أخبار منوعة

دراسة مقارنة مع سلطنة عمان وفيتنام: تطابق في الاهداف الاصلاحية مع الكويت لكن فروقات كبيرة في سرعة التنفيذ والأداء

  • ليدرز جروب” في تقريرها الدوري لشهر يوليو-اغسطس: سنة ونصف على وثيقة الإصلاح المالي والإقتصادي : واغفال قطاع السياحة كنشاط اقتصادي-اجتماعي يشوّه أهداف التنمية المستدامة

 
 

الكويت- أغسطس2017: أصدرت شركة ليدرز جروب للاستشارات والتطوير، الممثلة لمنظمة السياحة العالمية في الكويت، تقريرها الشهري الذي يتناول قطاع السياحة في الكويت، ويلقي الضوء على أبرز التطورات في صناعة السياحة . وذكرت المدير العام للشركة، السيدة/ نبيلة العنجري أنه انقضت سنة ونصف السنة على صدور “وثيقة الاصلاح المالي والاقتصادي” الأمر الذي يطرح ضرورة امعان النظر فيها خاصة مع اقتراب المواعيد المفترضة لاتخاذ وتنفيذ البرامج الاجرائية اللازمة لتحقيق الاهداف الاصلاحية التي ارادتها الحكومة رغم الاعتراضات التي اثارتها الوثيقة في حينه.

وتبين مسارات الاصلاح واعادة البناء الاقتصادي والمالي في عدة دول، أن الاهداف الاصلاحية تتشابه إلى حد بعيد مع تلك التي حددتها الكويت، غير ان الفروقات تكمن بشكل أساسي في مدى سرعة الأداء من جهة، وفي الانسجام بين الاجراءات والسياسات والاهداف والجرأة في تطبيقها واحترام الجداول الزمنية الموضوعة للتنفيذ.

ومن اللافت أن الوثيقة وبرامجها أغفلت أهمية موضوع السياحة المستدامة كمحرك رئيسي للتنمية وللاصلاح الاقتصادي -وحتى المالي- في وقت يحتفل فيه العالم بفعاليات عام “2017 سنة دولية للسياحة المستدامة”، حيث سجلت وتسجل العديد من الدول نجاحات بارزة في هذا المجال، ومنها سلطنة عُمان الشقيقة التي ستستضيف في 11 و12 ديسمبر القادم المؤتمر العالمي الثاني حول “السياحة والثقافة” بتنظيم منظمة السياحة العالمية ومنظمة اليونيسكو وذلك عشية احتفال رسمي وحكومي ضخم في جنيف اختتاما للاحتفالية الدولية.

ولولا بعض الانشطة والملتقيات التي قامت بها بعض جهات القطاع الخاص، لأمكن القول أن الجهات الحكومية أهملت كليا حتى الاضاءة على اهداف السنة الدولية من حيث “زيادة الوعي بأهمية السياحة المستدامة من أجل التنمية، وتسليط الضوء على إمكانات السياحة للإرتقاء بالنمو السياحي وتعزيز فرص العمل والإستثمار؛ فضلاً عن التشجيع على إحداث تغيير في السياسات، والممارسات في الأعمال، وسلوكيات المستهلك نحو قطاعٍ سياحي أكثر إستدامة، وههذه القضايا تتلاقى للغاية مع روح وأهداف وثيقة الأصلاح الكويتية. كما تشتمل أنشطة السنة على “الدعوة والمناصرة من أجل الإرتقاء بالسياحة المستدامة كأداةٍ للتنمية، مع تسليط الضوء على دورها كقاطرةٍ للتنمية الإقتصادية، وزيادة الوعي لدى جميع أصحاب المصلحة – بما في ذلك السيّاح أنفسهم – بأثر السياحة والسفر على المجتمع والبيئة.

إن اهمال التوعية ليس سوى جانب واحد من اوجه التقليل من شأن السياحة في وثيقة الاصلاح خلافا لما يحدث في معظم الدول الاخرى، في العالم النامي في آسيا وامريكا وافريقيا اضافة إلى العالم الغربي الذي استخدمت فيه السياحة كقاطرة للخروج من أزمة الركود العالمي الأخير، وكذلك في دول مجلس التعاون الخليجي التي اصبحت معظمها مثالا للنمو السريع والفريد بفضل السياحة.. مع ملاحظة التميز الجديد لسلطنة عمان بمناسبة سنة السياحة المستدامة.

عُمــــــــــــان

لقد حقّقت عُمان تقدماً ملموساً في جميع نواحي الحياة وباتت تحظى بتقدير الكثيرين من المراقبين والسياح الأجانب الذين يتوافدون إلى السلطنة، وسط اعتماد متزايد على السياحة. فبعد أن وفّر لها النفط موارد مالية وجعلها بلدا غنيا، وفي ظل توقعات نضوب الذهب الاسود بعد خمسين عاما، تراهن عُمان على قطاع السياحة كبديل، حيث يتمثل هدفها برفع معدل الدخل الوطني من السياحة من 2 % إلى خمسة في المئة من الناتج القومي السنوي حتى عام 2020 (نحو 12 مليون سائح) بحيث تصبح المصدر القومي الثاني في الموازنة العامة للدولة.

وفي بلد نفطي، تحولت السياحة في العقد الحالي إلى احد ابرز محاور الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي والمالي في السلطنة وقطاعا يلبي ازدياد الطلب الكبير على فرص العمل وخاصة من الشباب (38%)، ورفع الأجور في مختلف القطاعات، بعد أن كان أكثر من 72% من العُمانيين العاملين في القطاع الخاص يتقاضون قبل 2010 حوالي 520$ أمريكي، في حين كانت نسبة الذي لا يجدون مقاعد للدراسة في مؤسسات التعليم العالي من خريجي الدبلوم العام “الثانوية العامة” تزداد بشكل سنوي(1).

 

هذا النجاح العُماني في الاهتمام بالسياحة كخيار اصلاحي اقتصادي، حالي ومستقبلي، يبرز اكثر مع الاشارة إلى أن هوية السياحة التي اختارتها تتميز بطبيعة خاصة حيث قررت السلطات المعنية تجنب ما يُسمى “السياحة الشعبية أو الجماهيرية” اي السياحة لكل سائح، لتحسم أمرها باختيار “السياحة التي تحفظ الإرث الثقافي” والتقاليد والهوية. إنها ليست سياحة الأغنياء والتسوق بل سياحة الذين يريدون السفر ويبتغون الراحة والسعادة. وتجدر الاشارة إلى ان عُمان تتمتع-الى جانب الطبيعة الخلابة في عدد من المحافظات- بنحو 300 كلم من الشواطئ، ومن آخر المشاريع السياحية عليها الخليج الاصطناعي الضخم “ذي ويف” بكلفة 2.9 مليار يورو.

 

فيتنام

تمثل فيتنام احدى الحالات الملفتة من حيث اعادة هيكلة ونمو الاقتصاد وعلاقة ذلك بالسياحة، خاصة وأنها دولة ذات نظام اشتراكي –وزراعي موجه، لكنه ادخل العديد من الاصلاحات في جميع النواحي والقطاعات.

من الملفت أن فيتنام وضعت لنفسها أهدافا تتطابق مع الاهداف الواردة في وثيقة الاصلاح الاقتصادي والمالي للكويت، فقد جاء في الوثائق والمصادر الرسمية الفيتنامية ان البلاد تسعى لتحقيق “تحسين اقتصاد السوق والاطار القانوني وتسهيل الاجراءات الادارية وتطوير نوعية الموارد البشرية وتحديث البنى التحتية في البلاد مع التركيز على مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتفعيل المشاريع والمؤسسات العامة”(2).

لكن فيتنام تميزت بتطبيقها لهذه الاهداف وقطف سريع لنتائجها، رغم طبيعتها المتحفظة على السياسات الاقتصادية المعاصرة والانفتاح منذ ايام انتصار الثورة الشيوعية فيها قبل 30 عاما (ولا يزال اسمها البلاد الرسمي “جمهورية فيتنام الاشتراكية”). ولقد حققت ذلك لأنها لم ولا تترد باتخاذ اجراءات وبرامج ومشاريع مباشرة لتنشيط السياحة ضمن اصلاح اقتصادي وعروض “منظمة” امام الاستثمارات الاجنبية (وخاصة الكوريين الجنوبيين). ونتيجة هذه الاجراءات والسياسات الجريئة المنسجمة مع اعادة البناء الاقتصادي، شهدت البلاد في الفترة 2011-2015 متوسط نمو 6% في الوقت الذي كان فيه العالم يشهد أكبر ركود اقتصادي.

لقد اطلقت السلطات الفيتنامية اواخر شهر يوليو الفائت(2017)نداء للمستثمرين الاجانب للاستثمار في دفعة جديدة من المشاريع السياحية ضمن خطتها للاصلاح الاقتصادي. ودعت مقاطعة “سا مو” في اقصى الجنوب الفيتنامي إلى الاستثمار في مشروعين سياحيين بقيمة 52.7 مليون دولار من ضمن خمسين مشروع استثمار في الأعوام 2017-2020، منها عشرة مشاريع للأجانب وتتمحو حو تنمية الموانئ البحري والطاقة البيئية والشمسية والصناعات التكنولوجيا الرفيعة.. وتتمع المنطقة بقابلية نمو سياحية كبيرة بفضل مواقعها السياحية الجذابة المتعددة ومناظرها الجميلة. وسبق أن وجهت السلطات الفيتنامية العديد من الدعوات للمستثمرين التشكيك والمانيا، لكن تبقى كوريا الجنوبية المستثمر الأكبر فيها مع اكثر من 5.65 آلاف مشروع قيمتها الاجمالية 51.5 مليار دولار.

وفي العاصمة هانوي حيث تقوم فرق من المتطوعين المحليين بالعمل في السياحة يُتوقع ان يبلغ عدد السياح حتى مطلع سبتمبر 12 مليون سائح..

وخلال شهر يوليو الفائت (2017) عقدت فيتنام اتفاقا مع كورية الجنوبية لتنشيط تعاونهما في السياحة كما اتفقت مع هنغاريا على دعم التعاون السياحي. وباتت الروزنامة السياحة تتضمن أنشطة متواصلة ومستجدة، محليا وخارجيا، وآخرها انشاء اول متحف خاص عن الصور في فيتنام ومهرجان الغناء للمواهب في جنوب فيتنام وافتتاح ” ايام الثقافة والسياحة” الفيتنامية في لاوس(3).

 

ارتباط عضوي بين اهداف الوثيقة والسياحة

يؤكد تحليل اقتصادات عدة دول عربية واجنبية، محافظة ومنفتحة، الارتباط العضوي بين الاصلاح المالي والاقتصادي من جهة وبين السياحة من جهة اخرى. واستنادا للعديد من الدراسات صدرت مؤخرا العديد من التحذيرات الموضوعية المبنية على تجارب حديثة “من الاصلاحات المالية دون اصلاحات اقتصادية”. ويربط نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس ادارة البنك المركزي المصري زياد بهاء الدين (4)على اهمية تدفق السياحة ضمن عوائد الاصلاح إلى جانب عوائد اخرى مثل زيادة زيادة الاستثمار، وانخفاض البطالة، وارتباط ذلك بتحرير “موارد إضافية للدولة تتيح مزيدا من الإنفاق على الخدمات العامة”. ويؤكد بها الدين ان “الإصلاح المالى والنقدى لا يأتى وحده بهذه الثمار المنشودة، بل يلزم أن تتضافر معه سياسات وبرامج تحقق إصلاحا اقتصاديا حقيقيا يزيل عوائق الاستثمار، ويفتح التنافس فى المجالات الواقعة تحت سطوة الاحتكار، ويطلق طاقات الإبداع والمبادرة، ويحفز المشروعات الصغيرة، ويكسر حالة الركود السياحى”.

ومن جهتها تشير منظمة السياحة العالمية (5) إلى “اهمية السياحة والسفر كنشاط اجتماعي واقتصادي نما بثبات وبلغ على المستوى الدولي مستويات غير مسبوقة، وتلفت إلى استخدام “السياحة بالتالي في العديد من الدول كقطاع يحتل مقدمة الأولويات للتنمية الاقتصادية والمساهمة في اعادة توزيع الثروة، وخفض الفقر وخلق فرص عمل”.

إن الكويت ليست في وراد اعتماد السياحة في مقدمة الاولويات، لكن بات من الحتمي ان تحدد موقع السياحة في جدول أولوياتها أو انشطتها، الاستراتيجية أو المتوسطة المدى، وتخرج من الخطاب الحكومي الفضفاض بهذا الشأن لتضع خطط تنفيذية قريبة جدا.

الاشارة الصريحة الوحيدة عن السياحة في الوثيقة جاءت في “برامج الاصلاح التشريعي والمؤسسي والاجرائات المساندة” حيث تضمنت اصدار وتعديل مجلس الامة ومجلس الوزراء نحو 13 قانونا، بهدف اقرار وتعديل وتطوير التشريعات الداعمة للاصلاح” ومن ضمنها “اصدار قانون السياحة”. لكن هذا القانون جاء ضمن “برامج متوسطة الاجل (2018/2019 -2020/2021)” مما يفترض صدوره خلال السنوات الثلاث القادمة وإلاّ اصبحت برامج الاصلاح متخلفة عن المعطيات التي اعتمدت عليها.  

فيما عدا ذلك، تضمنت الوثيقة بعض مشاريع وانشطة تتصل بالسياحة دون تأكيد العلاقة بينها بينها، من هنا ضرورة تضمين هذا الربط لدى الاعداد لقانون السياحة المفترض قريبا. ومن هذه المشاريع مثلا ما جاء في في باب “برامج زيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي”، و”اشراك المواطنين في ملكية مشروعات البنية الاساسية”، التي تضمنت اجراءات مُفترضة متوسطة الاجل خلال الأعوام الثلاث القادمة: انظمة النقل السريع-مترو الكويت،مشروع شبكة السكك الحديد، مشروع المركز الخدمي الترفيهي-العقيلة، مشروع الاستراحات على الطرق السريعة ومراكز خدمة الشاليهات، وهو ما يتطلب اجراءات من “هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

كذلك يفترض الانتباه إلى كيفية الاستفادة مما ورد في بند المصروفات ضمن “باب الاصلاح المالي” من حيث “ترشيد دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص” و”اصلاح سوق العمل” وما يتطلبه ذلك من زيادة مخصصات دعم العمالة الوطنية “في الوظائف والمهن التي يندر اقبال المواطنين عليها مقابل عدم استغلال المخصصات من خلال وظائف وهمية”، وتشجيع التوجه إلى العمل في القطاع الخاص وايجاد مصادر دخل اضافية للمواطنين.. وهذه امور وثيقة الصلة بالسياحة علما أن دراسات بهذا الشأن بينت أن بوسع السياحة توفير اكثر من 25 ألف فرصة عمل نوعية لشبابنا خلال عشرين عاما، مضافٌ إليها حصة المشاريع السياحية من تمويل نحو 2727 مشروع برأس مال 470 مليون دينار تقريبا حتى العام 2019.

بالاضافة إلى ذلك يجب التساؤل عما حصل بشأن أهداف أخرى وردت في الوثيقة مثل “تحسين مركز الكويت التجاري الاقليمي” الذي كان يفترض تحقيقه ضمن الاهداف أو البرامج قصيرة الاجل قبل نهاية 2018، وغيرها-مما سنعرضه في تقارير لاحقة- التي تشترط وجود أنشطة مزدهرة، مثل سياحة المؤتمرات والمعارض..

والتجارب التي عرضناها هنا وغيرها في معظم دول العالم، تؤكد أن السياحة والقطاعات الفرعية المتلعقة بها -ولاسيما صناعة الضيافة والتجهيزات الفندقية وخدمات السفر- تتيح حلولا هي بين الأفضل لهذه المشاكل، وأن قسما كبيرا من وثيقة الاصلاح الاقتصادي والمالي لا يمكن ان يتحقق إلا بسياسات ساحية واضحة ومصممة، استراتيجية، ومرحلية، ومدمجة في العديد من المجالات التي تناولتها الأهداف.

______________________________  

لمعلومات اضافية: (راجع : عبيد بن سعيد الشقصي، “مسيرة الاصلاحات في سلطنة عمان”- 3 ديسمبر 2013 – مركز الجزيرة للدراسات-  

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/12/201312494418689484.html

انظر ايضا: http://omandaily.om/?p=482010

(2)أنظر مقالات “رسالة فيتنام”: LECOURRIER.VN

(3) http://lecourrier.vn/reforme-economique-au-vietnam-et-opportunites-pour-les-investisseurs sucoreens/368470.html  

(4)زياد بهاء الدين، “الاصلاح المالي ليس المشكلة بل تأخر الاصلاح الاقتصادي”، 3 يوليو 2017، http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=03072017&id=528fe572-ab3d-47b0-9c30-7350b8a65a0f  

(5) http://unwto.org

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock