النقل نصاً جاوز 75%.. الأبحاث العلمية المسروقة تثني الجزائر عن الانضمام إلى أفضل 1400 جامعة بالعالم
عبر الباحث والمحلل السياسي والأستاذ الجامعي في جامعة وهران غرب الجزائر العاصمة محمد قنطاري، البالغ من العمر 51 عاماً، عن استيائه من سرقة أجزاء من أطروحاته، وأبحاثه العلمية؛ إذ أكد في تصريحاته لشبكة “زدني“ سرقة أبحاثه وأطروحاته المتعلقة بالثورة الجزائرية من طرف ديوان المطبوعات الجامعية، فيما تتعلق تلك الأطروحة بحرب العصابات الاستنزافية ودورها في قتال المدن والشوارع.
وأكد قنطاري لفريق شبكة “زدني“، تقديمه شكوى رسمية إلى الجهات المعنية ومصالح الشرطة الجزائرية، إلا أنها رفضت الاستماع له؛ بحجة أنه لا يخول لها التحقيق في مثل هذه الحوادث، مشيراً إلى أن القضية بقيت حبيسة أدراج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؛ بسبب غياب إجراءات ردعية تحدّ من هذه الظاهرة، مضيفاً أنها ليست السرقة العلمية الوحيدة التي تعرض لها في مشواره التعليمي.
السرقات العلمية تضرب مصداقية التعليم العالي
من دون تأنيب للضمير ولا رقابة ذاتية، يمارس عدد من الأساتذة الجامعيين “الفاشلين” انتهاكات علمية كبيرة ومتعددة، أهمها وأخطرها السرقة العلمية لأعمال منجزة من جامعات جزائرية أخرى أو من جامعات العالم؛ العربية أو الدولية، سواء بالنقل الحرفي أو بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية دون إرجاعها لمصدرها الأصلي.
فبحسب شبكة “زدني“، لم تسلم البحوث والأعمال الفردية والجماعية التي تقدم للطلبة في الأعمال الموجهة أو التطبيقية من السرقة هي الأخرى؛ إذ وُجد قيام طلبة في إطار الأعمال الموجهة بعمليات النسخ واللصق والسحب لمقالات علمية ثم يقدمونها على أساس أنها أبحاثهم الخاصة، وحتى في إطار عمليات الإشراف على مذكرات التخرج ضُبطت سرقات لأعمال ومشاريع تخرّج ورسائل ماجستير ودكتوراه من جامعات عربية من خلال عمليات المسح والرقابة الإلكترونية.
سرقات علمية تُدخل العلاقات الجزائرية الخارجية في متاهات
جامعة وهران للعلوم والتكنولوجيا محمد بوضياف
عرفت الجامعات الجزائرية تجاوزات خطيرة، مست في بعض الأحيان بعلاقة الجزائر مع بعض الدول الشقيقة، واضطر عمداء الجامعات إلى تقديم اعتذارات رسمية. ومؤخراً، قدمت جامعة الجزائر 1، بن يوسف بن خدة، اعتذاراً رسمياً لوزير الخارجية المغربي السابق سعد الدين العثماني، بعد تقديمه شكوى بتعرضه لسرقة أدبية من طرف أحد الباحثين بالجزائر.
واعترفت الجامعة -في مراسلتها التي تملك شبكة “زدني“ نسخة منها- بصحة شكوى وزير الخارجية المغربي السابق، بعد تعيين لجنة خبرة لبحث الموضوع، وتبين أن بوعبد الله بن عطية، بجامعة حسيبة بن بوعلي في ولاية الشلف، سرق أغلب ما ورد في كتاب “تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة” للعثماني، وقام الأول بنشره في مجلة الجامعة بمقال علمي دون الإحالة إلى صاحب الكتاب.
فيما أكدت جامعة الجزائر 1 أنها لا تقبل مثل هذه التصرفات؛ بل وتحاربها بكل الوسائل الممكنة، مؤكدةً أنها قامت بإرسال ملف كامل لوزارة التعليم العالي من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها وتطبيق عقوبات رادعة.
أما محلياً، وفي نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ألغى المجلس العلمي لكلية الحقوق فرع تأمينات في الجزائر، 3 رسائل ماجستير، بعد أن تبين أنها منسوخة من أعمال أخرى، ما استدعى إقصاء أصحابها من التسجيل في طور ما بعد التدرج، كما أحالتهم إلى المجلس الأخلاقي للجامعة بتهمة السرقة العلمية.
وجاء ذلك تطبيقاً لأحكام المادة 24 من أحكام القانون الجزائري المتعلق بالبحث العلمي، الواردة في الفصل الثامن المتعلق بالتأديب، والتي نصت على: “يعتبر خطأً مهنياً من الدرجة الرابعة قيام الأساتذة الباحثين ومشاركتهم في عمل ثابت للانتحال وتزوير النتائج أو غـش الأعمال العلمية المطالب بها في رسائل الدكتوراه أو في أي منشورات علمية أو بيداغوجية أخرى”.
كما عرفت جامعة سعد دحلب بمدينة البليدة سرقة علمية خطيرة سنة 2013، بعدما قام أستاذ مسجل بالجامعة بنسخ أبواب وفصول من 3 كتب مختلفة ومن أطروحة دكتوراه للباحثة المصرية نعمت عبد اللطيف مشهور، بشكل حرفي، ونقلها إلى رسالة الدكتوراه الخاصة به.
إذ دارت الرسالة حول موضوع الزكاة في الجزائر، وقام الأستاذ بسرقة الفصل المتعلق بتجربة بيت الزكاة الكويتي وتجربة اليمن، من كتاب “الإطار المؤسسي للزكاة: أبعاده ومضامينه”، لكاتبيه الجزائريين بوعلام بن جيلالي ومحمد العلمي، كما نقل حرفياً في أطروحته “تجربة اليمن” من الكتاب نفسه وذلك من الصفحة 150 إلى الصفحة 160 دون الإشارة إلى صاحب المرجع.
رفض وشجب لواقع البحوث ومطالب بالتحرك
يقول عميد كلية الإعلام والاتصال، أحمد حمدي، في تصريحات صحفية أدلى بها لشبكة “زذني” إن البحوث العلمية بالجزائر تعاني العديد من السلبيات، كما لم تحقق السياسة الوطنية للبحث العلمي أهدافها بشكل دقيق، إذ بقي البحث العلمي في الجزائر يراوح مكانه، فلم يواكب البحث العلمي عجلة التنمية الوطنية.
وقال المتحدث إن الباحث الجزائري أيضاً ما زال يراوح مكانه؛ بل رفع الراية البيضاء واستسلم أمام ظاهرة السرقة العلمية، ولم يعد يلعب الدور المنوط به، وأصبح يتجاهل كل البحوث العلمية المسروقة.
وأرجع عميد كلية الإعلام والاتصال أحد أسباب انتشار هذه الظاهرة إلى ضعف الميزانية المخصصة للبحوث العلمية مقارنةً بالدول الأخرى، رغم أن المنجزات العلمية والثقافية تعتبر أداة من أدوات صناعة المستقبل.
وأوضح حمدي في تصريحاته لـ”زدني“، أنه يجب تجريم هذه الظاهرة؛ لأنها تتنافى مع أخلاقيات البحث العلمي، مؤكداً أنه يكون ضحيتَها الأساتذة المشرفون قبل غيرهم، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة لم تمس فقط الجامعة الجزائرية فقط؛ بل طالت كبرى الجامعات في العالم العربي، ويجب أن تكون مكافحتها بكل حزم وصرامة.
ومن جهته، قال الدكتور الجامعي الجزائري محمد لعقاب، في تصريحاته لشبكة “زدني“، إن بعض الباحثين الجزائريين يسطون على منجزات الآخرين؛ بغية الحصول على شهادات أو تولي مناصب عليا وكسب المال، بالإضافة إلى استسهال بعض الباحثين وعدم توثيقهم المقتبسات العلمية، ما يجعلها عرضة للسرقة.
تفشي السرقات العلمية
وفي وقت تفشت هذه الظاهرة بأوساط الجامعة الجزائرية، لا تزال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تتعامل بأسلوب التعليمات التي بقيت مجرد حبر على ورق، فيما عجزت عن إيجاد حلول للقضاء على هذا الوباء الذي تفشى في الجامعة الجزائرية.
إذ اكتفى وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري، الطاهر حجار، بتوجيه دعوة إلى الشركاء كافة، مطالباً إياهم بالتحرك لمواجهة ظاهرة السرقات العلمية عن طريق تفعيل آليات الوقاية والرقابة أو تسليط العقاب إن استدعت الضرورة، فيما لم يقدم إحصاءات عن نسبة هذه الظاهرة، واكتفى بالقول إنها ليست سوى بعض السرقات التي تكاد لا تذكر إذا ما قارناها بما يحدث في العالم.
ومن بين التعليمات التي أصدرتها وزارة التعليم العالي الجزائرية التعليمية، واحد يحمل رقم 194 يوم 21 أبريل/نيسان 2015، طالبت فيه الوزارة بضرورة تطبيق أقصى درجات الصرامة ومراقبة التربصات بالخارج، كما وجهت الوزارة أمراً لجميع الجامعات بالعمل عبر الوسائط الإلكترونية لتقييم المهمات والتربصات بصفة منتظمة ومباشرة.
وفي ظل غياب أرقام رسمية بخصوص الرسائل الجامعية المستنسخة، كشفت دراسة أعدّها الأستاذ الجامعي خالد عبد السلام من جامعة سطيف2، أنّ نسبة النسخ واللصق للمذكرات والبحوث العلمية في مختلف التخصصات بلغت أزيد من 75%؛ إذ وصل الباحث إلى هذه النتيجة بعد إجراء استطلاع مسّ عيّنة مكونة من 100 طالب يدرسون الماجستير والدكتوراه، كما شملت الدراسة 7 تخصصات بعدة جامعات، وذلك في الفترة الزمنية بين 2008 و2012.
الجامعات الجزائرية تتذيل التصنيفات العالمية
تؤكد شبكة “زدني“ أن ظاهرة السرقات العلمية شوهت سمعة الجامعة الجزائرية؛ إذ خلت التصنيفات الأخيرة التي نشرتها عدد من المعاهد الدولية للجامعات من اسم أية جامعة جزائرية.
فتصنيف “شنغهاي الدولي للجامعات” لم يتضمن اسم أية جامعة جزائرية ضمن أفضل 500 جامعة على المستوى العالمي، حسب الترتيب الصادر في فبراير/شباط 2016، ويعتمد هذا التصنيف على الأداء الأكاديمي فيما يتعلق بالبحوث العلمية وكذا حجم الدراسات والأبحاث المنشورة في المجلات.
بينما أسقطت مؤسسة “تايمز هاير إيديوكيشن” البريطانية المتخصصة، جميع الجامعات الجزائرية من تصنيف أفضل 800 جامعة في العالم لشهر ديسمبر/كانون الأول الماضي؛ إذ يقوم الترتيب على معايير التدريس والبحث ونقل المعرفة.
وقيَّم تصنيف “ويبومتريكس” العالمي للجامعات، الذي يصدر من إسبانيا عن المجلس العالي للبحث العلمي ويغطي 25 ألف جامعة، جامعة جيلالي ليابس بولاية سيدي بلعباس غرب الجزائر في المرتبة الـ1733 عالمياً والـ21 عربياً كأفضل ترتيب لجامعة جزائرية، وفقاً لتنصيف شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
فيما احتلت جامعة سعد دحلب بالبليدة المركز الـ3760 عالمياً والـ89 عربياً، فيما جاءت جامعة خنشلة شرق الجزائر (جرت فيها أكثر وقائع السرقات) في المرتبة الـ14393 عالمياً والـ389 على الصعيد العربي
المصدر:
هافينغتون بوست