كتاب أكاديميا

‏د.محمد الدويهيس يكتب: المتقاعدون واستشراف المستقبل

سياسة التقاعد التي تنتهجها الكويت سياسة يشوبها كثير من القصور وتفتقد النظرة الاستراتيجية في كيفية الاستفادة من الخبرات المتراكمة للمتقاعدين.وينظر المخططون بالدولة للتقاعد بالجهاز الحكومي على أنه مشكلة تؤرق العديد من المسؤولين ولم يتم النظر لسياسة التقاعد المستخدمة بالدولة على أنها فرصة يمكن الاستفادة منها في عدة مجالات مستقبلية، ونجد ان أغلب المتقاعدين من الرجال يتقاعدون أو يرغمون على التقاعد بعد مضي 30 عاما أي انه لو فرضنا أن هذا المتقاعد قد تم تعيينه في سن 18 عاما فانه يتقاعد في سن 48 عاما، سن العطاء وقمة الخبرة المتراكمة.

ومع الأسف الشديد فانه لا يتم الاهتمام بهذه الشريحة من المتقاعدين بعد تقاعدهم بل ان الدولة تنظر إلى تقاعدهم بأنه رقم جديد يفتح ويفسح المجال لطابور الشباب الطويل والمنتظر للعمل بالجهاز الحكومي المتضخم.وفي الجانب الآخر من المتقاعدين وهو الجانب النسائي فان أغلب النساء يتقاعدن بعد خدمة 20 سنة في الجهاز الحكومي أي ان المتقاعدة الكويتية تتقاعد في أواخر سن الثلاثين وأوائل الأربعين.. قمة الشباب والخبرة العملية المتراكمة. المصيبة أن هذه الخبرات المتراكمة والتي يحرص علماء الادارة والموارد البشرية على الاستفادة منها لتطوير المؤسسات والأجهزة الادارية وكذلك في تنمية الموارد البشرية فيها لا يتم الاهتمام بها من قبل مؤسسات الدولة ومحاولة استثمارها في خدمة الدولة والتنمية.

وعلى النقيض من الممارسات والاجراءات التي تتم بحق المتقاعدين بالكويت، نجد في دول العالم المتقدمة اهتماماً كبيراً بفئة المتقاعدين من خلال استثمارها عبر ايجاد مراكز للتفكير والدراسات المستقبلية Think Tank لخدمة الدراسات الاستراتيجية ودراسات استشراف المستقبل على مستوى الدولة حيث ان العقول لا تتقاعد حتى لو تقاعد الموظفون من وظائفهم.

وبما أن نسبة المواطنين إلى نسبة الوافدين في الكويت متدنية فقد تصل الى3:7 فانه من الافضل الاستفادة من المتقاعدين وتوظيفهم في العديد من الوظائف المتعددة التي تكون من ضمن مجال واختصاص المتقاعدين والمتقاعدات سواء من خلال نظام العمل الجزئي أو نظام العمل الكامل وذلك لتعديل الاختلال في التركيبة السكانية بين المواطنين والوافدين، وكذلك للحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية للعمالة الوافدة. وهناك جانب سلبي ونفسي يمكن أن ينتج عن بقاء المتقاعد مدة طويلة بدون عمل أو هواية يمارسها، حيث تحدث بعض المشاكل الاجتماعية والنفسية من هدر وقلة استثمار الوقت المتوفر للمتقاعدين سواء بالبيت أو خارجه بسبب شعور المتقاعد بأنه غير فاعل ومهمش بالمجتمع بعد أن كان عنصرا فعالا في عمله ووظيفته.

لذا فانني أدعو لايجاد جمعية مهنية متخصصة بشؤون المتقاعدين ليس فقط لخدمة المتقاعدين بل للاستفادة من الخبرات العملية والعلمية المتراكمة خاصة ان اغلب المتقاعدين الكويتيين والذين يبلغ تعدادهم حوالي 110 آلاف ويمثلون ما يقارب 10 % من المواطنين تتراوح أعمارهم بين 45 و55عاما وهذه السن تعتبر قمة الخبرة والعطاء خاصة اذا قارنا بين أعمار المتقاعدين الكويتيين وأعمار المتقاعدين في الدول الأخرى التي تتراوح بين 60 و70عاما.

نحن نحتاج لادارة فاعلة وكفوءة ومبدعة للاستفادة من المتقاعدين والمتقاعدات في المساهمة في الخطط الاستراتيجية للدولة وفي التطوير والتنمية البشرية.كذلك فان الاستثمار في الاقتصاد المعرفي أمر لابد منه اذا أردنا أن نحقق تنمية بشرية حقيقية بالكويت. أتمنى أن تتم الاستفادة من جميع المتقاعدين والمتقاعدات في مجال التنمية البشرية التي بدأنا نفقد الاهتمام بها من قبل المخططين وكبار المسؤولين بالدولة.انه من سوء الادارة والتدبير تعطيل وهدر مهارات وخبرات ما يقارب 10 % من المواطنين. ودمتم سالمين.

د. محمد الدويهيس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock