كتاب أكاديميا

د. محمد الدويهيس يكتب: دور مجلس الأمة وقدسية الأمن الوطني

نبارك لأعضاء مجلس أمة 2016 فوزهم بالانتخابات وحصولهم على ثقة الناخبين ونتمنى لهم التوفيق والنجاح في مهامهم ومسئولياتهم لما فيه خدمة الوطن والمواطنين .والآن وبعد أن وضعت حرب الحملات والدعايات الانتخابية والبرلمانية أوزارها !! فقد جاء دور أعضاء مجلس الأمة لكي يجدوا بتبني المشاريع التنموية ويجتهدوا من أجل صيانة وحماية الأمن الوطني بصفتهم أعضاء في السلطة التشريعية . وكما هو معلوم فإن مجلس الأمة يلعب دوراً رئيسياً في حماية الأمن الوطني،فالبرلمان هو المؤسسة التشريعية التي تصدر القوانين وتراقب السياسات العامة وتصاغ فيها السياسات العامة ومن المعروف أيضاً أن البرلمان هو الذي يرسم خريطة المصالح العامة والقيم العليا في المجتمع، وحماية الأمن الوطني تستند إلى القانون وتعتمد على المصالح والسياسات العليا للدولة. وفي عصر العولمة لم يعد الأمن غاية بل أصبح وسيلة لضمان حياة أفضل للمواطنين تقوم على مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وهذه التدابير تعتبر من صميم الأمن الوطني وسمات الحكم الرشيد.حيث يشمل الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية وسيادة الدولة واستقلال إرادتها . وهذا المعنى الشامل لمفهوم الأمن الوطني بأبعاده المتعددة يدخل في صميم وظائف مجلس الأمة ويتطلب ذلك أعضاءاً يتمتعون بقدرات وصفات رجال دولة ويملكون الخبرات العملية والمؤهلات العلمية والحكمة والحنكة السياسية للقيام بهذه المهام. ويتضح دور البرلمان في حماية الأمن الوطني من خلال التشريع والرقابة وأهمية تعاون السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية والفصل والتوازن بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية .وكما هو معروف فإن البرلمان يمثل إرادة الشعب وهو مصدر السلطة وتقتضي مبادئ الديموقراطية مشاركة البرلمان للسلطة التنفيذية في قضية الأمن لكبح جماح السلطة التنفيذية من خلال ممارسة ديموقراطية معتدلة وقيم برلمانية منتجة ومتوافقة مع الدستور الكويتي و غير متعارضة مع التعهدات والمواثيق الإقليمية والدولية وبالتالي يعتبر البرلمان هو المقياس الذي يحدد التشريعات الضرورية للتعامل مع الأزمات والكوارث والحروب. ويتطلب من المجلس الحالي القيام والتركيز على العديد من الأدوار والمهام الرئيسية منها؛ ١- دور البرلمان في حماية الأمن الوطني من خلال إصدار التشريعات ومراقبة السلطة التنفيذية من خلال التعاون الوثيق مع السلطة التنفيذية في إطار التوازن وفصل السلطات حيث أن البرلمان ملزم بذلك من خلال مبادئ الديموقراطية والتزاما بالدستور الكويتي حيث أن مجلس الأمة يمثل إرادة الشعب وهو المشرع ومصدر السلطة. ٢-تتطلب قضية الأمن الوطني منظومة تشريعية متكاملة تعبر عن القيم الأساسية للمجتمع وتعكس المصالح العليا للوطن وتتوافق مع التعهدات والمواثيق الإقليمية والدولية. ٣-مراقبة الميزانية العامة للدولة واعتمادها وحسن استخدام الموارد المالية والمادية والطبيعية والبشرية ٤-صياغة السياسات وقبول أو رفض مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومةحيث يساهم البرلمان في صياغة رؤية الحكومة للمنظومة الأمنية ووضع الخطوط العريضة لكيفية حماية الأمن الوطني وأهمية نشر الوعي بها بين المواطنين وإيجاد الاتفاق والتوازن بين المجلس والحكومة حول قضايا وسياسات الأمن الوطني والتوازن حول قدسية قيمة الأمن الوطني وبين الحريات العامة وفي إطار السياق الإقليمي والدولي. ٥-أهمية التركيز على دور مجلس الأمة في مجال الخطة التنموية للدولة و تعديل القوانين والتشريعات وإجراء التغييرات في صنع ووضع السياسات ومناقشتها وإجراء التعديلات اللازمة. ٦-ومجلس الأمة معني بالسياسة الأمنية لذا فإنه يتوجب عليه مناقشة رؤية الحكومة حول الرؤية الأمنية وتحديد الخطوط العريضة لحماية وصيانة الأمن الوطني وبما لا يتعارض مع القيم والمصالح الوطنية. ٧-كذلك يلعب مجلس الأمة دورا مهما في عملية مشاركة المواطنين والأطراف المعنية بقضية الأمن من خلال تفعيل مبادئ التشاور والتشارك والتعاون لتحقيق الاجماع والتوافق. وكما هو متوقع فهناك احتمال التعارض بين التشريعات الأمنية وحقوق الانسان خاصة عندما تنصرف مصالح بعض الأعضاء الى تعظيم حماية حقوق الإنسان على حساب الأمن. لذا يجب أن يعمل أعضاء مجلس الأمة على تحقيق التوازن والتوافق بين متطلبات الأمن الوطني وصيانة وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة والنظر إلى هذه العلاقة كعلاقة تكامل لا تناقض . ٨-ويجب أن لا تؤثر الظروف الطارئة سلباً على عملية صياغة التشريع أو صنع السياسات المتعلقة بالقضية الأمنية.كما يجب الحرص على أن لا تتناقض التشريعات والسياسات مع المواثيق والاتفاقات الإقليمية والدولية. وقد اتسع مجال الأمن في وقتنا الحالي ليشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأبعاد البيئية. ٩-من الحكمة أن لا تعرقل سرية المعلومات ومحدودية تداولها والأعمال السيادية للدولة على عملية الرقابة والمتابعة البرلمانيةعلى القضايا الأمنية حيث أن كفاءة الرقابة البرلمانية الرشيدة تقوم على الشفافية والمكاشفة. ١٠-كما يجب على أعضاء مجلس الأمة الاستفادة من نظم الاتصالات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات في حماية الأمن القومي وتطوير أساليب التعاون الإقليمي والدولي في مجال الأمن الوطني. ١١- العمل على محاربة الفساد من خلال الوظيفة التشريعية والرقابة الادارية و المالية والتأكيد على التزام الأجهزة والمؤسسات الحكومية بمبادئ الشفافية والحوكمة ومعايير النزاهة والأمانة . ١٢-و يجب أن يكون أعضاء مجلس الأمة القدوة الحسنة في تطبيق مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص والنزاهة والشفافية. ومن هنا تبرز أهمية تطوير مستوى أداء البرلمان من خلال الندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية واستخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة في إدارة جلسات المجلس وفي تدريب العاملين في مختلف المستويات الإدارية والتنفيذية بمجلس الأمة كسلطة تشريعية. ١٣-ويجب أن لا ينظر للعلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية كطرفين نقيضين ؛بمعنى أن مكسب طرف يساوي خسارة الطرف الآخر بل يجب أن ينظر إليها بأنها علاقة تعاون وعلاقة قويمة تهدف إلى ايجاد التوازن بين السلطتين فوجود مجلس ضعيف وحكومة قوية ليس لصالح الوطن فمعنى ذلك أن قدرات مجلس الأمة التشريعية والرقابية محدودة وبالتالي تكون قدرته ضعيفة في حماية الأمن الوطني وفي تحريك التنمية وبالمقابل فاذا سيطر البرلمان على الحكومة فإن الوطن يفقد الاستقرار والأمن الوطني بسبب تمكن فئة أو كتلة من كتل المجلس بأن تفرض على الحكومة تلبية أجندات ورغباتها ومتطلباتها مما يؤدي الى تفتت مكونات المجتمع وتشرذمه وخلق الصراع واختلال الأمن الوطني وانتهاك الحريات وحقوق الإنسان مما يؤدي إلي تشوه مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد. ١٤-إن عضو مجلس الأمة يقوم بدور وبمهام جسام في خدمة الوطن والمواطنين وإذا لم يحسّن القيام بهذه المهام فإنه سينتج عنها تعطل مصالح المواطنين وتخلف الدولة وإعاقة التنمية وانتشار الفساد في أجهزة الدولة واختلال الأمن الوطني لذا يجب أن يكون عضو البرلمان مؤهلاً وملماً بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومواكباً للتغيرات والإساليب التكنولوجية والعلمية الحديثة ١٥- كما يجب أن يتمتع عضو مجلس الأمة ببعض صفات وقدرات رجل الدولة ومتسلحاً برؤية واضحةً وبصيرة نافذة وقيم منتجة،وثقافة أمنية تضع قيمة وقدسية الأمن الوطني ضمن أولوياتها والعمل على تثقيف فئات المجتمع بأهمية الأمن الوطني وعدم تعارضه مع حقوق الإنسان ومبادئ الحرية والعدل والمساواة ومبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد. ويجب على عضو مجلس الأمة أن يحترم قوانين الدولة في جميع أعماله ويدافع عن مصالح الشعب ويتصدى لجميع أشكال الفساد الاداري والمالي والسياسي ويؤدي أعماله بالأمانة والصدق والشفافية ويحترم الدستور ويطبق مواده.وينأ بنفسه عن تعارض المصالح مع وظيفته كمشرع ومراقَب للسلطة التنفيذية ويقدم مصلحة الوطن على مصالحه الخاصة. وعليه فإنني أدعو السادة أعضاء مجلس الأمة الكويتي الى قراءة الفصل التاسع “دور البرلمان في حماية الأمن الوطني ” من المرجع العلمي القيم ” دول الخليج العربي وقدسية قيمة أمنها الوطني في عصر العولمة” للدكتور جاسم محمد خلف لمزيد من التعمق في دور البرلمان في حماية وصيانة الأمن الوطني والمهام الوظيفية الرئيسية لعضو السلطة التشريعية والمواصفات السلوكية والمؤهلات العلمية والخبرات العملية والقيم الأخلاقية والفكرية الواجب توافرها في عضو السلطة التشريعية. وسأتطرق في مقالي القادم عن الدور المطلوب من السلطة التنفيذية(الحكومة) في المرحلة المقبلة.

ودمتم سالمين

د.محمد الدويهيس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock