د. حمود العبدلي يكتب: الوظائف الجديدة للمصمم التعليمي في عصر الذكاء الاصطناعي تفرض تحدياً وجودياً على برامج إعداد المصمم التعليمي
لم تعد تجربة التعلم هي نفس تجربة التعلم التي كان يقدمها نظام التعليم في السابق”مقياس واحد يناسب الجميع” فالتطورات الهائلة التي يشهدها الذكاء الاصطناعي حولت التعليم إلى عملية أكثر تخصيصًا متوافقة مع احتياجات وتفضيلات كل متعلم، وهذا يتطلب تصميمات تعليمية مبتكرة تلبي هذا التخصيص، وفي خضم هذا التحول الكبير الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي في تخصيص تجربة المتعلم ظهرت وستظهر وظائف وأدوار جديدة في التصميم التعليمي لم تكن موجودة من قبل.
تدفع بتساؤلات حيوية تُطرح على قيادات كليات التربية.. هل برامج الإعداد الحالية لمختصي تكنولوجيا التعليم والمصمم التعليمي ما زالت تحقق جدوى تربوية واجتماعية، واقتصادية في ظل التطورات المتسارعة؟ وهل فكرت كلية التربية فيالوظائف والأدوار والمهام الجديدة التي يحتاجها المصمم التعليمي؟ وما هي المهارات التي ينبغي أن يمتلكها الخريجون لمواكبة هذه التغيرات؟ وما انعكاسات الاستمرار في البرامج التقليدية على مستقبل الخريجين وسوق العمل؟ وهل هناك خطة واضحة لإعادة صياغة البرامج الأكاديمية لإعداد المصمم التعليمي بما يتماشى مع متطلبات المستقبل الرقمي؟
هذه تساؤلات جوهرية وغيرها يمكن ان تبرز في هذا السياق المتسارع تُوَجه إلى المخططين المسؤولين عن تطوير برامج كليات التربية وأقسام تكنولوجيا التعليم،وتجاهل الإجابة عليها قد يؤدي إلى استمرار تأهيل خريجين للماضي لم تعد هناك حاجة لهم او يعملون بطرق بطيئة لا يمكن ان تتسق مع واقع الحال، ومن جهة أخرى، الإجابة عن هذه التساؤلات تُعزز مكانة التخصص وتكرس وجودة في طليعة التخصصات الحيوية، وتمنحه زخمًا وتميزًا، وتأثيرًا أكبر على الواقع التعليمي في المؤسسات التعليمية والتدريبية، وربما ان الإجابة عليها تدلل على رؤية مستقبلية تواكب التوجهات العالمية في التعليم، وتفتح أمام كليات التربية فرصًا للمساهمة فيالتطوير المستدام للمجتمع ويزيد من قدرتها على مواكبة التحولات التكنولوجية السريعة.
يلعب مختصو تكنولوجيا التعليم والمصمم التعليمي دورًا حيويًا في قيادة التحول التعليمي والتدريبي في مختلف مؤسسات المجتمع، سواء التعليمية أو الاقتصادية،بفضل قدرتهم على تمكين الموظفين في عموم المؤسسات التعليمية والاقتصادية من بناء القدرات والمهارات الحديثة التي تتطلبها مهام وظائفهم بأساليب مبتكرة ومتطورة، تسهم هذه المهارات والقدرات المتجددة في تعزيز كفاءة الموظفين مما يؤدي إلى تحسين وتطوير أداء المؤسسات وزيادة إنتاجيتها، ورفع كفاءتها وهذا ينعكس بدورهإيجابيًا كمؤشرات اقتصادية على هذه المؤسسات، في هذا السياق تبرز الحاجة إلى فهم شامل للأدوار المستجدة والمتطلبات المتغيرة للمصمم التعليمي في عصر التحول الرقمي، يتطلب هذا التفكير في الأدوار الوظيفية التي ستحدد ملامح مستقبل التعليمبما في ذلك كيفية تأهيل المصممين التعليميين لتلبية الاحتياجات الجديدة، والاستفادة من المهارات التقنية المبتكرة لتحقيق أقصى تأثير في بيئات التعلم، من هنا يصبح من الضروري التركيز على الوظائف الجديدة التي ستحدد مسار التحول؛ وتشمل هذه الوظائف:
1- استراتيجيي محتوى الذكاء الاصطناعي: “AI Content Strategist” هو شخص متخصص في استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء وإدارة محتوى تعليمي فعال وجذاب، ويعد دوراً جديداً وناشئاً يتضمن تخطيط وتنفيذ استراتيجيات تعليمية مبتكرة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التعلم وتلبية احتياجات المتعلمين المتنوعة، ويقع عليه: تحليل البيانات بما في ذلك بيانات الأداء الأكاديمي للطلاب، وتفضيلاتهم التعليمية، وأنماط التعلم الخاصة بهم؛ يمكن لهذا التحليل أن يساعد في تحديد المجالات التي يحتاج فيها الطلاب إلى تحسين، واستخراج رؤى قيمة لفهم احتياجات المتعلمين مما يمكن من تطوير استراتيجيات تعليمية مخصصة تستهدف هذه المجالات تعزز من نقاط القوة وتعالج نقاط الضعف، وتساعد في تخصيص المحتوى التعليميبما يتناسب مع احتياجات كل طالب على حدة؛ يشمل تطوير خطط تعليمية مخصصة، وإنشاء مواد تعليمية تفاعلية تناسب مستوى فهم كل طالب وقدراته؛ويستخدم “AI Content Strategist” أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة المحتوى التعليمي فيُمكنه مثلاً استخدام أدوات التدقيق اللغوي لتحسين دقة اللغة، وأدوات التحقق من الحقائق للتأكد من صحة المعلومات، وأدوات تحسين قابلية القراءة لجعل المحتوى أكثر سهولة في الفهم، كما يعمل على تحسين تجربة التعلم: باستخدام تقنيات مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)هذه التقنيات تتيح للطلاب التفاعل مع المحتوى التعليمي بطرق جديدة ومبتكرة، مما يجعل التعلم أكثر إثارة وجاذبية، إضافة لذلك يقدم توصيات مستندة إلى البيانات: لأصحاب المصلحة في المجال التعليمي يشمل ذلك توصيات لتحسين المناهج الدراسية، تطوير برامج تعليمية جديدة، واختيار أفضل الأدوات التكنولوجية لدعم التعليم هذه التوصيات تكون مبنية على تحليل بيانات الطلاب والأداء الأكاديمي، مما يضمن أن تكون القرارات المتخذة مستندة إلى أدلة قوية ورؤى دقيقة.
2- مقيم المحتوى “Content Accessor”: يتحقق من صحة المحتوى، وتحسين جودته، وتأكيد ملاءمته للجمهور المستهدف، هذا الدور الذي يتم تنفيذه بشكل رئيسي من قبل خبراء المادة (Subject Matter Experts – SMEs)، يتطلب مزيجًا من المعرفة العميقة، والمهارات الفريدة، والخبرة العملية في مجال محدد، يساهم هذا الدور في تعزيز تجربة التعلم وزيادة فعالية التعليم؛ على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها مقيم المحتوى، إلا أن الفوائد المحتملة تجعل من الضروري تبني هذا الدور وتطوير المهارات اللازمة لضمان نجاحه ومستقبل هذا الدور يرتبط بشكل وثيق بالتطورات التكنولوجية والابتكارات في مجال التعليم، مما يتطلب استعدادًا مستمرًا للتكيف مع التغيرات والابتكار في أساليب التحقق من المحتوى، سيشهد هذا التخصص تكاملاً أكبر مع تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يدعم عملية التحقق من المحتوى من خلال توفير أدوات تحليل تلقائية تساعد في تحديد الأخطاء والتحيزات بشكل أسرع وأكثر دقة هذا التكامل يمكن أن يعزز من كفاءة وفعالية التحقق من المحتوى، لكنه يتطلب أيضاً خبرة في إدارة وتوجيه هذه الأدوات لضمان الاستفادة القصوى منها.
3- مصمم تجربة التعلم LXDs: وهذا الدور الأكثر أهمية في هذا المشهد المتطور، LXDs هو الذي يقوم بتصميم وتنفيذ تجارب تعليمية مخصصة وجذابة تلبي احتياجات المتعلمين الفردية وتعزز من تفاعلهم وتحفيزهم، مع الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي لتعزيز فعالية هذه التجارب؛ يتطلب هذا الدور مزيجًا من المهارات التقنية والإبداعية والبيداغوجية؛ تتنوع المسؤوليات التي تقع على عاتق LXDs وتشمل تصميم المناهج، تطوير أدوات التقييم، والتعاون مع الفرق المتعددة التخصصات، ويسعى LXDs إلى خلق بيئات تعليمية تحترم وتحتضن هذا التنوع لضمان تقديم تجربة تعليمية شاملة وعادلة لجميع المتعلمين بهدف جعل عملية التعلم أكثر إثارة وتشويقًا، مما يزيد من دافعية المتعلمين واستعدادهم للتعلم، وهو دور ناشئ ومهم في مجال التعليم الحديث يجمع بين مبادئ التصميم التعليمي وتجربة المستخدم لخلق بيئات تعليمية تفاعلية، ويعد تخصيص التعليم لتلبية احتياجات كل متعلم على حدة أحد أهم مسؤوليات مصمم تجربة التعلم، ويستخدم LXDs أدوات التحليل التنبؤي والذكاء الاصطناعي لتصميم خطط تعليمية مخصصة تتناسب مع مستوى فهم وقدرات كل طالب، هذا يتضمن توفير مواد تعليمية إضافية، وأنشطة تكميلية، وتوجيهات فردية تساعد في تحسين أداء الطلاب، تشمل هذه المواد نصوصًا، فيديوهات، ومحاكاة تفاعلية، هذه المواد تكون مرنة وقابلة للتكيف مع متطلبات المتعلمين المختلفة، مما يعزز من فعالية التعلم، إضافة إلى تطوير أدوات التقييم التي تعد جزء أساسي من دور LXDs تشمل هذه الأدوات الاختبارات، الاستبيانات، وأدوات التقييم الأخرى التي تساعد في قياس مدى تحقيق الأهداف وتحسينها بناءً على النتائج.
4- متخصص تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي (AI Technology Specialist): وهذا الدور الجديد المتوقع ظهوره في مجال التعليم والتعلم يتطلب من الفرد معرفة متعمقة بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في البيئات التعليمية تمكنه من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة لإنشاء مواد تعليمية أو أصول تعليمية للمعلمين والطلاب في نشاطات التعليم والتعلم تشمل مزيجاً من المهارات التقنية والتربوية التي يجب اكتسابها لضمان تحقيق الأهداف التعليمية بفعالية حيث يجب على المتخصص أن يكون متكيفاً وسريع التعلم للتكنولوجيا الجديدة؛ ، ويقع عليه الابتكار والتطوير لإنشاء مواد تعليمية وأصول تكنولوجية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل الدردشة الذكية، المساعدين الافتراضيين، وأدوات الترجمة اللغوية، واستخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء محتوى تعليمي متنوع وشامل لتعزيز تجربة التعلم للطلاب وجعلها أكثر تفاعلية مع أنظمة إدارة التعلم (LMS) مثلMoodle و Canvas لضمان وصول المتعلمين إلى المحتوى التعليمي بسهولة وتنظيم، يساعد هذا التكامل في تحسين إدارة وتقديم المحتوى التعليمي وتوفير تجربة تعليمية مخصصة، كما يوفر الدعم الفني والتدريب للمعلمين والطلاب لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في بيئات تعليمية معقدة بشكل فعال ويعاون المعلمين في دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في عملية التعليم لتحسين تجربة التعلم باستخدام تطبيقات الذكاء المعزز، يشمل ذلك حل المشكلات الفنية وتقديم الإرشادات حول كيفية استخدام الأدوات والتطبيقات، وتطوير قدرات الطلاب والمعلمين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال ومستدام، مما يعزز من كفاءة العملية التعليمية، كما يعمل على تطوير واستخدام أنظمة أتمتة العمليات الروتينية مثل تصحيح الواجبات وتقديم الردود الآلية، مما يتيح للمعلمين التركيز على مهام أكثر أهمية، هذا يقلل من العبء الإداري على المعلمين ويزيد من كفاءة العملية التعليمية.
5- دور مهندس تعليمات الذكاء الاصطناعي (AI Prompt Engineer): يتمتع الذكاء الاصطناعي بقدرة على إنتاج المحتوى النص الذي أصبح محوريًا في مستقبل التعليم والتعلم، حيث أدى إلى ظهور مهن جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل المهندسين المحفزين، الذين يصممون التعليمات والتوجيهات للتطبيقات التعليمية القائمة على الذكاء الاصطناعي، ويعملون على تحسين التفاعل بين الطلاب وأدوات الذكاء الاصطناعي، وضمان توافق هذه التعليمات مع الأهداف التعليمية وتعزيز التفاعل والمشاركة، بناءً على ذلك نشأت مهنة جديدة تُدعى مهندسو النصوص (Prompt Engineers)، يعمل مهندسو النصوص على تصميم وتطوير تعليمات واضحة وفعالة لأنظمة الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التعلم. يتضمن ذلك إنشاء نصوص تفاعلية توجه الطلاب نحو تحقيق الأهداف التعليمية، مثل تطوير أسئلة تفاعلية، تقديم تلميحات مفيدة، وتوجيههم إلى الموارد التعليمية المناسبة، مع ضمان دقة التعليمات وملاءمتها لاحتياجات المتعلمين، ويتمثل دورهم في سد الفجوة بين الاحتياجات التعليمية وإمكانات أنظمة الذكاء الاصطناعي مما يعزز العملية التعليمية بشكل عام، يأتي ذلك من خلال تحليل احتياجات التعلم للمستخدمين المستهدفين وهذا يتطلب فهم الأهداف التعليمية، مستوى المعرفة الحالي للمتعلمين، وأنماط التعلم المختلفة من خلال هذا التحليل يمكن لمهندس النصوص تطوير نصوص مخصصة تلبي احتياجات كل متعلم على حدة، إضافة لمساهمته في تطوير محتوى تعليمي تفاعلي يمكن استخدامه في مختلف البيئات التعليمية، بما في ذلك تصميم نصوص تحاكي تفاعل المدرس الحقيقي، وتقديم توجيهات تعليمية فعالة تساعد الطلاب على فهم المواد الدراسية بطرق جديدة ومبتكرة، كما يقوم بتحليل فعالية التعليمات وتعديلها بناءً على نتائج التقييم والتغذية الراجعة من المستخدمين، يهدف ذلك إلى تحسين أداء النظام وضمان توافق التعليمات مع الأهداف التعليمية.