فآثرت الانسحاب التكتيكي إلى ساحات أخرى لطرح وجهة نظري ومنها هذا المقال.
بعد تعقيبي بدقائق، انتشرت تغريدات لأحد أطراف قضية الشيك، يؤكد فيها بأن المعنيين بالرسالة «الواتسابية» صوتوا جميعا مع رفع الحصانة. بعض الأكاديميين رأى فيها قطع الشك باليقين، وناشدوا بل طالبوا بنشر هذه التغريدات لإظهار الحق وإزهاق الباطل. من دون التشكيك في مصداقيته، تساءلت كيف لم يلاحظوا تعارض المصالح لدى المغرد. ولماذا كل هذا الاصرار على عدم اطلاعنا على كشف، من أمانة مجلس الأمة، بتصويت النواب في قضية الشيك؟
يبدو أن كلامكم بشأن التصويت صحيح يا أعزائي بوخالد وبوعلي وبوعبدالله وبوطلال وبوجعفر…