د. شاكر الأشول يكتب: من أين يبدأ إصلاح التعليم في المدارس السعودية؟
- في السعودية إصلاح التعليم مرتبط باستقلالية المدارس
المملكة العربية السعودية من الدول العربية الغنية، لكن مقارنة بجيرانها مثل قطر والإمارات، ما زالت تواجه تحدياتها الخاصة المرتبطة بتطوير التعليم وتحسين مخرجاته.
اعتماداً على مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، فإن المملكة العربية السعودية تحتل المركز السادس عربياً، والثاني والسبعين عالمياً، بينما تحتل قطر والإمارات المركز الرابع والعاشر عالمياً، والأول والثاني عربياً بالترتيب.
يمكن الحديث عن الفروقات بين هذه الدول، ويمكن الحديث عن عدد الطلاب الكبير الذي يصل إلى حوالي ستة ملايين طالب في المملكة العربية السعودية، وعدد المدارس الكبير مقارنة بالأعداد الصغيرة نسبياً في دولتي قطر والإمارات، وربما أيضاً يمكن الحديث هنا عن تاريخ تطوير العملية التعليمية في البلدين كيف وصلت إلى النجاح الملحوظ، لكن ذلك لن يجدي كثيراً في هذا النقاش.
ما يجب الالتفات إليه هو أن المملكة العربية السعودية تضع التعليم من ضمن أولوياتها في عملية الإصلاح، ولعل الاستثمار في قطاع التعليم الذي بدأ في عهد الملك عبد الله رحمه الله، ويستمر الآن تحت رعاية وإشراف الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد لدليل واضح أن هناك إدراكاً بأن مستقبل المملكة واقتصادها المستقبلي بل ودورها في المنطقة مرهون بتعليم حديث ومؤسسات تعليمية تكون مخرجاتها قادرة على التعامل مع تحديات القرن الواحد والعشرين.
عملية التغيير في منظومة التعليم بدأت منذ زمن، لكن لا بد من الاعتراف بأنها بطيئة، وبينما قد يؤيد البعض التدرج في التغيير قد لا يعتبر ذلك التغيير كافياً ولا سريعاً بالقدر الذي يحتاجه البلد لتطوير نفسه، وللتعامل مع تحديات الزمان الذي نعيش فيه اليوم، ولتحقيق طموح المملكة وشعبها.
على سبيل المثال، هنالك العديد من المبادرات لإصلاح التعليم مثل تقييم المدارس، وتأهيل المعلمين، وتطوير المناهج وتحميل القائمين عليها مسؤولية تعليم الطلاب ونجاحهم، والكثير من هذه التغييرات، بل وجودة التعليم نفسه في المدارس والمؤسسات التعليمية تتطلب أن تكون هذه المدارس والمؤسسات التعليمية مستقلة، فلا يمكن تحميل مدير المدرسة مسؤولية تعليم ونجاح الطلاب في مدرسته إذا كانت كل القرارات بيد وزارة التعليم، مثلما هو حاصل الآن. فوزارة التعليم هي من تعين المدرسين، وهي من تقر الميزانية، وهي من تقرر كل صغيرة فيها، وما المدير إلا منظم للعملية التعليمية في الصفوف الدراسية، ومنظم لسلوكيات المعلمين وطلابهم في ذلك المجتمع المدرسي.
إذاً سواء كان حديثنا عن المملكة العربية السعودية أو أي دولة عربية أخرى، فلا جودة تعليمية بدون منح المدارس والمؤسسات التعليمية الاستقلالية لاتخاذ القرارات المرتبطة بتعليم الطلاب والطالبات، ولا يمكن محاسبة مدير المدرسة على أداء الطلاب ما دام المنهج من اختيار الوزارة والمدرسون من اختيارها، وكافة القرارات المتعلقة باستغلال الموارد تتخذ خارجها، وحتى الشراكات الخارجية في يد الوزارة.
في المملكة العربية السعودية اليوم، قرار منح الوزارة صلاحيات أكبر للإدارات التعليمية هو قرار صائب، لكن إذا كانت الوزارة تنظر إليه على أنه قرار مرحلي، قبل إعطاء المدارس الاستقلالية المطلوبة، فسيجعل عملية التغيير والتطوير بطيئة في وقت لا تملك فيه المملكة أن تكون أكثر بطئاً في رحلتها للنهوض بالتعليم واللحاق بركب الدول الأخرى.
عمليات الإصلاح والتطوير التي تتم مرهونة بإدراك المسؤولين عليها بأن الأنظمة التقليدية وإدارة العمل بالشكل التقليدي لن ينتج عنها التغيير المرجو.
وفي الوقت الذي يتفق الجميع فيه حول أهمية دور مدير المدرسة، فإن مجرد وجود مدير لا يضمن جودة ورقي العملية التعليمية.
ومع إدراك أن عملية تطوير التعليم مرتبطة باستقلالية إدارتها وبعدها عن المركزية العقيمة التي تيسر تعامل إدارتها مع الأوضاع والاحتياجات الخاصة للمجتمع التعليمي، فإن تحول دور مدير المدرسة إلى قائد المدرسة يصبح أمراً لا بد منه. فقائد المدرسة أو رئيسها في كثير من المؤسسات التعليمية اليوم هو المسؤول الأول عن ميزانيتها المالية، وعن تعيين وإنهاء خدمة المدرسين ساحباً بذلك كثيراً من الصلاحيات التي كانت تقليدياً بيد الإدارات التعليمية المركزية المسؤولة عن المؤسسات التعليمية العامة أو الحكومية.
رأيت ذلك التحول في نيويورك مع مجيء حكومة المحافظ مايكل بلومبرغ، ووزير تعليمه كلاين، حين أعطى المديرين الكثير من صلاحيات اتخاذ القرارات، بما في ذلك ميزانيات المدارس التي تصل إلى ملايين الدولارات وأمور التوظيف والتعيين بداخل المدرسة، وبذلك التحول انتقل المسؤول عن المدرسة من مدير لعمليتها التعليمية إلى رئيس تنفيذي أو قائد مسؤول عن إدارة الجوانب المالية والموارد البشرية، بالإضافة إلى العملية التعليمية الصفية، والمرتبط بها اختيار المناهج المناسبة، والدعم والموارد المناسبة لبيئة المؤسسة التعليمية.
في البيئة التعليمية الجديدة المطالبة بجودة في التعليم والمخرجات، فإنه لا بد من استقلالية للمؤسسة وتوصيف جديد للشخص المسؤول عنها، باعتبار أن ما يقوم به اليوم أكبر بكثير من مجرد إدارة للعملية التعليمية في الصفوف الدراسية، فالمنصب يتطلب رؤية وإدارة للموارد البشرية والمادية ومهارات قيادية وفريقاً قيادياً في المدرسة يتجاوب مع تلك الرؤية، ويعمل بتناغم مع قائد المدرسة؛ لتحقيق الأهداف المرجوة.
تطوير التعليم في مجتمعاتنا العربية وفي دولة مثل المملكة العربية السعودية، مرتبط باستقلالية المدارس والمؤسسات التعليمية، الأمر الذي يعني إعطاء المسؤولين عنها صلاحيات أكبر في بيئة تسمح لتحميلهم المسؤولية ومساءلتهم ومحاسبتهم.
ولذلك فإن التخلي عن الصلاحيات لحساب الإدارات التعليمية هو خطوة إيجابية، لكنها قاصرة، فالصلاحيات يجب أن تعطى إلى قادة المدارس والمؤسسات التعليمية حتى يمتلكوا المرونة والقدرة على اتخاذ القرارات التي تناسب حاجة طلابهم وحاجة بيئاتهم الخاصة.