لقمة الماضي
“خُبز الوطن خير من كَعْك الغربة”، بهذا المثل الشهير يرتبط الكويتيون بتراثهم الغذائي، الذي يحمل معاني الانتماء والتواصل العائلي، وفي هذا السياق، يسرنا أن نأخذكم في رحلة مميزة إلى الماضي، حيث كانت المائدة الكويتية لا تمثل مجرد فضاء لتناول الطعام، بل كانت واحة للتواصل والتآزر بين أفراد المجتمع، وسنستعرض في هذا المقال لمحة عن تلك اللحظات الرائعة حين كانت المائدة تجمع الصغار والكبار، بالإضافة إلى أهم أنواع الأكلات الشعبية التي كان يتناولها أهل الكويت سابقاً، وكيف اختلف الوضع الحالي للسفرة الكويتية من ناحية نوعية الطعام، واجتماع الأسرة الكويتية عن السابق.
في الزمن السابق، كانت المائدة لا تُعتبر مجرد مكان لتناول الطعام، بل كانت تمثل رمزًا حيويًا في نسيج حياة الأسرة الكويتية، فهيفرصة لتعزيز الروابط الأسرية، وإشاعة جو من السعادة والألفة، كما أنها توفر اطمئناناً لأفراد الأسرة؛ حيث يشعرون بالتقدير والاهتمام من قبل بعضهم البعض، وكانت هذه اللحظات هي ملاذاًللأفراد؛ إذ يشعرون بالسلام والسعادة العميقة داخل جدران بيتهم، وهو ما تحتاجه النفس البشرية، وهذا الاجتماع الدائم يجعل الأسرة متماسكة ومتعاونة في شؤون الحياة.
وتماشياً مع ما تم ذكره فقد اكتسب المطبخ الكويتي شهرة واسعة بفضل أطباقه الشعبية، التي تميزت بمذاقها الطيب، نتيجة البهارات المستخدمة بها، التي يجلبها تجار الكويت من الهند. ولقد توجهت إلى جدتي للحصول على قائمة تضم أسماء هذه الأطباق التراثية، وقامت بمشاركتي تجاربها، وذكرياتها حيال الأكلات التي كانت تُحضّر في الماضي، كالمموش، والتشريب، والمجبوس بأنواعه، والمربين، والهريس، والجريش، والمرقوق، ومحروق صبعه، والميدم، والمشخول، وكان غالب طعام أهل الكويت يعتمد على الدجاج واللحم والسمك؛ حيث تميز بحر الكويت بالطعم الطيب لأسماكه مثل الزبيدي، والهامور والنقرور والصبور، التي كانت دائماً ما تتوفر في السفرة الكويتية. أما الحلويات فاعتمدت كثيراً على الدقيق، ومن أقدمها: العصيدة، والغريبة، والدرابيل، واللقيمات، والبلاليط، والمحلبية. واشتهر المطبخ الكويتي بأدواته مثل: العكة، وهي أداة تُصنع من جلد الغنم، التي تستخدم لحفظ السمن، كما كان الصميل، الذي يستخدم لاستخراج الزبدة من الحليب.
والواقع أن السفرة الكويتية قد شهدت تغيراً ملحوظًا بين الماضي والحاضر، حيث كانت تتسم في الأوقات السابقة بالبساطة وتركيزها على الأطعمة التقليدية، التي كانت تتطلب جهدًا يدويًا كبيرًا في عمليات الإعداد، ومع التطور الحياتي، والحداثة، شهدت السفرة تنوعًا في الأطعمة، وتغيرًا في أساليب الإعداد في العصر الحديث؛ حيث التركيز على التقديم الجمالي، وكذلك مشاركة تجارب الطعام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أصبح كثيرٌ من الناس يفضلون تناول الطعام في المطاعم، مع التركيز على الوجبات السريعة، لتفقد بعض الأسر حلاوة اجتماع أفرادها على مائدة الطعام، ومذاق الأكلات الشعبية.
في ختام هذه الرحلة الذواقة إلى المائدة الكويتية، نجد أن تراث الطهو، وتناول الطعام يشكلان جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للكويت، والاجتماع حول المائدة كان له أهمية خاصة في الماضي، حيث كانت تلك اللحظات تجسد قيم الأصالة، وتعزز الترابط العائلي. وبينما نحن نستذكر الأطعمة الشهية الكويتية، ندرك كم كانت تلك اللحظات لا تحمل فقط نكهات لذيذة، ولكن كانت تحمل حباً ولهفة لاتقاء أفراد الأسرة، فتطور المائدة الكويتية من الماضي إلى الحاضر تعكس التغيرات في الحياة اليومية، وتأثير العولمة والتكنولوجيا، على ومع التطور التكنولوجي والحداثة، التي أحدثت تحولات في عادات تناول الطعام، إلا أن جوهر التقاليد والتراث لا يزالان حاضرين عند بعض الأسر، والآخر افتقدها، ونحن في هذا المقال كطالبات نستغل هذه الفرصة لندعو الجميع أن يرجع إلى الماضي بأطباقه الصحية، واجتماعاته الأسرية التي لا تخلو من نظرات محبة واطمئنان، وأحاديث مسلية من بين الأب وأبنائه، والأخ وأخته.
إعداد الطالبات: عالية الرشيدي، أريج هديبان، أريج سرعاوي، مشاعل الظفيري
إشراف: د. مبارك عشوي العنزي، كلية الكويت للعلوم والتكنولوجيا