التعليم العربي وتحديات المستقبل | د. عبدالحميد الأنصاري
على تعليمنا أن يصحح نظرة طلابنا إلى الغرب الحضاري، وينزع من نفوسهم مشاعر الكراهية، فليس الغرب عدواً متربصاً أو صليبياً حاقداً أو مادياً إباحياً، كما يتردد في خطابنا العام، وليس الغرب مسؤولا عن أوضاعنا التي نشكو منها كما ندعي، بل ذلك بما كسبت أيدينا، ونحن المسؤلون عنه.
قوة الغد لن تكون بعدد السكان أو مساحة الأرض أو الأرصدة المالية أو حجم الجيوش، إنما بالقدرات العلمية والتكنولوجية، وامتلاك هذه القدرات لا يكون إلا بالتقدم العلمي والقدرة على التنافس والسباق، وهو المفتاح لمواجهة التحديات المقبلة، ولا يمكن تملك هذا المفتاح إلا بنظام تعليمي متطور، فتحديات المستقبل لا تقوى على مواجهتها إلا مجتمعات عالمة ومتعلمة، عالمة: بمعنى محو الأمية الثقافية والتكنولوجية، ومتعلمة: بمعنى وجود حد أدنى من الكفاءات العلمية في مواقع المسؤولية.
التعليم العربي، بوضعيته الراهنة، ورغم كل الجهود والتجارب التطويرية، دون المأمول، إذ حقق إنجازاً كمياً ولم يحقق تقدماً علمياً أو اقتصادياً أو أمنياً، ولا قاعدة علمية تكنولوجية قوية، ما زلنا نعتمد على الآخر في طعامه وسلعه ودوائه وسلاحه، أخفق في النهوض بدولنا، وفشل في تحصين شبابنا وحمايتهم من الفكر المتطرف، ولم ينجح في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، ولم يساند جهود دولنا في مشاريع التنمية والتحديث وتعزيز قيم الحرية وحقوق الإنسان، وبخاصة فيما يتعلق بوضعية المرأة ومشاركتها العامة في المجتمع، كما أخفق هذا التعليم في تنمية الفكر النقدي والقدرة على المحاكمة لدى طلابه.
إننا اليوم في أمس الحاجة إلى إرادة سياسية حازمة وحاسمة مع حماسة مجتمعية متعاونة وبصيرة وواعية لإعادة صياغة النظام التعليمي، شكلاً ومضموناً، وليس المال هو العقبة لأن التعليم السيئ أكثر كلفة في المدى المتوسط والبعيد، نريد تعليماً يحبب شبابنا في الحياة، ويرغبهم في العمل والإنتاج، ويحفز طاقاتهم نحو الإبداع والابتكار والاكتشاف، نريد تعليماً يحتضن الإنسان بوصفه مخلوقاً مكرماً لدى خالقه جل وعلا، يغرس في نفوس طلابه الحب والتسامح وقبول الآخر والأمل والفرح، تعليماً يعمق القيم السامية لديننا العظيم في قلوب ناشئتنا، فرسولنا عليه الصلاة والسلام، رحمة مهداة للعالمين.
نريد تعليماً يعلم أولادنا أن جهادهم الأعظم إنما يكون في ميادين العلم والمعرفة والإبداع والكشف العلمي والعمل النافع لأوطانهم وللبشرية، نريد تعليماً يزيل توجس العالم من شبابنا ومن إسلامنا وثقافتنا، كما يزيل هواجس شبابنا من أننا أمة مستهدفة من مؤامرات ومخططات عالمية!
على تعليمنا أن يصحح نظرة طلابنا إلى الغرب الحضاري، وينزع من نفوسهم مشاعر الكراهية، فليس الغرب عدواً متربصاً أو صليبياً حاقداً أو مادياً إباحياً، كما يتردد في خطابنا العام، وليس الغرب مسؤولا عن أوضاعنا التي نشكو منها كما ندعي، بل ذلك بما كسبت أيدينا، ونحن المسؤلون عنه، وما ربك بظلام للعبيد، لقد بعث رسولنا ليتمم مكارم الأخلاق وليدعو بالحكمة والموعظة الحسنة وبالحوار البناء الذي يتقبل الآخر.
وعلى تعليمنا أن يترجم هذه القيم والمبادئ في مناهجه، بتعزيز ثقافة الحوار، وترسيخ ثقافة التسامح، وذلك بتضمين المناهج جملة من المقررات المحصنة للطلاب من الكراهية والتطرف والعنف، منها:
1- ثقافة شرعية الاختلاف: كضرورة تربوية وأخلاقية ومعرفية، على تعليمنا غرس الإيمان بأن اختلاف البشر، أدياناً وثقافات ومذاهب ومعتقدات، إنما هو مشيئة إلهية وحقيقة كونية ثابتة، لأن المولى تعالى خلقهم مختلفين حتى يتنافسوا في إعمار الأرض وتقدم العلوم والمعارف والاكتشافات وتطور البشرية، يقول تعالى: “وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”، ومن هنا علينا قبول الآخر بما هو عليه، والتعايش معه لتحقيق النفع المشترك، وليس من شأني كمسلم أن أحاسب الآخر على معتقده، ذلك للمولى تعالى وحده.
2 – ثقافة التسامح: المطلوب من التعليم والخطاب الديني والإعلامي، تعزيز مفهوم التسامح الديني والإنساني، سواء بين مكونات المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات العربية والإسلامية والإنسانية عامة، وتصحيح الصورة النمطية المترسبة في نفوس الطلاب تجاه الشعوب الأخرى بسبب الشحن الإعلامي السلبي.
3 – ثقافة نقد الذات والمساءلة والاعتراف بالخطأ وحسن الاعتذار: إن الفكر النقدي مغيب في التعليم العربي لجهة تغليب نقد الآخر الحضاري وتحميله مسؤولية تخلفنا، مع أن منهج نقد الذات من أساسيات ديننا الذي يأمرنا بالعدل والإنصاف حتى مع الخصم.
4- أدب الحوار وأخلاقياته: الحوار المثمر هدفه الوصول إلى مساحة مشتركة مع الآخر والتعاون معه لا الانتصار والتغلب عليه.
5 – تدريس الفنون.
د.عبدالحميد الأنصاري
* كاتب قطري
نقلاً عن: الجريدة