أخبار منوعة

أول من دعا لإنشاء “جوجل عربي”.. حكاية حاج صالح الجزائري أبي اللسانيات الحديثة

 

 

 

 

 

توجه في 1954 من الجزائر إلى القاهرة لإكمال دراسة جراحة الأعصاب، فإذا بها تغير خريطة أقداره، حيث تعرف على تراث اللغة العربية أثناء تردده على جامع الأزهر، فقرر التبحر في علوم اللغة العربية بدلاً من الطب، ليصبح قبل وفاته الأحد الماضي، أحد أقطاب اللغة العربية في الجزائر وفي الوطن العربي، بفضل نظريته “الخليلية”، والتي من خلالها كان أول من دعا لإنشاء “جوجل عربي” في الثمانينيات، ومشروع “الذخيرة العربية” الضخم.

فالبروفيسور عبد الرحمن حاج صالح، المولود في مدينة وهران، عاصمة الغرب الجزائري، في 1927، وبالرغم من أنه من الجيل الذي ولد في عهد الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، ودرس الطب باللغة الفرنسية، إلا أن كل ذلك لم يقف أمام تخصصه في علم اللسانيات العربية، دون أن يكون ذلك عائقاً أمام إتقانه للغات أجنبية أخرى.

فحاج صالح، الذي هاجر من الجزائر إلى مصر بسبب ملاحقات الشرطة الفرنسية، لنشاطه ضد الاستعمار، استكمل دراسة الطب في فرنسا، كما حصل على ليسانس اللغة العربية، وعلى شهادة الدراسات العليا في فقه اللغة واللسانيات الفرنسية من جامعة بوردو، وشهادة التبريز في اللغة العربية من جامعة باريس في فرنسا، قبل أن يسافر إلى المغرب للدراسة فيها.

ومما يرويه تلامذته عنه، أنه خلال لقائه بعالم اللسانيات الأميركي اليهودي نعوم تشوميسكي، سأله حاج صالح، إن كانت اللغة العبرية اعتمدت على النحو العربي في تطورها، فأجاب تشوميسكي بالإيجاب.

وكان ذلك في سنة 1968، عندما توجه حاج صالح، إلى الولايات المتحدة الأميركية بصفته أستاذاً زائراً بجامعة فلوريدا (غرب)، حيث التقى بالعالم اللساني نعوم تشومسكي، قال تلامذته إنه “جرت بينهما مناظرة أفحمت تشوميسكي”.

فأبو اللسانيات الدكتور عبد الرحمن حاج صالح، عاد بعد الاستقلال (1962)، إلى الجزائر كأستاذ وباحث في جامعة الجزائر، وتم تعيينه في 1964، رئيساً لقسم اللغة العربية وقسم اللسانيات، ثم انتخب عميداً لكلية الآداب، وفي عام 1980، أنشأ ماجستير علوم اللسان.

نظريته الجديدة

وفي الوقت نفسه عكف أبو اللسانيات في إنجاز أطروحة دكتوراه استغرقت منه عشر سنوات خلال فترة السبعينيات، حيث أبدع نظرية جديدة اسمها “المدرسة الخليلية الحديثة” والتي تقوم على أساس “إعادة إحياء الفكر اللّغويّ التّراثي وإخضاعه أو تطويره حتّى يتوافق ومتطلّبات الرّؤية الحديثة (متطلّبات الحوسبة اللّغوية، متطلّبات تعليم اللّغة العربيّة بمراعاة التّقنيّات الحديثة، متطلّبات معالجة بعض الأمراض..). ونال بنظريته الجديدة درجة الدكتوراه من جامعة “السوربون” الفرنسية.

ولا يستبعد أن تكون هذه النظرية الجديدة السبب في دعوته لإنشاء “جوجل عربي” في 1988، عندما كانت قلة من شعوب الدول العربية تسمع بـ”الإنترنت”. ومن خلال هذه النظرية أطلق مشروعه الضخم “الذخيرة اللغوية العربية”.

وتبنت عدة دول عربية مشروع الذخيرة العربية ومقره بالجزائر، والذي يقصد به حوسبة كل ما قيل في اللغة العربية من عصر النقوش إلى سنة 2018، سواء كان شعراً أو نثراً، ويحوي الكلمة وكاتبها وكيف تطورت وغيرها من التفاصيل المتعلقة بهذا الجانب، بالإضافة إلى معاني الكلمات العربية بالفرنسية والإنكليزية، بشكل تجعلها متاحة على الإنترنت لكل شخص وفي أي مكان وزمان.

وتولى حاج صالح، في سنة 2000، رئاسة اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية ثم رئاسة مجمع اللغة العربية.

وتحصل في 2010، على “جائزة الملك فيصل في الدراسات” التي عنيت بالفكر النحوي عند العرب، الأمر الذي أثار تعجب بعض العرب الذين يعتقدون أن الشعب الجزائري “مفرنس”، فقال له أحدهم باستغراب “أنت جزائري، وتتكلم العربية، وتحصلت على جائزة عالمية”.

ويعتبر حاج صالح، شخصية أكاديمية بامتياز، ومع ذلك خاض تجربة ذات صبغة سياسية عندما كلفه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة برئاسة لجنة إصلاح المنظومة التربوية، لكنه سرعان ما استقال منها في صمت، وبرر استقالته في حوار صحفي لجريدة الشروق الجزائرية قائلاً: “وجدت نفسي وحيداً ضمن تيار يدعو لفرنسة كل مراحل وأطوار التعليم، وكنت الوحيد، بين أكثر من 150 عضواً، الذي أدعو إلى تعريب التعليم، فلاحظت أنني لا أستطيع تغيير الأمر فخرجت واتجهت لاستكمال مشروع الذخيرة العربية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock