كابوس الهندسة والطب | إبراهيم عبدالمنعم عمر
منذ الأزل، ومجتمعنا يمجد تخصصَي الطب والهندسة في المملكة، وكأن باقي التخصصات في مهب الريح، فترى أن فئة كبيرة من المجتمع تحتقر مَن يتخصص في التصميم، أو الأدب، أو التربية الرياضية.
أجزم يا عزيزي القارئ أنك انزعجت بمجرد قراءة بعض التخصصات التي ذكرتها، ولكن لا تقلق.. فلست وحيداً.. أدى تمجيد المجتمع لتخصصَي الهندسة والطب إلى زيادة البطالة بشكل هائل، فبلغ عدد العاطلين في المملكة العربية السعودية ما لا يقل عن 400 ألف عاطل، ليسوا جميعاً في تخصصات الطب والهندسة، ولكن فئة كبيرة منهم كذلك.
لا نستطيع أن نضع اللوم على الطلاب ولا على الجامعات، ولكن مَن غرس في عقولهم تلك الفكرة الساذجة التي لا تتعدى كونها مثبطةً لأحلام بعض الطلاب.
تصرف على الجامعات ميزانيات هائلة سنوياً، وذلك لزيادة التخصصات واستقطاب أفضل الكفاءات من الخارج، ولكننا نجد أنه رغم كل تلك الجهود المبذولة من حكومتنا الرشيدة، فإن المجتمع لم يقدر ذلك حتى هذه اللحظة.
أنا لا أعني بذلك أي انتقاص لطلاب الطب والهندسة، فبعضهم شغوف بعمله ويتميز فيه بشدة، ولكن البعض الآخر: “حدّث ولا حرج”.
عادة ما يتجه الطلاب المتفوقون المتخرجون في المرحلة الثانوية للتخصصين، وذلك بسبب الحوافز المادية والمكانة الاجتماعية المرموقة للمهنتين، التي يكفلها المجتمع بشكل عام، وهذا أمر جيد، ولكن توجد بعض السلبيات التي لا بد أن تؤخذ في الحسبان أيضاً.
أنا سعيد للغاية بتوجه المملكة الجديد لتنويع سوق العمل، واقتصار عدد كبير من فرص الابتعاث على التخصصات الأخرى خارج مجال الطب والهندسة، فنجد أن ابتعاث جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية “كاوست” يقتصر على أغلب التخصصات العلمية، وبعض التخصصات الإدارية، عدا الطب والعلوم الصحية، وهذا أمر جيد -من وجهة نظري- لأنه يجبر الطلاب السعوديين المتفوقين الراغبين في الالتحاق بالابتعاث على تعريفهم على تخصصات جديدة لتنويع سوق العمل السعودية.
صحيح أن الطب والهندسة يعتبران من أهم التخصصات الحالية، ولكنهما ليسا التخصصين الوحيدين اللذين تحتاجهما سوق العمل، فالمحاسبة، وإدارة الأعمال، والقانون جميعها تصنع أساساً لاقتصاد واحد متين يتحدى الصعوبات تحقيقاً لأهداف رؤية 2030.
النمط السائد في دول الخليج والعالم العربي على حد سواء بأن الطب والهندسة هما أهم تخصصين لا بد أن يتغير، وذلك لتحقيق التقدم نحو الأفضل، ونحو ما هو ذو أهمية وفائدة كبرى لنا جميعاً.
يجب توعية الطلاب بأهمية اختيار التخصص الصحيح، وذلك لأن اختيار التخصص الجامعي هو بمثابة اختيار أسلوب حياة جديد سيؤثر عليك وعلى من تخالطهم لبقية حياتك.
اختبارات تحديد الميول المهني وملتقيات التخصصات التي تقام سنوياً في معظمهم مدن المملكة العربية السعودية جميعها أنشئت لهدف واحد، وهو توعية الطلاب حول الفرص والتخصصات المتاحة لهم.
أنصح جميع الطلاب، خصوصاً طلاب المرحلة الثانوية ومَن هم على وجه التخرج، أن يكتشفوا ميولهم ويتحدوا الصعوبات؛ لكي لا يقعوا في الفخ ككثير ممن سبقوهم في ذلك، هي حياتك أنت فلا تجعل أحداً يتدخل في خياراتك واتجه لميولك وحقق حلمك، في البداية سيقولون لك ستفشل، ولكن عندما تنجح، ستجدهم أول مَن يصفق لك ويشجعك.
وأنصح جميع الآباء والأمهات بأن لا يعيقوا أحلام أبنائهم، ساعدوهم، واجعلوهم يتشبثون بآمالهم، ولكن لا تسلبوها منهم، فالنجاح لا يقتصر على مهنة واحدة، كونوا المصباح الذي ينير لهم طريق الصعود إلى القمة والنجاح، ولكن لا تكونوا الظلام الدامس الذي يوقفهم عن المضي قدماً إلى الأمام لتحقيق أحلامهم، هم أمانة من الله لديكم، فحافظوا عليها، وكونوا على قدر الأمانة.
ابراهيم عبدالمنعم
طالب ثانوية عامة
نقلاً عن هافنغتون بوست