دكتاتورية التعليم إنصاف! | د.علي الحويل
عندما واجهته مشكلة تعدد لغات مواطنيه وتردي المستوى التعليمي وعدم مواءمة مخرجات التعليم مع خطته الاستراتيجية لإنماء بلاده قام «لي كوان يو» ابو سنغافورة وصانع معجزتها الحضارية بمنح نفسه حق الأب على الأبناء بأن سمح لنفسه بتقييد الديموقراطية بقدر يمكنه من تنفيذ رؤاه كلما استدعت الحاجة ذلك، واستخدم هذه الصلاحية فوحد لغة البلاد باعتماد الانجليزية لغة رسمية لها واستن نظام توجيه التعليم كي تخدم مخرجاته احتياجات نمو بلاده، وأهم ما في هذا النظام الاستغناء عن تدريس العلوم الإنسانية وتجيير ساعاتها لخدمة العلوم التطبيقية والتجريبية وتقنين العدد المسموح له بدراسة الإنسانيات بأضيق الحدود ووفقا لاحتياج الدولة.
لم ينجح أصحاب نظريات التعليم التقليدية بإقناعه بفروق الاستعداد الذهني واختلافه من شخص لآخر فقد أثبت العلم الحديث ان العقل البشري قادر على استيعاب ما يقدم إليه من أنواع العلوم على قدر المساواة طالما قدم بطريقة محفزة للنشاط الذهني فلا فرق بين استيعاب الكيمياء والرياضيات وعلوم الجغرافيا والتاريخ، ويظل فن ومهارة عرض المادة العلمية هو الشرط الوحيد لتحقق الاستيعاب أي ان تطوير التعليم يجب ان يسبقه تطوير المعلم وهذا ما حرص عليه لي كوان يو.
تواجه الكويت اليوم حالة مشابهة في مستوى التعليم ونوعية مخرجاته تتطلب من قيادات التربية منهجا مشابها لمنهج سنغافورة وهو المواجهة الجادة مع معارضي التطوير والكشف عن عجزهم عن رؤية الصورة الكبيرة المشرقة وفوائد توجيه التعليم وأهميته لنمو الدولة فمن غير المقبول ان يزيد عدد خريجي كليات الحقوق في الكويت على 3 أضعاف حاجة البلاد لهذا التخصص وألا يزيد عدد مدرسي الفيزياء على 4 مدرسين فقط – رغم الحوافز المادية والمعنوية المجزية – مقابل الآلاف في تخصص التربية البدنية من الكويتيين! فما لم يوجه التعليم ليخدم خطة نمو الدولة فلن نجد العمالة الوطنية المطلوبة لهذا الغرض وسنبقى بحاجة للعمالة الأجنبية بكل ما تمثله من تكلفة اقتصادية وتأثيرات اجتماعية سلبية.
إن الكويت من أكثر الدول استعدادا لأن تقود نهضة علمية على مستوى الإقليم ويتأتى ذلك بتحويلها الى مركز عالمي للدراسات والأبحاث العلمية في مجالات العلوم التطبيقية والتجريبية ويمكن تحقيق هذا بزيادة مخصصات البحث العلمي والشروع في بناء مدينة مخصصة لمختبرات ومقار البحث ثم دعوة العلماء من مختلف أرجاء العالم لإجراء أبحاثهم في هذه المدينة التي توفر لهم كامل احتياجات بحوثهم مجانا على ان يضموا لفرق البحث علماء وباحثين كويتيين ليكتسبوا الخبرة العالمية وينموا قدراتهم، وبمرور الوقت ستلد لنا هذه المدينة ابتكارات واختراعات تصنع محليا وتكون هي الرديف لاقتصادنا وهي درع حماية لحدودنا إذ ستجعل من بلادنا مركزا يحتاج العالم كله بقاءه واستقراره، ولقد بدأت سنغافورة مشروعا مماثلا على مستوى منطقة بحثية اسمتها biopolis وبدء تصنيع العديد من الاختراعات التي خرجت منها بنجاح كبير.
لقد بدأت سنغافورة وهي معدومة الموارد الطبيعية من الصفر وكل ما احتاجه نجاحها إرادة قائد وموافقة أمة بينما نبدأ نحن من مستوى علمي جيد وإمكانات مادية كافية، فبإذن الله سيكون النجاح حليفنا والحلم سيصبح حقيقة.
[email protected]
نقلاً عن جريدة الأنباء