لتضمن له حياةً أفضل.. كيف يمكنك تنمية الذكاء العاطفي لطفلك؟
الكثير من مشكلاتنا حاليًا سببها – طبقًا لعلماء النفس – افتقادنا للقدرة على إدارة مشاعرنا، وهذا جزءٌ مما يسمَّى بالذكاء العاطفي؛ هذه المهارة التي لا نتعلمها في فصول الدراسة أو بتخصيص ساعاتٍ معيَّنة لها، تتحكم في الكثير من أمور حياتنا.
الأكيد أننا جميعًا نود لو يكون أطفالنا في الكبر أشخاصًا متّزنين ومتسامحين، وهذه المهارة تساعدهم في بناء علاقاتٍ اجتماعية وأسرية جيدة، لكن تنميتها يحتاج منَّا لبعض الجهد لكي نغرس في الطفل بنقائه الطبيعيّ أن يُخضع سلوكه أحيانًا لبعض المنطق وألا يكون دافعه دائمًا هو رغباته وميوله فقط.
وربما يكون من المناسب أن نبدأ في غرس هذه المهارة لديه مبكرًا، فبداية من الصغر يواجه الأطفال مشاعر يكون التعامل معها بشكلٍ جيِّد مفتاح الحياة السعيدة لهم، مبكرًا جدًا يواجه الأطفال شعور الإحباط مثلًا، فرغباتهم الصغيرة لا يمكن أن تتحقَّق بالكامل ودائمًا، وهنا يكون دور الذكاء العاطفي في إدارة مشاعره والتعامل معها، وفي السطور التالية ننقل لكم نصائح الخبراء حول طرق تعليم الطفل ومتى يمكن له أن يستوعب هذه المهارة:
مكوِّنات الذكاء العاطفي
طبقًا لكتابات دانيال جولمان أستاذ جامعة هارفارد الشهيرة فإن الذكاء العاطفي يتكون من محاور خمسة: 1- أن يعرف الفرد مشاعره الذاتية. 2- أن يتمكن من إدارتها والتحكم في أفعاله بناء عليها. 3- وأن يكون قادرًا على التحفيز الذاتي. 4- ويتفهم مشاعر الآخرين ويكون قادرًا على التعاطف معهم. 5- وإدارة علاقات جيدة مع من حوله.
إستراتيجيات ليتعلم الطفل
لدى بلوغه العامين يكون الطفل في السنّ المناسبة لبداية تعليمه المشاعر الأساسية، إذ يبدأ في هذا العمر التفاعل مع الأطفال الآخرين وحتى البالغين، وفي هذا العمر أيضًا يبدأ «الشعور بالغضب» في الظهور لدى الطفل، وتتنوع أفعاله حين ينتابه هذا الشعور، فيبدأ في الصراخ دائمًا في طلب ما يريد، وقد ينتصر في الحصول عليه فعلًا، لكنَّنا نضعُ حدودًا للاستجابةِ له، وهنا تكون البداية لتعليم الطفل مشاعره وكيفية إدارتها، وفقًا لعمره، فإزاء مشاعر الغضب سيكون علينا أن نفسَّر للطفل أسبابنا، ونُشعره بتفهُّم غضبه، وهذه بعض الإستراتيجيات التي يمكن الاعتماد عليها في تعليم الطفل:
1. التعرف على العواطف الأساسية
منذ العام الثاني في عمر الطفل يمكن تدريبه عبر الصور والرسوم على التعرُّف على المشاعر: السعادة والحزن، والخوف والغضب، يكون من المناسب حينها أن يتعلَّم الطفل في هذا العمر ألا يولي الأهمية لمشاعره فقط، وأن يفسر أيضًا مشاعر الآخرين، ويتعاطف معهم.
منذ الخامسة من عمره يمكن تعليم الطفل أن يفرّق بين المشاعر المختلفة الخاصة به أو بالآخرين وكيف يمكن التعامل معها، ويمكن هنا تعليم الطفل من مواقف سابقة له كيف يمكن التعامل مع مشاعره كالغضب مثلًا بشكلٍ أفضل. منذ سن العاشرة تقريبًا يمكن للطفل أن يفهم المشاعر الثانوية كالقلق والحب والخجل، ويكون من المناسب الحديث عنها بانفتاح ووضوح، ومساعدته على البوح بما يشعر به والتأكيد على أن ذلك يسمح لك بمساعدته.
2. ساعده ليدرك مشاعره
ساعد الطفل في أن يكون صورةً عن ذاته، وادعم لديه القدرة على التحدث عن مشاعره الداخلية، واطلب منه أن يحددها، هل هي حزن أم غضب أم غيرة مثلًا، نحن البالغين نعرف ما يشعر به أطفالنا لكنها لن تكون واضحة بالطبع لدى الصغير، وستتراكم معرفته بالمشاعر عبر مناقشة الأمر معك، اسأله لماذا ينتابه هذا الشعور، وليكن هذا بشكل دوري كل أسبوع مثلًا، استمع له بصبر وعناية، واجعل من نفسك نموذجًا له؛ تحدث أمامه عن مشاعرك، وستتكون لدى طفلك بهذه الطريقة تجربة إيجابية تمكّنه من فهم ذاته جيدًا، والتعبير عنها.
3. حلل معه المواقف السابقة
استخدم المواقف الصعبة لتعطي له درسًا من خلالها، حين يتشاجر مثلًا مع شقيقته غاضبًا، اسأله كيف يمكنه حل المشكلة بطريقة أخرى بدلًا من الصراخ فيها، وناقش معه ردود فعل مختلفة كان يمكنه القيام بها في مواقف سابقة، وأخبره بالتصرف السليم، والخيارات الأخرى التي يمكن له القيام بها لحل المشكلة والتحكم في مشاعره.
4. دربه على قراءة مشاعر الآخرين
إحدى الطرق الجيدة أن تشاهدا معًا التلفزيون وتخفضا الصوت تمامًا وتدعه يخمِّن ما قد يشعر به الأشخاص على الشاشة وما الذي تعنيه لغة الجسد وتعبيرات الوجه، سيكسبه هذا مهارة كبيرة.
5. أعطه اختيارات
إذا تسبب أخوه مثلًا في كسر لعبته، وتملّكه الغضب فدفعه مثلًا، وقمت أنت بالتعبير عن استيائك من خطئه فإن هذا سيزيد غضبه فقط، عليك بداية أن تؤكد له أنك تتفهم ما يشعر به، لكن ما فعله لن يحل المشكلة، تحدث معه عن الموقف وما الذي كان يتوجب عليه فعله، وكيف يمكنه الاعتذار الآن وحل الموقف.
6. القدرة على أن يضع نفسه مكان الآخرين
سيساعده ذلك كثيرًا على أن يكون متسامحًا وقادرًا على بناء علاقات جيدة، إذا بكى أقرب أصدقائه مثلًا اسأله عما قد يفكر فيه صديقه، وما الذي عليه فعله، وإذا لم يعرف يمكنك أن تشرح له كيف يضع نفسه مكان صديقه ويتخيل ما قد يكون شعوره في ذلك الوقت، وما الذي يحتاجه.
7. اخلق له فرصًا ليساعد غيره
حاول خلق مواقف تعملان فيها سويًا لمساعدة الناس، فهذا سيساعد في نمو قدرات طفلك على التعاطف. انضم معه إلى عمل تطوعي أو اطلب منه مصاحبتك لمساعدة أحد المعارف، أو زيارة مريض أو إنقاذ أحد الحيوانات الأليفة من برد الشتاء، بحيث يتعلم أن احتياجاته لا تكون لها الأولوية دائمًا.
8. كن أنت مثلًا له
أنت مرجعه الكبير في حياته، إذا لم تكن أنت تتحكم في غضبك مثلًا، فلا تتوقع أن تجدي أحاديثك معه حول التحكم في الغضب وحل المشكلات بتعقل، يتابع الطفل ردود أفعالك في كل المواقف، وتكون أساسًا لما يتعلمه فجزء من الذكاء العاطفي يتعلمه الطفل من خلال الملاحظة والتقليد.
تجنب هذه الممارسات
هناك بعض الممارسات التي يحذر الخبراء منها، إذ يمارسها الآباء دون قصد لكنها تؤثر سلبًا على الذكاء العاطفي للطفل، ومنها تجاهل مشاعر الطفل، كأن تخبره أنك لن تستمع إليه طالما أنه يبكي، أو التقليل من شأن مشاعره ومخاوفه، وإخباره بأنها بسيطة جدًا وستمضي، كما يحذر الخبراء من التقليل من شأن مشكلاته أو التحديات والصعوبات التي يواجهها ويوليها أهمية كبيرة، أو مقاطعته عند الحديث عن مشاعره أو مشكلاته، ودعوته لنسيان الأمر.
المصدر: ساسة بوست