الخبراء يحطمون الأساطير: ليست جميع الدهون ضارة ولا كل الكربوهيدرات سيئة
أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي بالنصيب الأكبر في تكريس مجموعة من المعتقدات التي تروج لصور أجسام معينة وطرق تناول طعام محددة، مقابل شيطنة ما عداها بما في ذلك النصائح المكررة بتجنب جميع أنواع الدهون والكربوهيدرات والسكريات تماما لمن يريد أن يتمتع بصحة جيدة.
لذا، أصبح كثير من الناس يربطون تناول الدهون -على سبيل المثال- بزيادة الوزن، كما تقول أخصائية التغذية مادي باسكارييلو لصحيفة “هافينغتون بوست”.
ولكن، هل الدهون سيئة لصحتنا حقا؟ تقول أخصائية التغذية أشلي كيتشينز “لا على الإطلاق، الدهون جزء أساسي من نظامنا الغذائي، ولكن من المهم اختيار الدهون التي تدعم صحتنا”.
كما توضح أخصائية التغذية لورين ماناكر أن بعض الدهون تلعب دورا حاسما في وظائف الجسم المختلفة، مثل تخزين الطاقة ودعم وظيفة الهرمونات والمساعدة في امتصاص فيتامينات “إيه” و”دي” و”إي” و”كيه”، التي تذوب في الدهون.
وتوصي بالتركيز على تناول الأنواع الصحيحة من الدهون لدعم صحة القلب والمساعدة في تقليل الالتهاب، مثل تلك الموجودة في الأفوكادو والمكسرات والبذور والأسماك الزيتية، “بدلا من تجنب جميع الدهون”.
والأمر نفسه ينطبق على الأسطورة الرائجة بأن جميع الكربوهيدرات والسكريات سيئة، إذ يقول خبراء التغذية إن “الكربوهيدرات والسكريات مهمان لنا جميعا، حيث تعمل أجسادنا باستمرار وتحرق السعرات الحرارية والطاقة”.
أنواع الدهون “الصحية”
توضح باسكارييلو أن تضمين كميات كافية من الدهون الصحية، مثل الدهون الأحادية غير المشبعة والدهون المتعددة غير المشبعة، في النظام الغذائي يمكن أن يسهم في تحسين الصحة العامة.
وتشرح أن هذه الدهون تعمل على خفض مستويات الكوليسترول الضار في الدم وتزويد الجسم بالطاقة اللازمة التي تساعد على الشعور بالشبع، كما تعزز امتصاص الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون، وتلعب دورا أساسيا في تنظيم النشاط الهرموني والحفاظ على درجة حرارة الجسم.
وتضيف باسكارييلو أن الدهون غير المشبعة الصحية تشمل أحماض أوميغا 3 وأوميغا 6 الدهنية، وهي عناصر أساسية لا يستطيع الجسم إنتاجها ويجب الحصول عليها من النظام الغذائي.
تساعد دهون أوميغا 3 على تقليل الالتهابات، وترتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب وألزهايمر وغيرها من الأمراض. يمكن العثور على أوميغا 3 في الأطعمة مثل الأسماك الدهنية وبذور الشيا والكتان، بالإضافة إلى المكملات الغذائية مثل زيت السمك.
أما أحماض أوميغا 6، فتتوافر في أطعمة مثل المكسرات والبذور والزيوت النباتية والبيض.
أنواع الدهون الأقل صحة
توضح باسكارييلو أن الإفراط في استهلاك الدهون المُشبّعة أو الدهون المُتحولة، أو زيادة استهلاك أنواع الدهون بشكل عام “تؤدي إلى تناول سعرات حرارية زائدة لمن يحاولون الحفاظ على الوزن أو إنقاصه”، إذ تحتوي على 9 سعرات حرارية لكل غرام، مقارنة بـ4 سعرات حرارية لكل غرام من الكربوهيدرات والبروتين. كما يمكن أن يؤدي استهلاكها إلى مشاكل صحية كأمراض القلب وارتفاع الكوليسترول، وفقا لأشلي كيتشينز.
وتحتوي قطع اللحم البقري الدهنية، ومنتجات الألبان مثل الزبدة والجبن والمثلجات (آيس كريم)، وبعض الزيوت مثل زيت جوز الهند وزيت النخيل، على دهون مُشبّعة. لكن كيتشينز تقول إننا لسنا بحاجة إلى تجنب الدهون المشبعة تماما، فقط يكفي استهلاكها باعتدال؛ إذ توصي الإرشادات الغذائية الأميركية “بالحد من تناول الدهون المشبعة إلى أقل من 10% من السعرات الحرارية المستهلكة يوميا”.
الدهون الممنوعة حقا
منعت إدارة الغذاء والدواء الأميركية مصنعي المواد الغذائية من إضافة الدهون المتحولة إلى الأطعمة والمشروبات، واتخذت العديد من الدول إجراءات لحظرها أو الحد من استخدامها.
فالدهون المتحولة أو المهدرجة “هي أسوأ أنواع الدهون على الإطلاق”، وتُعد السبب الرئيسي للوفاة لدى البالغين لما تمثله من خطر مضاعف على صحة القلب برفعها الكوليسترول “الضار” (إل دي إل) وخفضها الكوليسترول “الجيد” (إتش دي إل)، بحسب “مايو كلينك”. وهي تأتي عن طريق معالجة صناعية تُضيف الهيدروجين إلى الزيت النباتي، مما يجعله صلبا في درجة حرارة الغرفة، ولا يلزم تغييره كثيرا بتكرار عملية القلي.
وقد يستبدل صانعو الطعام بالدهون المتحولة مكونات أخرى غير صحية تحتوي على الكثير من الدهون المشبعة مثل زيت جوز الهند وزيت النخيل.
ومن الممكن أن توجد الدهون المتحولة في العديد من المنتجات الغذائية، وخصوصا السَّمن الصناعي والمخبوزات التجارية مثل الكعك والبسكويت والفطائر والبيتزا المُجمدة والبطاطس المقلية والدجاج المقلي وكريمة القهوة غير اللبنية؛ لذا يوصي الخبراء بالتقليل منها قدر الإمكان.
مقدار الدهون التي يجب تناولها يوميا
أشار باسكارييلو إلى أنه على الرغم من تصنيف بعض الدهون “دهونا صحية”، فإن استهلاكها بكميات غير محدودة ليس أمرا صحيا، إذ إنها تحتوي على نسبة عالية من السعرات الحرارية.
من جانبها، توصي كيتشنز بأن تشكل الدهون ما نسبته 20% إلى 35% من إجمالي السعرات الحرارية اليومية للبالغين الذين يستهلكون نحو 2000 سعر حراري يوميا، مع التركيز على اختيار الدهون الصحية. هذا يعادل تناول ما بين 44 و78 غراما من إجمالي الدهون يوميا، مع مراعاة تخصيص السعرات الحرارية لمصادر غذائية أخرى مثل الكربوهيدرات المعقدة والأطعمة الغنية بالألياف والبروتينات.
السكريات مفيدة أحيانا
أصبح من المؤكد أن تناول الكثير من السكر ليس جيدا لصحتنا، إذ أشارت مراجعة شاملة نُشرت عام 2023 إلى أن “استهلاك السكر يرتبط بنتائج صحية سلبية مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسرطان وتآكل الأسنان والاكتئاب”.
لكن أخصائية التغذية جيسيكا جايغر قالت إن “تقييد الكربوهيدرات يمكن أن يؤدي إلى سوء التغذية والتعب وتقلب المزاج واضطرابات الجهاز الهضمي وتغير إنتاج الهرمونات”، في وقت يمكن فيه للكربوهيدرات أن “توفر الفيتامينات والمعادن والألياف، وتدعم الترطيب”؛ بالإضافة إلى الغلوكوز، وهو نوع من السكر موجود في الكربوهيدرات تحبه أجسامنا وأدمغتنا بوصفه “مصدرا مفضلا للطاقة”؛ وخصوصا لأولئك الذين يمارسون الرياضة.
وتوضح أخصائية التغذية أنجيل لوك لمجلة “هيلث دايغست” أن جودة الكربوهيدرات هي التي تحدث فرقا كبيرا، إذ تحتوي الكربوهيدرات العالية الجودة، الموجودة في أطعمة مثل الفاصوليا والبطاطس والذرة والبازلاء الخضراء والشوفان والأرز البني، على ألياف أكثر وسكر أقل؛ ويساعد محتواها من الألياف في دعم بكتيريا الأمعاء الصحية وخفض ضغط الدم، وفقا لمراجعة أجريت عام 2019.
على عكس الكربوهيدرات المكررة أو المعالجة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر موجودة في الحلويات والوجبات السريعة والفواكه المعلبة والمجففة والأطعمة والمشروبات السكرية