مؤتمر علمي بالتعاون بين جامعة الكويت ومؤسسة كونراد آديناور الألمانية
الدولة المدنية والطائفية السياسية في أعقاب الربيع العربي
تحت رعاية وحضور أ.د. حمود القشعان عميد كلية العلوم الاجتماعية، عقد قسم العلوم السياسية بالكلية، بالتعاون مع مؤسسة كونراد آديناور الألمانية ندوة علمية بعنوان ومؤتمر “الدولة المدنية والطائفية السياسية في أعقاب الربيع العربي” وذلك في مقر الكلية بالشويخ، بمشاركة نخبة من أساتذة جامعة الكويت وأكاديمين عرب وأجانب.
بدأت اعمال الندوة صباح أمس بكلمة لعميد كلية العلوم الاجتماعية د. حمود القشعان حيث رحب فيها بضيوف الندوة وضيوف دولة الكويت متمنيا للجميع طيب الاقامة في بلدهم الثاني الكويت، وحسن الاستفادة من أوراق الندوة التي تعقد على مدي يومين، وتتمحور حول عدد من العناوين المرتبطة بموضوع الدولة المدنية والطائفية السياسية.
ومن جانبه جدد رئيس قسم العلوم السياسية بالكلية د.حسن جوهر، الترحيب بالضيوف، ونوه في كلمته الارتجالية الى الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في الكويت يوم 26 نوفمبر الجاري، مشيرا الى أجواء الديمقراطية في الكويت في أولى صورها من خلال صندوق الانتخابات واختيار ممثلين للأمة.
واستهل ممثل مؤسسة مؤسسة كونراد آديناور الألمانية ومدير البرنامج الاقليمية لتعيز حكم القانون في الشرق الأوسط وشمال افريقيا السيد بيتر ريميله كلمته شاكرا جامعة الكويت على استضافتها هذا الحدث المهم، وخص بالشكر د. القشعان ود. جوهر ود. محمد الوهيب، معربا عن شكره بحسن التنظيم وأمنياته للطلبة والطالبات الحضور بالفائدة، وتمنى أن يكون هذا المؤتمر بداية لسلسلة أنشطة ممتدة بين جامعة الكويت ومؤسسة كونراد آديناور.
وذكر ريميله في كلمته الافتتاحية ما وصفه بـ “خيبة الأمل” التي تلت الثورات في تونس ومصر وأعرب عن أسفه الشديد تجاه ما حصل وما زال يححصل في العراق وسوريا، وبحسب ريميله مازالت تحديات عهد ما بعد الديكتاتورية عديدة وتخبط الأنظمة العربية الناشئة أليما، فالتتفاؤل في استعال عبارة الربيع العربي سرعان ما انقلب الى تشاؤم إزاء “الخريف الاسلامي” على حد وصفه، معربا عن تخوفه من الخطر الداعشي، لاسيما في العراق وسوريا، الأمر الذي ينبغي اتخاذ موقف واقعي يوفق بين المنظورين المتناقضين.
وقال ريميله.. في ظل هذه التطورات يجب التفكير جديا في الدولة المدنية، وتوضيح هذا المفهوم في الخطاب السياسي العربي وتحديد العناصر التي تميزه عن العلمانية، والتي تعد الاكثر انتشارا وتداولا في الغرب.
ونوه ريميله في ختام كلمته إلى التسامح في أوروبا- وألمانيا خصوصا- نتيجة تاريخ طويل مليئ بالعف الرمزي والجسدي وسياسات الاضطهاد، متمنيا بزوغ فجر نهضة عربية ثانية على أطلال الطائفية والتشدد الديني.
تحديد الاشكالية
وعقب الكلمات الافتتاحية بدات أعمال المؤتمر بجلسة أدارها د. حامد عبدالله وتحدث فيها كل من د. الزواوي بغوره من قسم الفلسفة بجامعة الكويت، ود. على الزميع وزير العدل والأوقاف السابق.
البداية كانت مع د. الزاوي الذي قرا مقتطفات من ورقته البحثية المطولة والتي تمحورت حول مفهوم الدولة المدنية من خلال السياق الثقافي العربي الحديث والمعاصر. وبينت أن الاتجاه العام قبل الربيع العربي هو اتجاه يرفض استعمال الدولة المدنية في حين أنه بعد الربيع العربي أصبحت غالبية التيارات السياسية تميل إلى استعماله بمضمون يتكون من ثلاثة عناصر :
1.رفض الدولة العسكرية والدينية.
2. القول بالديمقراطية وقيمها وعلى رأسها حقوق الإنسان.
3. تأكيد على الدولة الوطنية، ومحاولة لإصلاح.
واختتم د. الزواوي مداخلته بالاشارة الى ان مفهوم الدولة المدنية هو مصطلح غربي وان علينا مواجهة الواقع العربي المعاصر والاتفاق على مفاهيم مدنية الدولة بما يتوافق مع الحالة العربية.
أما د. علي الزميع فاسترسل في اشتراطات الدولة المدنية الحديثة في الادارة والوسيلة لبناء مجتع مدني صحي حقيقي، اذا لا يمكن خلق دولة مدنية في مجتمع غير مدني، وهذا دور الدساتير والقوانين وركائز الدولة المدنية الحديثة.
وتطرق د. الزميع الى قضية “فصل الدين عن الدولة” وقال ان هذا المفهوم مجهول وليس لدى احد توصيف واضح ومحدد للعلمانية، اذ ان العلمانية ليست واحدة ومن يقول أن علمانية أوروبا بعد سقوط سلطة الكنيسة هي نفسها العلمانية الفرنسية مثلا فهذا أمر منافي للحقيقة والواقع، مشيرا الى أن من يتنبى العلمانية ربما يكون بدافع حماية الدين من أهل السياسة! لكنه شدد في ملخص هذا المحور على ان العلمانية ليست واحدة ولا يصح التعميم في هذا المفهوم، مشددا على أن أحد اشتراطات العلمانية هو الايمان باليدمقراطية والتعددية وقبول الآخر، ومن دون ديمقراطية حقيقية لن يكون هناك دولة مدنية ولا مجتمع مدني.
وأشار الزميع الى مقومات الديمقراطية واشكاليات ترسيخها، وقال إن البعد عن الديمقراطية يجعل الانتقال اليها في منتهى الصعوبة لاسيما بعد الانهيار الاقتصادي والاشكاليات الاجتماعية التي تجعل من تطبيق الديمقراطية وقيمها وادواتها مسألة بالغة الصعوبة.
وذكر الزميع أن الليبراليين أقصوا الاسلاميين خوفا على الدولة والديمقراطية على حد زعمهم، وهذا أمر أبعد ما يكون عن الديمقراطية، غير أن الثورات العربية شهدت تأسيس ديمقراطيات ناشئة، وتمسك واضح من الجماعات السياسية بقيم المدنية والدولة الحديثة، لكن وعلى مدى عقود لم تناقش الثقافة العربية والاسلامية مثل هذه القضايا إلا ملامح من بعيدة، وبدات في عصر النهضة منذ محمد عبده وغيره ارهاصات النهضة والتنوير والحرية وايضا مدنية وديمقراطية الدولة، وأبعد من ذلك الاسلام أرسى دعائم الديمقراطية والتعددية ، عندما نعرف أن مصادر التشريع هي الكتاب والسنة والاجماع، وتلك الاخيرة هي تمثيل رأي الأغلبية وأن الأمة مصدر السلطان، اذا كان الاجماع يميل الى اتجاه معين.
وذكر الزميع المدارس الفكرية العربية في النظر الى الاسلام وذكر منها أن هناك من يرى أن (الاسلام دين أخلاق) .. وربما هذا مرفوق اجتماعيا من قبل الغالبية، وهناك من يرى أن (الاسلام دين ودولة) وهذا يدخلنا في قضية الاثبات والصراع الديني السياسي، في وقت الادارة ليست شفافة وليست كوفء، قال ( تاريخنا الاسلامي ليس مشرف في مجال المواطنة) !
وختم د. الزميع مداخلتة بالاشارة الى ( وثيقة الأزهر لنبذ العنف في مصر) وقال إنها تعتبر أرضية جيدة وبداية جادة يمكن البناء عليها ، وإن كانت تفتقر للتأصيل الشرعي.
يذكر أن القوى السياسية المصرية في اجتماع برعاية الأزهر الشريف وقعت 31 من يناير سـنة 2013م على وثيقة لـ”نبذ العنف”، في محاولة لإنهاء أعمال العنف الجارية، كما تهدف الوثيقة إلى الالتزام بالحوار بين القوى السياسية المختلفة.
وفي ختام الجلسة الأولى أعلن مدير الجلسة د.حامد عبدالله فتح باب المناقشات التي أتت ثرية وأضافت الى المور الأول من محاور المؤتمر بعدا أكبر وآفاق أوسع في النقاش والبحث.
فشل المشروع
وفي الجلسة الثانية من أعما المؤتمر والتي أدارها د. يعقوب الكندري، تحدث كل من د. وليد مبارك مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية السابق، ود. غسان العزي من دولة الكويت.وتناولت هذه الجلسة “فشل مشروع بناء الدولة المدنية وصعود الطائفية السياسية”
من جانبه اكد د.وليد مبارك ان الحوار الوطني هو الوسيلة الفضلى لاعادة الثقة داخل النخبة السياسية وأثناء الازمات الكبري أو عند وجود قضايا جوهرية خلافية تعجز المؤسسات الدستورية عن ايجاد حلول ومخارج لها، وضرب مبارك مثالا للحوار الوطني في لبنان وهو كان احد أعضاء الجنة التحضريرية للحوار الوطني في 2010 مستعرضا التجربة اللبنانية في مواجهة الطائفية السياسية والسعي الدؤوب لترسيخ قيم الدولة المدنية الحديثة.
ويؤكد مبارك انه يمكن لطاولة الحوار ان تتحول من آلية مؤقتة إلى آلية دائمة تعالج قضايا التعايش بين اللبنانيين، والديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والاصلاحات الدستورية، ولمعالجة هذه القضايا يجب ألا تقتصر فقط على بحث الاستراتيجية الوطنية للدفاع وبالتالي تأمين السير نحو الديمقراطية.
وشدد د. مبارك في ختام مداخلته على الحاجة الى بناء الثقة بين الفرقاء السياسيين في اي مجتمع يتعرض لأزمات كبرى “لبنان نموذجا” قبل الوصول الى اجراءات بناء الثقة قبل الدخول في القضايا الحساسية، محذرا من أن عدم تطبيق الاتفاقيات يشكل خطرا على مجمل عملية التفاوض.. وهذا ما حدث في لبنان.
ومن جانبه استعرض د. غسان العزي، التطور السياسي الغربي حتى الوصول للدولة المدنية الحديثة التي نراها اليوم. مؤكدا على أن ما حدث في كل الدول تقريبا، هو انه ما ان تمر الدولة بحرب دينية حتى تتجه هذه الدول لانهائها باي طريقة كانت، بحيث لا تعود لها مطلقا.
وقال العزي ان ما يحدث في الدول العربية مختلف: ذلك انه يتم استمرار واعادة الحروب دائما وابدا.
وفي ختام الجلسة تم فتح باب المناقشات والمداخلات التي اثرت الندوة.
هذا ويستكمل المؤتمر أعماله اليوم بجلستين حول الانعكاسات الدولية؛ ومستقبل العنف والتشدد في المنطقة.