التعليم في الكويت: مشكلة نظام أَمْ أشخاص؟! بقلم د. زيد الشمري
إن الهدف الأساسي من التعليم هو تحسين مستوى معيشة الأفراد في المجتمعات، فبالتالي تزدهر وتتقدم الدول بشكل غير مباشر. ولكن، التعليم لا ينجح في بيئة ظاهرها نظام شكلي ذو هيكل تنظيمي مقنن بلوائح يديرها من الباطن أشخاص غير مؤهلين تخصصيا وعلميا ومهنيا، لأنهم بكل تأكيد سيفشلون بسبب واحد فقط أنهم غير متخصصين في التعليم التربوي.
عمومًا، لتحديد ما إذا كانت المشكلات في نظام التعليم هي بسبب النظام أو الأشخاص، فإنه يجب أن نحدد الأسباب الرئيسية لهذه المشكلات الحقيقية التي تؤدي بشكل مستمر بإعادة تكرار نفس النتائج الخاطئة. ألخص لكم هذه الأسباب كالتالي:
أولا، عدم وجود نظام تعليمي ذو منهجية فعلية تعتمد على المسار الصحيح الذي يبدأ بأهداف للتعليم بحيث تكون قابلة للقياس، وممارسات تعليمية مثبتة علميا لتحقيق الأهداف، ومن ثم المخرجات التي تبين مستوى وجودة نظام التعليم. إن أي نظام تعليمي لا يعتمد على أسس وممارسات مثبتة علميا سيفشل والسبب في ذلك أن من يحاول إحداث التغيير في التعليم سيعيد ابتكار العجلة أي أنه سيستخدم نفس الاجراءات والممارسات بشكل تقليدي التي تؤدي لنتائج مشابة لنفس النتائج السابقة.
ثانيا، عدم وجود مخططين ومنفذين متخصصين في التعليم بحيث يكونوا قادرين على تنفيذ إستراتيجيات الإصلاح التعليمي وتطوير منظومة التعليم بالدولة بحيث تضمن تحسين مخرجات التعلم والتعليم بشكل مستمر. إن لهذه المشكلة أبعادها الخطيرة جدا على نظامنا التعليمي وكذلك على الدولة بشكل عام، لذلك مشكلتنا الكبرى هي ليس عدم وجود الأفكار الجيدة بل بعدم وجود الأفراد القادرين من المتخصصين التربويين على تنفيذ هذه الأفكار الجيدة التي تضمن تحسين مخرجات التعليم.
بوجهة نظري، إن نظامنا التعليمي يعاني من مشكلة الإثنين معا، النظام والأشخاص. لذلك هناك حلول لإصلاح التعليم وتحسين مخرجاته التي أرى ضرورة العمل على تنفيذها للحصول على النتائج المرجوة، من أهمها مايلي:
(١) اختيار قيادات تربوية أكاديمية متخصصة ومتميزة عالميا لإدارة جميع القطاعات التربوية في وزارة التربية تحديدا، لكي يشغلوا المناصب القيادية العليا من الوزارة إلى المناطق التعليمية. هؤلاء القيادات التربوية يجب أن يكونوا فعليا قادرين على تحقيق التغير في منظومتنا التعليمية، والممكن الحصول عليهم بكل سهولة من خلال البحوث التربوية التي هي خير دليل للتعرف عليهم.
(٢) ترسيخ الاعتماد على الفكر العلمي المتجدد والمرن في إجراء التغير المناسب في التعليم. هذا الفكر العلمي يجب أن يكون ظاهرا في هيكلة منظومة التعليم بحيث نجد الممارسات التعليمية جميعها تعتمد على ما هو مثبت علميا، حيث لا يستخدم أي ممارسات تقليدية عفى عليها الزمن. هذا التغير يتطلب نقل نظامنا التعليمي من الفكر المعتمد على المحتوى العلمي إلى نظام يعتمد على المعايير التي توضح أقل درجة لتحقيق أهداف التعليم بالدولة بحيث تقود الكل من قيادات وهيئات تدريسية وإدارية في المدارس نحو الاستخدام الأمثل للمحتوى العلمي الذي يحقق المعايير والأهداف في نظام التعليم.
(٣) الإستقلالية، أو العزل إن أمكن، لإدارة منظومة التعليم عن رقابة المؤسسات التشريعية والسياسية التي تتأثر عادة بتوجهات وأجندات التيارات والمكونات المؤدلجة في مجتمعنا. ولتحقيق الإستقلالية يجب على الجميع من الحكومة ومجلس الأمة أن يشرع قوانين تضمن الإستقلالية الإدارية لكي تحمي نظامنا التعليمي من الأجندات الحزبية والفئوية والقبلية والمذهبية من التأثير المباشر الذي يؤدي لفشل وضعف مخرجات التعليم بالدولة.
(٤) التوسع في إنشاء مراكز وطنية بحثية تربوية، بحيث تكون قادرة على المساهمة بشكل مباشر في إتخاذ القرارات التعليمية وفقا لما هو مثبت علميا. كما يجب أن تكون هذه المراكز البحثية التربوية مستقلة إدارية وماليا وبعيدة عن التدخلات الحكومية السياسية بالدولة.
(٥) إنشاء المزيد من مؤسسات التعليم العالي التربوية ذات البرامج والدراسات العليا بكافة مستوياتها البرامجية والتخصصية لكي تكون المصدر الأساسي والوحيد في تأهيئة وتأهيل الموارد البشرية الوطنية على درجة عالية من الجودة والمستوى التعليمي.
(٦) إعادة هيكلة وتجزئة المؤسسات التربوية الحالية القائمة على إعداد المعلمين لتكون أصغر جحما وأكثر تخصصية بحيث تكون أقل كثافة وذات ميزانية جزئية التمويل الحكومي لتحقيق المنافسة والتميز الذي ينعكس على جودة نظام التعليم ومخرجاته.
(٧) إعادة هيكلة المدارس لتكون مؤسسات تعليمية تعتمد على منهجية البحث العلمي حيث يكون محورها المتعلم في التعليم والمعلم في حل المشكلات التعليمية لتكون مؤسسات تعليمية قادرة على حل المشكلات التربوية ذاتيا. ولتحقيق هذه الفكرة يجب استحداث مكاتب أو مراكز للبحوث والتطوير في مؤسسة تعليمية يقوم عليها أفراد مؤهلين بالتعاون مع المؤسسات التعليمية والبحثية الأخرى لتحقيق التحسين المستمر لمخرجات التعليم وفقا لمبادرات ومشاريع تعليمية وبحثية ذات ميزانيات مقننة وتوجيها من خلال المنح للبحوث التربوية لكي تعود بالنفع على كل مؤسسة تعليمية.
(٨) ترسيخ حرية اختيار نوعية ومسار التعليم من المراحل المبكرة في نظام التعليم بالدولة حيث إعطاء الأفراد حرية اختيار نظام التعليم الممول ماليا من الدولة سواء في المؤسسات التعليمية الحكومية كما يكفله الدستور أو في المؤسسات التعليمية الخاصة.
(٩) تفعيل وترسيخ منهجية الدمج بكافة شرائحة وأنواعة على مختلف القطاعات والبرامج التعليمية لكي يستفاد من جميع شرائح المجتمع دون إخلال أو تجاوز للقوانين الدولية الخاصة بحقوق الأفراد بالمجتمع. ولتحقيق الدمج يجب أن يتم إعادة النظر في القوانين واللوائح التعليمية ومن ثم إعادة هيكلة النظام التعليمي لضمان تحقيق العدل والمساواة بالدولة.
والله ولي التوفيق،،،
د. زيد الشمري
عضو هيئة التدريس بكلية التربية – جامعة الكويت