أخبار منوعة

إعلان وفاة الكتب الدراسية الورقية

برامج الذكاء الاصطناعي تعيد تشكيل المواد التعليمية التقليدية، ولكن كيف سيغير ذلك تجربة التعلم ككُل؟ وما الذي قد يختفي تباعًا لذلك؟ كلها أشياء مازالت غامضة.

في مقابلة أجريتها مؤخرًا مع المُدراء التنفيذيين الممثلين لأحد أكبر الأطراف الفاعلة في مجال صناعة الكتب المدرسية، اكتشفت انا وزميلي أننا غير مقتنعين بشكل مثير للدهشة برأيهم حول الكتب الدراسية الورقية والكتب الدراسية الإلكترونية.

أثناء المقابلة، استمر المُدراء التنفيذيون غالبية الوقت في الترويج لفكرة السوق المُتَغَيِّرَة، أو بمعنى آخر كيف أن ولاءهم الحديث لمواد التعلم الرقمية عِوضًا عن الكتب المدرسية التقليدية من شأنه أن يضعهم في طليعة الموجة الجديدة من تكنولوجيا التعليم. تَخَلل الحوار الذي استمر قُرابة الساعة خطاباتٍ منمقة ضمن محاولاتهم لوصف اختراع الشركة غير المسبوق، فتحدثوا بحماسةٍ بالغةٍ عن تحول عابر للحدود للنظام التعليمي الرقمي، وكيف أن مواده الأحدث تطورًا تشتمل على “خارطة طريق”، من شأنها أن تجعل الكتب الدراسية الورقية الثقيلة المحشوة بالمعلومات مهجورة وعفا عليها الزمن. على الرغم من أننا صحفيان في العشرينات من عمرنا بدأنا باسترجاع ذكريات الكتاب المدرسي التقليدي الذي يمكن حمله وتصفحه حتى النهاية، بل وتظليل أجزاء على صفحاته لإبرازها، إلا أنهم اعترضوا بشدة. وسرعان ما بدا واضحاَ لنا أن هؤلاء الرجال يتوقعوا منا الاندهاش من المعجزة التي طوَّرتها شركتهم، فبمجرد أن لَمِحَا أننا لم نُعجب بها، اعترضَنا أحدهم قائلًا “لا أعتقد أنكم تفهمون حقًا مدى ريادة وإبداعية ما قمنا به.”

بالتأكيد، يبدو أن هناك رأي عام إلى جانب هؤلاء المديرين التنفيذيين يدعمهم، حيث تعرضت الكتب المدرسية التقليدية التي لطالما استأثرت بالجزء الأكبر من عملية التعلم داخل الفصل لمختلف المواد الدراسية للنقد اللاذع في السنوات الأخيرة. وبالنسبة للبعض، يبدأ السخط على الكتاب المدرسي من مراحل مبكرة جدًا كالمرحلة الابتدائية، فالكتب الثقيلة تسبب الآم الظهر المزمنة للأطفال. ولكن بحلول الوقت الذي سيكون فيه هؤلاء الأطفال في الجامعة، ستكون الكتب أكثر من مجرد مصدر إزعاج فحسب. فما كان ذات مرة عبئًا ثقيلًا على الظهر، سيصير عبئًا أثقل ماديًا. وفقًا لتقرير مجلس إدارة أحد الكليات مؤخرًا، والذي يرصد متوسط ميزانية الطلاب الجامعيين، عادةً ما ينفق طلاب الجامعة حوالي 12000$ سنويًا على الكتب الدراسية.

بعيدًا عن مشاعر الحنين للكتب الدراسية الورقية، لعل الكثيرين سيتنفسون الصعداء إذا ما أصبحت الكتب شيئا عفا عليه الزمن. أصبحت المواد التعليمية الرقمية داخل الفصل كبرامج الكمبيوتر الموائمة لاكتساب الطلاب المعلومات بشكل فردي، فضلًا عن أشكال أُخرى للمواد التعليمية الافتراضية أكثر فاعلية وذكاء. يأمل المدافعون عن تخفيض تكاليف الجامعة لدرجة يتحمل الطالب تكاليفها وغيرهم أن ازدياد السخط على الكتاب التقليدي من جانب، وتطور التقنيات الرقمية من جانب آخر سيؤدي إلى تطبيع فكرة المواد الدراسية قليلة التكلفة أو حتى المجانية.

لكن فشل المديرين التفيذيين في تلك المقابلة في الاعتراف بأوجة القصور في هذا الاتجاه الجديد أو حتى الاعتراف بتأثيره المرتقب على كيفية تعلم البشر، في حين أن كلاهما يستحق الأخذ في الاعتبار. فالعديد من المواد التعليمية الرقمية بإمكانها أن تعيد تماما هيكلة الفصول الدراسية وتنظيمها بدءًا من المرحلة التمهيدية إلى التخرج، علاوة على إعادة هيكلة طريقة اختبار التحصيل المعرفي للطلاب من حيث تَكَيُّف الطلاب معها، ودور المدرس في هذا السياق.

بينما حظي ارتفاع تكلفة الكتاب الجامعي بالكثير من التغطية الإعلامية، إلا أن الكثير من وسائل الإعلام أهملت تقديم التفاصيل، فعلى سبيل المثال لم يعرضوا مدى ارتفاع أسعار الكتب الدراسية كثيرًا بشكلٍ مفاجئ، إذ زادت تقريبًا بنسبة 82 % خلال العقد الماضي، وذلك وفقًا لدراسة أُجريت عام 2013 من قبل مكتب محاسبة حكومي.

العديد من النقاد يلقون باللوم على اقتصاد الكتب الدراسية “المزيف” حسب وصفهم، فهو يدر أرباحا على الناشر فقط. وهو سبب منطقي لذلك الوصف من نواحٍ عدة؛ يعمل سوق الكتب الدراسية بطريقة مختلفة عن معظم الأسواق الاستهلاكية، لأن الطلاب والمعلمين هم فقط المستهلكون، وهم نادرًا ما يكون لهم رأي في اختيار ما يشترونه. إذ عادةً ما يستلمون المناهج ويشترونها كما يُطلَب منهم. ونتيجة لذلك، فإن سعرالتجزئة النهائي لا يتحدد على أساس نقطة التقاء منحنى العرض مع منحنى الطلب كأي سوقٍ استهلاكي آخر، وإنما يخضع كليةً لسيطرة وتحكم الناشر نفسه.

ولعل أحد أفظع الممارسات في صناعة الكتب الدراسية الجامعية هي نشرها باستمرار طبعات جديدة للكتب، مما يجعل طبعات العام الدراسي السابق عفى عليها الزمن. أخبرني أحد الأساتذه الجامعيين أن هذا التوجه في نشر طبعات جديدة كل عام ضروري بسبب التطورات الدائمة في هذا المجال. ومع ذلك، على الرغم من احتمال صحة تلك الحُجة أحيانًا، أقَرَّ كثير ممن سبق لهم العمل في تلك الصناعة بأن تلك النسخ الحديثة هي نفسها النسخ القديمة مع بعض الإضاقات الطفيفة لتجميلها ليس إلا، كإضافة صورة جديدة أو تعديل أحد العناوين.

التكنولوجيا وسيلة أم غاية؟

دعا المدافعون عن الكتب الدراسية الرقمية إلى توفير كتب دراسية تقليدية “مفتوحة المصادر” كبديل، مثل المصادر المتاحة على شبكة الإنترنت مقابل تكلفة قليلة أو حتى بدون تكلفة على الإطلاق. إيثان سيناك أحد المدافعين عن قضايا التعليم العالي الفيدرالية يتميز بصخبه في دعمه لتلك البدائل عن الكتب الدراسية الورقية. كتب سيناك تقريرًا مؤخرًا تحت عنوان Open Textbooks: The Billion Dollar Solutionn,” “، ويحوي التقرير تفاصيل تشمل كم الأموال التي يمكن للطلاب توفيرها كل عام باستخدامهم المصادر والموارد المفتوحة للمعلومات والدراسة. يقول “نرى بعض الأسعار تصل إلى 280 $ و 300$ للكتاب الواحد. وهو ببساطه كثير جدًا”. ويضيف “الآن لدينا التقنية التي تمكننا من تقديم المواد التعليمية بطريقة معقولة ماديا.”

بالطبع سيناك على حق في قوله أن التكنولوجيا غيرت طريقة عمل سوق الكتب الدراسية، لكن ذلك التطور الطبيعي – أو على الأقل كما كان في البداية – ربما لم يكن كما يأمله الطلاب الذين يعوزهم المال. فالعديد من الدورات والفصول الجامعية ما تزال تستخدم الكتب الدراسية التقليدية، وتفرض محتوى رقميا كإضافة عليه، وتنتهي صلاحيتهما بالانتهاء من دراستها، وانتهاء الفصل الدراسي، فتكون النتيجة الطبيعية تقويض قيمة إعادة بيعها مرة أخرى على سبيل المثال. تلك الاستراتيجيات بالتحديد أو البدائل الأخرى التي تتبعها صناعة الكتب الدراسية هي ما استثار سيناك فيقول “يستمر الناشرون في نفس الممارسات التي استخدموها للحد من انتشار المعرفة، فهو ليس إلا استمرار للممارسات السيئة.”

بالتأكيد هذه المواد الجديدة ستحقق تقدما تربويا، ففي حالة الكتب الدراسية الورقية، تُقدَّم المواد للطلاب جميعًا بنفس الطريقة، بغض النظر عن مستوى براعة كل طالب في كل مادة. أما الآن، فالذكاء الاصطناعي يضمن أن برامج المواد الرقمية نفسها بإمكانها دراسة عادات التعلم لكل طالب، والتَكَيُّف معها في الحال أثناء تعامل الطالب مع المادة.

لمعرفة ما يدور في الكتب الدراسية للصف الثاني من الروضة، تحدثت مؤخرًا مع ممثلين لأكبر دارين نشر للكتب الدراسية في العالم (من بينهم الممثلين الذين أجريت الحوار معهم) ماكجرو هيل وهوتون ميفلين هاركورت. كلتا الشركتين فضلًتا عن عمالقة صناعة الكتب الدراسية الأخرى، يركزون بشكل كبير على دعم أذرعهم الرقمية بمجهوداتٍ جلية، كمحاولة لاحتكار صناعة المحتوى الافتراضي المزدهرة. حتى بيرسون وهي أحد عمالقة صناعة الكتب الدراسية تروج لنفسها كعلامة تجارية تحت مسمى “شركة الخدمات والتعلم الرقمي.”

قدمت لي دار النشر هوتون عرضا حيا لبرنامج اللغات والآداب المعروف بـ “Collections” وهو عبارة عن دورة لتعلم الإنجليزية. البرنامج بالأساس يخطط عملية تحليل ومراجعة النصوص كلها من خلال واجهة شاشة بسيطة تعرض مقتطفات من النص كما لو أنه مدرس يقرأ ويوجه أسئلة ويحدد كتابة مقالات كفروض منزلية. تلك الواجهه تمكن الأطفال من تسليط الضوء على المواد، وتدوين الملاحظات، وطرح أسئلة على زملائهم في الفصل؛ كل ذلك يحدث افتراضيًا. حتى أنه يشمل زر يسمى “رفع اليد”، حيث يضغط عليه الطالب لينبه المدرس إذا ما كان لديه سؤال. علاوة على ذلك، يحدد البرنامج مسبقًا الفقرات التي يصنفها على أنها صعبة أو كلماتها صعبة، ويضع عليهم علامة تقول “قراءة دقيقة متعمقة”؛ وبالضغط على هذا الزر يتم فتح فيديو توضيحي وجيز. ويمكن للطلاب أن يتابعوا الإصدار الصوتي للمواد جنبًا إلى جنب أثناء قراءتهم للنصوص، وربما يلغي البرنامج حاجة المدرس لجعل أحد الطلاب يقرأ النص بصوتٍ عال.

تُمَكِّن واجهة برنامج “Collections” الطلاب من إنشاء مخطط تفصيلي لفروض المقالات المطلوبة منهم، ومشاركتها مع مدرسيهم أو زملائهم افتراضيِا.

جربت أيضا برنامج ماكجرو هيل للرياضيات و الكيمياء “ALEKS“. فاسم البرنامج نفسه الذي يبدو صوتيًا وكأنه اسم إنسان أثار قلقي، بسبب نظريات سيطرة الإنسان الآلي على الأرض، مع العلم أنني لا أتفق معها. تم إطلاق البرنامج في 1999، وكان يعمل منفردًا طوال عقد من الزمان – قبل أن يشترية ماكجرو في 2013 – إذ أنه مبني على أساس “التَعَلُم الفردي تمامًا”؛ فالبرنامج يتكيف مع كل طالب بناء على منظومة المهارات والمعرفة الخاصة به. خلف الكواليس، يبني البرنامج قاعدة بيانات تشمل تفاصيل كفاءة كل طالب، والمعلومات التي يتم استخدامها لصياغة أسئلة مصممة خصيصا لتناسب الأطفال بناء على ما يجدونه أكثر تحديًا. بشكل أساسي، برنامج أليكس الذي أُسِسَ على نتاج 20 عام من الأبحاث والدراسات التي أجراها علماء المعرفة والرياضيات والهندسة، بإمكانه عمل تقييم فوري لقدرات الطلاب داخل فصل كامل، وهو أمر مستحيل بالنسبة لمعظم المدرسين.

العديد من المعلمين والمربين بما في ذلك كيم زيدل الحاصلة على لقب مدرس العام لسنة 2015 في ولاية أيداهو، يُقسِموا جميعًا بكفاءة برنامج أليكس. تقول زيدل “أعمل مع الطلاب المعرضين للخطر، وهم الأطفال من الصف الرابع إلى الصف السادس في مادة الرياضيات”. تقول كيم أنها في محاولات مستمرة لتعليمهم الرياضيات التي تُدَرَّس في المرحلة الثانوية. وتضيف “توجد فجوات لدى العديد من الأطفال في المعرفة التي حصلوها في المجالات المختلفة. فالمدرس لديه 20 طالب في الفصل، أي لديه 20 احتياج مختلف.”

بالنسبة لزيدل، المربية والمثقفة المخضرمة، بدأت في استخدام البرنامج منذ حوالي أربع سنوات، و تقول أنه لطالما كان برنامج ALEKS قادرا على ملء تلك الفجوات. فبإمكانه تشخيص مستوى كل طالب، وما هي تلك الفراغات في منظومته المعرفية. إذا لم يتوفر لدى الطلاب قاعدة أساس من بعض المهارات الأُخرى، لا يسمح لهم البرنامج بالتقدم فيه. فالبرنامج يبني قواعد أساس بطريقة جيدة، لن يقدر المدرس على القيام بها.

تقول زيدل أنها عادةً ما تستخدم برنامج أليكس مرتين أسبوعيًا، وأيضا كوسيلة تعليمية مساعدة بجانب الوسائل التقليدية. هذا الاتجاه يُشار إليه في الأوساط التعليمية بأنه “تعلم مختلط”. ويمكن وصفه على أنه حل وَسَط، حيث من الممكن أن يتعايش المدرس مع وسائل التعليم الرقمي. ومع ذلك، على الرغم من أن التعلم المختلط يبدو مثاليًا، تطرح دينامية الاستراتيجيات الجديدة سؤالا خطيرا: كم تبقى لدينا من الوقت حتى تفوق قدرة الذكاء الاصطناعي ما يقدر عليه المعلم البشري؟

يصر الخبراء على أن ذلك لن يحدث، ومن بينهم جون وايس، الذي يشرف على مبادرات التعلم المختلط للمدارس العامة بالعاصمة واشنطن. فهو يصرعلى إنكاره لاحتمالية حدوث ذلك. يقول جون وايس “هو يُدعى مختلطًا لسبب!” إذ أنه يجمع بين الأفضل من الجانبين؛ أفضل ما يمكن للمعلم تقديمه ولا يمكن استبداله بالتكنولوجيا، وأفضل ما يمكن للتكنولوجيا أن تقدمه وفي نفس الوقت أكثر كفاءة وتقدمًا مما يمكن للمدرس القيام به.

ماتزال هناك العديد من التحديات التي تواجه التعليم الرقمي والمختلط، فعلى سبيل المثال كيف سيصل البرنامج إلى المدارس في نهاية المطاف؟ في تقرير حديث حول تحسين سبيل شراء المواد التعليمية الرقمية عن طريق الأنترنت، والذي أعدته ديجيتال بروميس، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى “سد الفجوة الرقمية في التعليم، والمساعدة في تمرير الجزء الرقمي من المناهج للتعليم”، تم الكشف عن وجود تضارب مصالح هائل فيما يخص الجهة التي تقرر المواد المستخدمة في المدارس في نهاية الأمر، إذ يكشف التقرير أن السواد الأعظم من أصحاب أكبر سلطة في صناعة القرار هم في الحقيقة مديرو تكنولوجيا التعليم في مقاطعات تعليمية كاملة، ليس المدرسون أو حتى المديرون التعليميون بالمدارس، فكانت هناك فجوة في التواصل بين المعلم والطالب من جهة، ومديري المقاطعات التعليمة ودور النشر من الجهة الأُخرى. ولعل نقص المعلومات هو المُلام جزئيًا على فقدان الإتصال بين الطرفين، فنادرا ما يوضح المعلم ما يريده بالتحديد للناشر أو حتى صانع القرار. يقول أحد المصادر في تلك الدراسة وهو يعمل في صناعة الكتب الدراسية أن “من الصعب تحديد أيهما أفضل لنا في التعامل: المدارس الفردية أم المقاطعات التعليمية”. بينما يشير آخر إلى أن “الوضع ليس كما لو أن كل مقاطعة تعليمية أو مدرسة تعلن عن ما يبحثون عنه حقًا، أحيانًا هم لا يعرفون ما يريدونه أو يبحثون عنه حتى يروه أمامهم.”

في نهاية المطاف، تلك المواد الرقمية إلى حد ما تحمل مفارقة؛ فهي صُنِّفَت كأفضل المقاييس المعيارية، حيث تمت محاذاتها بالمحتوى الأساسي الموحد في المناهج الدراسية، علاوة على اعتمادها على قاعدة بيانات كبيرة. بينما في حقيقتها تمت شخصنة البرامج، إذ طُوِّعَت لتناسب كل طالب وفقًا لما يرصده البرنامج أثناء تقييمه.

هذا التحول في المواد التعليمية يعني قضاء الأطفال وقتا طويلا أمام الشاشات، بل أكثر من أي وقتٍ مضى، وبالتالي على المدى الطويل ستكون لتلك المواد الدراسية الرقمية أضرار جسدية وعقلية. توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال الآن بعدم السماح للأطفال بالجلوس أمام الشاشات لأكثر من ساعتين يوميا. إضافة إلى أن هذا التحول يؤثر سلبًا على معدل انخراط الأطفال في الأعمال الكتابية – بخط اليد – والتي أظهرت التقارير أنها أكثر فائدة من مجرد تدوين الملاحظات على الحاسب الشخصي المحمول. وكل تلك التغيرات ربما تتجاهل بالأساس كيف يريد الأطفال أنفسهم أن يتعلموا. تشير الدراسات الحديثة إلى أن “المواطنين الرقميين” أي أولئك الذين يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ على التقنيات الرقمية، ما يزالون يفضلون القراءة المطبوعة. فوفقًا لتقريرٍ حديثٍ أجرته الواشنطن بوست، قامت أحد جامعات واشنطن بعمل دراسة تجريبية على الكتب الدراسية الرقمية، وقد كشف استطلاع للرأي ضمن تلك الدراسة أن ربع الطلاب قد اشتروا بالفعل النسخ المطبوعة من الكتب الدراسية، على الرغم من إعطائهم النسخ الرقمية لنفس المواد الدراسية مجانًا.

يشكك بيل باكستون مؤسس تكيست بوك إكوتي – ناشر كتب دراسية مفتوحة المصادر – في كون التكنولوجيا بديلا عن المواد التعليمية التقليدية. يقول باكستون “لم أجد حقًا دليلا قويا يبرهن على أن الناس سيكونون في وضع أفضل مع انتشار المواد الرقمية والمتاحة على الإنترنت، عن وضعهم مع الكتب الدراسية التقليدية”. ويضيف “أين هو الدليل؟ فتلك المواد تأتي من الشركات المتحيزة، الذين يريدون فقط التأكد أن الناس سيشترونها.”

على الجانب الآخر، يقلق البعض من تأثير التكنولوجيا على التعلم، بمن فيهم نانسي أتويل، مؤسس مركز ماين باسيد للتكنولوجيا والتعلم وأحد أفضل عشرة مدرسين فازوا بنهائي مسابقة المعلم العالمي التي تمنح الفائز مليون دولار أمريكي. تقول نانسي أتويل “أعتقد أنها كارثة بالنسبة للمعلم، فنحن لا نعرف أي شيء عن قيمة الكتاب الإلكتروني. فهو فُرِضَ على المدرسين لانه أحدث تقدم تكنولوجي، ولذلك من المؤكد أنه جيد.” تضيف أنها مؤخرًا أوضحت لزملائها “المشكلة في الكتب الإلكترونية أن الأطفال يتذكرون ما يعرض على الشاشات، لكنه يزال أقل بكثيرعن ما تعرفوا عليه بداخل كتاب.

والمناخ العام الحالي لا يقارن إطلاقًا بالتكنولوجيا المحتمل تطويرها وراء الكواليس في قطاع شركات الكتب الدراسية. في الواقع، الطلاب يتعلمون في فضاء تعليمي متطور باستمرار. يشير رايس أنه على سبيل المثال: بالنسبة لـ “قائمة التشغيل التعليمية” – ولتكن لمادة الرياضيات – فبدلًا من الاعتماد على برنامج تدريبي من مورد واحد، يمكن تقسيم منهج الرياضيات إلى عشرة مواضيع كل موضوع تصممه شركة مختلفة. ويستطيع الطلاب بعد ذلك خلط ومواءمة تلك الموضوعات ودمجها جميعًا في قائمة تشغيل نهائية تتوافق مع المنهج الدراسي المحدد.
ويضيف رايس: “جلست مع بعض الطلاب، واعتقدت أن المقابلة ستكون مملة بالنسبة لهم، لكنني طرحت بعض الأسئلة عن برامج المواد الرقمية، وكان رد أحدهم: لقد أحببته حقًا، فأنا أُحب العمل بنفسي، وسعدت بحصولي على تلك الدروس التكيفية إضافة إلى التغذية المرتدة والملاحظات التي يمدني بها البرنامج”. يقول رايس “كانوا حقًا سعداء به، وهو ما لن يحققة أبدًا الكتاب الدراسي الورقي.”

لكن هذا بالتحديد ما يقلق بعض المربين والمعلمين: ما كان معروفًا بأنه نموذج تدريس، تحول إلى نموذج تَعلُّم. وكما تقول أتويل “التكنولوجيا وسيلة، وليست غاية في ذاتها. لكنها أصبحت غاية في هذا البلد.”

 

المصدر: ساسة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock