اللغة العربية هي اللغة الرسمية في كل دول العالم العربي، إضافة إلى كونها لغة رسمية في التشاد وإريتريا، وما زالت هي اللغة الرسمية في الأراضي المحتلة (فلسطين) حتى بعد كل هذه السنوات من الاستعمار . وهي إحدى اللغات الست الرسمية في منظمة الأمم المتحدة، ويُحتفل باليوم العالمي للغة العربية في ١٨ ديسمبر (كانون الأول) كذكرى اعتماد العربية بين لغات العمل في الأمم المتحدة.
-هل أهملنا اللغة العربية؟
العربية التي قلنا وكتبنا بها شعرًا وأدبًا وعلومًا وفلسفة، ما أتت بمثله أية أمة أخرى على وجه البسيطة، التي تسودت فيها أمة العرب بلغتها الراقية على مدى قرون. فاللغة هى آلتنا للتعبير عن المكنون الفكري والمعنوي والروحي، وبدونها تضيع أفكارنا وتتنافر أجيالنا، وتفقد الأمة هويتها وجوهر معالم وجودها وملامح شخصيتها.
فالعربي الذي كان يهتم بلغته أعظم الاهتمام، ويحرص على ألفاظها وقواعدها أشد الحرص، ويتعمق في علومها ويصون معاييرها ومحاسن بديعها وبلاغاتها، أصبح في غربة عنها، وتفاعل سلبي معها، ومع ألفاظها ومفرداتها، وهو ما نتج عنه اضطراب في طرح الآراء والتفكير وضعف واضح في التعبير.
كما أصابه خواء معجمي خطير عليه أن يصحو منه، وينتبه إلى وجوده وضروريات التفاعل الإبداعي مع لغته، وحملها بقلبه وعقله والاجتهاد في زيادة مفرداتها وفهمها وشرحها في أبهى صورة والتعامل معها على أنها وجوده ومصيره. كل هذا سببته عوامل عديدة منها لغة المراسلات الفير مفهومة والمبهمة، والتي تكون في الغالب بحروف لاتينية تتجارى مع العصر، كما أن من هذه العوامل اللهجة الغنائية التي يرددها الناس من صغير وكبير، الإعلام المسموم بالمصطلحات الخارجة والمفردات الغريبة التي لا تعد من ثقافتنا في شيء، ودور الجامعات والمدارس الذى لم يعد يحث الطلاب على الاجتهاد في الرقي باللغة العربية وغيرها من العوامل التي ساهمت في تدني المستوى العام للعربية.
-ما الذى يجب علينا فعله لوضع اللغة العربية في مكانتها الصحيحة التي تليق بها؟
إننا جميعًا، أي: العرب، مطالبون بالاهتمام الحضاري المعاصر بلغتنا، ويقع على عاتقنا جميعًا التفاعل الحي معها، وتقدير دورها الإنساني والتاريخي والحضاري. كما يجب علينا القيام ببعض الأمور الهامة لإعادة المجد للغة العربية كما كان في السابق، والعمل على أن تتربع اللغة العربية المركز الأول بين متحدثي اللغات الأخرى، وليس المركز الرابع، أو حتى على الأقل محاولة المحافظة على ما تبقى من مجدها وإيصالها لأولادنا والأجيال القادمة في صورة كاملة غير منقوصة.
ومن المهم فعله هو ذكر بعض الأفكار التي تساهم في دعمها وإطلاق طاقاتها مثل:
١– تحديث وسائل التدريس
فاللغة العربية هى كالكائن الحي الذي يتجدد وينمو، لذلك علينا أن نطلق العنان لأبنائنا للتعبير عن آرائهم وخلق وسائل تدريس تتناسب مع التقدم الحضارى والفكرى لدى الطلاب، ومحاولة إيصالها إليهم بطريقتهم، مع مراعاة الأصول وعدم تحريف أساسياتها، يجب علينا ألا نتقيد بنظام تدريس ثابت يعيق التقدم اللغوي والفكري لدى الدارسين.
٢–تشجيع الترجمات إلى العربية
من الواضح أننا لا نقوم بترجمة المطبوعات والكتب والدراسات الكافية من اللغات الأخرى إلى العربية، وذلك من أسباب عدم توافر الكثير من المراجع والمعاجم في مختلف المجالات، وأيضًا سبب في ادعاءات البعض بأننا أمة لا تقرأ كثيرًا، إن الأمم الناجحة والمتفوقة هي ما تقوم بترجمة وتوفير إصدار آخر من كل شيء بلغتها الأم، حتى المأكولات والمشروبات والماركات والمجلات وكل شيء في غضون أيامٍ من طرحها الأسواق. كما في الصين – على سبيل المثال – فهناك حركة صينية عمرها ما يزيد عن ٣٠ عامًا من شأنها تصيين كل شيء، حتى الأديان، فكل شيء يصل إلى الشخص الصينى بلغته الأم، لذلك لا عجب أنها من أكثر اللغات المتحدث بها حول العالم.
٣–دور الجامعات
من أهم الأدوار هى أدوار دور التدريس والتعليم، مثل المدارس والجامعات؛ لأنها هي أهم مصادر نقل المعرفة، كلنا نعرف أن بلداننا العربية لا تشجع الأجانب على دراسة اللغة العربية بالشكل الكافي، ويظهر ذلك في عدد المنح الدراسية التي تقدم للأجانب كل عام من الأزهر الشريف في القاهرة، أو من الجامعات الإسلامية في السعودية والأردن، والتي لا تكفي حاجة الطلبة الراغبين في دراسة اللغة العربية؛ فيلجأ بعضهم للدفع لدراستها أو التخلي عنها مجملًا، وذلك لعدة أسباب منها: أنها تقتصر على الدراسة الدينية فقط، ومعظم الطلبة لا يحتاجون ذلك، وإنما يجب تنوع المجالات التي تقدم فيها المنح، كالأدب والفن والسياسة والاقتصاد وغيرها. ومن الأسباب أيضًا هو عدم توافر المناخ المناسب والدعم المالي، على العكس من الدول الأوروبية أو الدول الأسوية التى تسعى لتقديم كل الخدمات المتاحة للطلبة الأجانب كالمسكن والتأمين الصحي والمصروف الشهري الذي يصل أحيانًا إلى ٥٠٠ دولار أمريكي أو أكثر شهريًا لتسهيل دراسة لغاتهم المختلفة وخلق مناخ يحثهم على الاستمرار والإبداع في دراساتهم. فيجب تقديم منح كاملة لفتح سوق جديدة أمام الأجانب؛ ليأتوا مقبلين على دراسة اللغة العربية.
٤–الغيرة واليقظة اللغوية
هل رأينا في العالم كله أحد المسؤلين يتحدث أمام الناس ويستدل في خطابه ببعض الكلمات العربية إلا عندنا، فأصبح من الفخر أن يستدل المتحدث بالكلمات الأجنبية في كل خطاب أو كلمة قصيرة. والله ما هذا إلا جهل بلغتنا الجميلة، وتهاون منا في حقها، ومن غيرتهم على لغاتهم ويقظتهم التي تثيرهم على إيصال المعلومة كاملة للمستمع ولأنفسهم، فربما يسيء المستمع فهم ما يسمع من كلمات تمت إضافتها إلى النص، وربما لن يفهمها مطلقًا.
٥– الحث على كتابة وقراءة العربية
أصبحت المراسلة هى كل ما يستحوذ علينا، ليس هذا وحسب، وإنما أصبحت المراسلة بلغة جديدة تدعى الفرانكو (وهي كتابة الكلمات العربية بحروف لاتينية أو إنجليزية) هي ما يميز الشباب الواعي المعاصر، إن من الجهل تشجيع من يكتبون بهذه اللغة أو حتى مزاولتها وكأن العربية أصبحت مرضًا ننفر منه أو نتجنبه، وفي رأيي الشخصي أرى أن هذه الفرانكو من أخطر ما يهدد اللغة العربية، ويقلل تداولها والتعامل بها، فأنا لم أر أيًا من هذا في أي من اللغات الأخرى أو حتى بين المتحدثين بها.
٦– النقد اللغوي وتشجيع البحوث اللغوية
تعليم الطلبة أساليب البحث العلمي واللغوي، وأن يكون اقترابنا من اللغة العربية بمنهج علمي متقدم وشامل، ولنشجع الطلبة على القيام بالبحوث اللغوية كجزء مهم من واجباتهم المدرسية، أو متطلبات اجتيازهم لمرحلة أو فصل ما في المدرسة.
٧–يقظة وسائل الإعلام
يجب أن يكون الإعلاميون دائمًا تحت أضواء النقد والتقييم اللغوي، وأن تتطور برامج التدريب على النطق العربي السليم، والقول التام نحويًا، وأي خطأ نحوي لدى الإعلاميين عليه أن يؤخذ بقسوة؛ لأنهم يؤثرون في الذوق اللغوي العام.
٨– الأغنية العربية
الأغنية العربية قد أثرت على الذوق اللغوي ووفرت له أرضية للهبوط وعدم الاكتراث لمفرداته، وبعضها قد بلدت الحس بجمال اللغة ولذة التعبير وقوته، ولهذا فإن الدعوة ملحة لتقديم أغنية بلغة فصيحة، وأن ُيغنى الشعر الذي يعبر عن تقلبات الإنسان. وندعو أهل الطرب والغناء إلى تقديم أغنية بالفصحى كل عام بمناسبة السنة العالمية للغات أو حتى في ذكرى اللغة العربية. وأن يتحقق الارتقاء بالذوق اللغوي إلى درجة المعاصرة وتنمية حب اللغة في نفوس الناس.