كتاب أكاديميا

عوض الفضلي يكتب: أبناؤنا المبتعثون .. والصدمة الثقافية

العالم لم يعد كبيرا ولم يعد متباعد الأطراف كما كان بالسابق قبل الثورة التكنولوجية، فقد تحول العالم في ليلة وضحاها بفضل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلى قرية صغيرة، وأصبح بإمكان كل واحد على هذه البسيطة أن يتصل ويتواصل ويطلع على ثقافات الدول والشعوب من غير حواجز ولا موانع.
الا انه ورغم ذلك فالمعايش ليس كالمشاهد، فالاغتراب والعيش في الخارج ينقلك من واقع عشته وتعودت عليه وألفته إلى واقع آخر مختلف تماما يختلف في كل شيء في اللغة والعادات والأخلاق ونظام الحياة اليومي فضلا عن اختلاف الجو والمناخ والمأكل والمشرب فتجد نفسك مضطرا للتعامل مع هذا كله مباشرة ودفعة واحدة ومن غير تدرج، ويختلف المغتربون في تقبلهم لذلك وقدرتهم على التعايش معه اختلافا كبيرا.
وهذا حال كثير من أبنائنا المبتعثين عندما خرجوا للدراسة بالخارج، خرجوا من بيئات ذات طابع محافظ إلى بيئات منفتحة غير محافظة ومختلفة تماما عن بيئاتهم التي نشأوا فيها من جميع الجوانب، فأصابتهم صدمة ثقافية واجتماعية حادة من ناحية اللغة والعادات الاجتماعية وغيرهما، اضف لها الغربة وافتقاد الأسرة الحاضنة التي توفر للشاب كل حاجاته من غير عناء منه ولا بذل.
لذلك تجد أبناءنا المبتعثين متفاوتين في تقبلهم لتلك الصدمة الثقافية، فمنهم من يرفضها جملة وتفصيلا ولا يستطيع التعايش معها فتجده لا يلبث طويلا حتى يتخذ قرار العودة للمحضن الذي تربى فيه وألفه واعتاد عليه ويشعر فيه بالأمان والاطمئنان وهو الوطن، ومنهم من لا يلبث كثيرا بعد الصدمة الأولى حتى تتحول الصدمة إلى انبهار بتلك الثقافة فتروق له ويبدأ بالتعاطي معها تدريجيا وتقبلها بكل علاتها حتى يجد نفسه مستجيبا للذوبان فيها والتدثر بلباسها.
ولكن المشاهد والملموس أن غالب مبتعثينا تأثروا بها ولم يتدثروا بلباسها، وهذا يعني انهم تفاعلوا وتعاطوا مع تلك الثقافة وأخذوا بعضا من جميلها وبعضا من قبيحها بدرجات مختلفة كل حسب ما يحمل من مبادئ ومعتقدات مترسخة في نفسه وعقله.
ولذلك نوصي أبناءنا الأعزاء المبتعثين المغتربين بأن يهتموا بالهدف الرئيسي الذي من أجله تم ابتعاثهم وهو الحصول على الدرجة العلمية في التخصص الذي اختاروه ليعودوا بعد ذلك للوطن للمساهمة فيه واستكمال مسيرة الآباء في بنائه وتنميته.
وأوصيهم ثانيا بالاعتزاز بما يملكون من ثقافة وعادات متحضرة نابعة من الدين والمعتقد الذي نشأوا عليه، ولا بأس بعمل مراجعة لبعض العادات السلبية التي لا تخلو منها المجتمعات والتي تنافي الدين أو القيم والأخلاق واستبدالها بقيم حضارية إنسانية نبيلة كما قال نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم «فالحكمة ضالة المؤمن انّا وجدها فهو أولى الناس بها»، وألا يتأثر أبناؤنا بكل ناعق وزاعق وكل من يهذي بما لا يدري ويثير الشبهات على الاسلام، فالاسلام جبل أشم لم تضره العواصف على مر تاريخه، وأتباعه ومعتنقوه بازدياد من مختلف طبقات المجتمع وشرائحه من العلماء والبسطاء- الأغنياء والفقراء- العرب والأعاجم.
ولن يضر الإسلام من باب أولى بعض من الأقزام ومثيري الشبهات عليه الذين لم يستطيعوا على مر التاريخ مستخدمين كل معاول الهدم لهدمه، فلم يفلحوا إلا بإسقاط بعض حصيات من على ظهره لم يلتفت لها الجبل ولم يشعر بها ولم يدرِ عنها، واجعلوا شعاركم في اعتزازكم بثقافتكم وهويتكم وما تملكون من قيم أخلاقية وحضارية منبعها دينكم الإسلامي المثل الشعبي الذي يقول «يا جبل ما يهزك ريح».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock