كتاب أكاديميا

سوسن إبراهيم تكتب: ضريبة الحُمق

 غريب كيف نخطط ونعدّ لحياتنا كما نستعد لكافة الأمور وبالنهاية نصطدم بالحقيقة وهي اننا نعيش بالوهم. مجرد سراب خُدعنا به أم لم ننخدع به بل تراءى لنا بأنه الحقيقة المحضة. أسرفنا بالتأمل وبالأحلام حتى انصهرت أرواحنا وهي تفكر وتحلل وبالنهاية يكتمل الوهم ليصعقنا كالرعد يهز نفوسنا ويفزع اذهاننا. كم هو مؤلم الخذلان لدرجة تُكبت دموعنا بدواخلنا وتُهمش آمالنا. تنتكس أحلامنا فجأة وتتعكر صفوها، أحلامنا التي كابدت معنا المأساة لتُطرح ارضا بسبب المعاناة التي لا يحق لسوانا ان يراها لأنها العار في رداء الجسد العار مجسد بسلاسل الواقع او القدر او كلاهما.

نخفي وجوهنا المبتسمة الدامعة لكي نتعايش معها وحدنا. ولان الخذلان كبير وعظيم وغير متوقع تأبى الدموع بالهطول رغم غزارتها. كأنها عبثا موجودة تنخر بمآقينا تعذب ارواحنا وتكسوها ألما ودماءً وصراخا ولكنها ايضا بلا احساس ولا لون ولا صوت. متبلدة زاهدة متكبرة والمصيبة الأدهى والامر انها معتادة. اعتادت الالم فما عاد يعنيها شيء اخر.

نعم هو الاعتياد الذي يرضخنا لنمتثل امام الخذلان طيعين ومنهزمين. يرضخنا بسلطته وبأسه وجبروته كطاغية سادي يرفه عن نفسه بالقتل.

الاعتياد هو الاخر نوع من انواع الخذلان الناتج عن احباطنا في الوصول لرغباتنا. فالرغبة عصيّة علينا هي خطيئتنا الطاهرة التي تبتلعنا في جوفها، تنغص حياتنا وتتآكل بسببها ارواحنا. تنهش بإرادتنا كدابة برية لم تجد ضالتها التي ستعتاش عليها!

ومع هذا كله يبقى السؤال كيف نتابع طموحاتنا وهي تُردى بأسهم الخذلان وكيف ستزهر ارواحنا وهي ظمأة من بئر الأمل؟ بل كيف للآخرين ألا يفهموا ان تخلفهم عن وعودهم وتراجعهم عنها اكبر هزيمة ممكن ان تصيبنا، ان تمس كرامتنا وكبريائنا! ولكن كيف لو كانت تلك الوعود عيونهم التي آمنت انفسنا بها واتخذناها كوعود بل كديون رجل حر سيلبسه العار ويأكله الخزي اذا ما اخلف بوعده.

نعم نحن سبب خذلاننا لأنفسنا لأننا لم نقدر الأمور حق قدرها. استخلصنا حقائق ضمنية لم تكن واضحة للعيان الا لعيوننا المتلهفة وراء السراب، الوهم الذي ما هو الا ضباب يغلف عقولنا عن الحقيقة يعمي الابصار ويقيد الحدس ويطعن المنطق؛ يجعلنا نركض وراء اهواءنا كأطفال فرحيين بألعابهم المهداة لهم بهدف إلهائهم وإسكاتهم، بغرض تحوير عقولهم بعيدا عن الكبار.

الأمل سيبقى رغم الخذلان، لأن الحياة بدورها ستمضي كما هي، سنكون حمقى لو اعتقدنا خلاف ذلك. الحياة لا تتوقف عند أحد ولن تغير من مسلكها لمجرد أن شخصا ما دفع ضريبة حمقه وادعائه او بسبب هزيمته!

                         

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock