د.دلال العنزي تكتب: “الانتماء الوطني لطلبة كلية الشريعة بين صحيفة القبس والبحث العلمي”
نشرت جريدة القبس مانشيت، تصدر صفحتها الأولى، في عدد يوم الاثنين 14 أغسطس 2016، بعنوان ” طلبة الشريعة الأقل شعورا بالانتماء الوطني “، وقد اثار هذا الخبر جدل واستهجان واسع في الساحة الكويتية .
واستند الخبر على نتائج دراسة مقدمة من أ.د.علي وطفة بعنوان “تحديات الهوية الوطنية والشعور بالانتماء الوطني لدى عينة من طلاب جامعة الكويت”، المنشور فى مجلة مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية العدد 34 مارس 2013.
ومع استغرابي الشديد لقيام جريدة القبس بنشر جزء من نتائج الدراسة بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات عليها. ودون الغوص في التحليلات السياسية لاختيار مثل هذا الموضوع ليتصدر صفحاتها الأولى ، وما قد يثار حول ذلك من تساؤلات تتصل بالدوافع لاقتناص جزء من الدراسة تتعلق في مسألة الولاء للوطن وهي قضية حساسة وخطيرة يجب عدم الاستهتار بتناولها بهذا الشكل. إلا إنني وجدت أنه من الملائم الالتفات عن هذه المسائل والاطلاع على الدراسة المنشورة ومناقشتها بشكل علمي.
ونود الاشارة إلى أن مناقشتنا للدراسة ترتكز على منهج علمي وليس في سبيل الدفاع عن طلبة كلية الشريعة ولا عن أي طرف دون طرف.
في البداية، نقدم تعريفا موجزا عن الدراسة، حيث وجد بأن الدراسة اشتملت على خمس محاور أساسية : “الولاء للهوية ” ، ” تحديات الهوية” ، “مفردات الهوية” ، “نسق الولاء والانتماء” و “القلق على الهوية” ، وقد طبقت الدراسة على عينة عشوائية من ١١٩٤ طالب وطالبة من خمس كليات في جامعة الكويت، وقد وضحت الدراسة توزيع أفراد العينة وفقا لمتغيرات الجنس والمحافظة والسنوات الجامعية والكلية والانتماء الاجتماعي (حضر- بدو) حيث أشار مصطلح “العائلة” في الاستبانة لفئة “الحضر”، ومصطلح القبيلة في الاستبانة أشار لفئة “البدو”. تمت مناقشة محور الولاء الوطني محل النقاش في تسعة بنود: البند الأول : أحب وطني الكويت وأضحي من أجله، البند الثاني : أحافظ على الهوية الوطنية بالولاء للوطن دون غيره، البند الثالث : ولائي لأرض الكويت يفوق ولائي للقبيلة، البند الرابع : ولائي لأرض الكويت يفوق ولائي للطائفة، البند الخامس : أشعر بالولاء لدستور البلاد وأحرص على حمايته، البند السادس :ولائي لقانون البلاد يفوق ولائي للقبيلة والطائفة، البند السابع : أفضل وطني الكويت على عائلتي ، البند الثامن : أفضل وطني الكويت على قبيلتي، البند التاسع : أفضل وطني الكويت على طائفتي.
وبتفحص المحور الأول من الدراسة، فقد وجد العديد من المغالطات في هذا المحور مما يؤثر بشكل جذري على نتائج كامل الدراسة دون الحاجة لاستقصاء بقية بنود الدراسة وهو ما يترتب عليه رفض جميع نتائج الدراسة وعدم صحة الاستناد عليها والأخذ بها وذلك لتحيزها الواضح وعدم موضوعيتها العلمية وهو ما يتعارض مع أصول البحث العلمي. وإيضاحا لذلك، نورد عددا من النقاط بشكل موجز، على سبيل المثال لا الحصر، وهي على النحو التالي:
أولا: العينة غير ممثلة لفئات وانتماءات مجتمع الدراسة “طلبة جامعة الكويت”:
بالرغم من تناول الدراسة الانتماءات الاجتماعية والطائفية كأحد التحديات التي تواجه مفهوم “الهوية الوطنية” ووضحت انتماءات العينة الاجتماعية “بدو- حضر”، إلا أنها أغفلت توضيح انتماءات العينة الطائفية (سنة – شيعة). وأن كنا نرى أنه بالإمكان التطرق للطائفية دون توضيح انتماءات الطلبة المذهبية ، إلا أنه وللحفاظ على موضوعية الدراسة يجب استبعاد كلية الشريعة من العينة لأن جميع طلبتها ينتمون لطائفة واحدة فهي لا تمثل جميع فئات وانتماءات مجتمع الدراسة، وهذا يعتبر خلل جسيم في توصيف العينة لجميع فئات وانتماءات طلبة جامعة الكويت “مجتمع الدراسة .
ثانيا: التحيز في تصميم أداة الدراسة:
صممت أداة الدراسة بطريقة متحيزة وغير موضوعية، حيث تناولت الأداة كل من القبيلة والطائفة في ثلاث بنود في المحور الأول ، ولم تتطرق “للعائلة” كمصطلح يشير لفئة من فئات مجتمع الدراسة وهي فئة “الحضر” إلا في بند واحد وهو البند السابع في المحور الأول وجدير بالذكر أن الدراسة لم تتطرق لمصطلح “العائلة” نهائيا في جميع محاور الدراسة الأخرى .
ثالثا: تجاهل الدراسة لأهم النتائج ذات الدلالة الاحصائية:
تجاهل الباحث دلالات حصول البند السابع ” أفضل وطني الكويت على عائلتي” على أقل نسبة من حيث الولاء للوطن بين البنود التسعة حيث وافق 74.7% فقط على هذه العبارة، بينما تجاوزت الموافقة على جميع البنود الثمانية الأخرى نسبة 90% وهذا مؤشر إحصائي خطير يبرهن التحيز وعدم الموضوعية .
رابعا: تضخيم الدراسة لنسب إحصائية بسيطة مع ما استتبعه من تشكيك في الولاء للوطن :
ركز الباحث على نسبة ٣.٩ ٪عارضت الولاء للدستور في البند الخامس ووصفها ” بالخطرة نسبيا “. وفي المقابل، تجاهل نسبة ٢٣.٧٪ تعارض البند السابع ” أفضل الكويت على عائلتي “. (مرفق صورة (١))
خامسا: تحليل الباحث للبيانات الإحصائية بشكل مغلوط يهدد أمانة البحث العلمي:
حيث تم تغيير منهجية تناول مؤشر الفروقات ذات الدلالة الإحصائية من الأعلى إلى الأدنى باختلاف البند وفق هوى وتحيز الباحث، فعند تحليل الفروقات ذات الدلالة الإحصائية في جميع البنود بين الكليات يركز على نتيجة كلية الشريعة على أنها أدنى قيمة بين المتوسطات الحسابية وبناء عليه يشكك في ولاءات طلبتها، بينما عند تحليله للبند السابع “أفضل الكويت على عائلتي” يختار كلية التربية لحصولها على أعلى قيمة بين المتوسطات الحسابية ويشيد بتمسكهم بالقيم العائلية أكثر من غيرهم مرجعا السبب لأهمية الأسرة في الثقافة التربوية؟! (مرفق صورة (٢))
وأود الإشارة أنه وفق المؤشرات الإحصائية في الدراسة كانت كلية التربية أكثر ولاء للوطن منها إلى العائلة لا كما ذكر الباحث من مغالطة.
سادسا: تحوير المصطلحات العلمية إلى مفاهيم أخرى غير ما تهدف له الدراسة:
حورت الدراسة مفهوم مصطلح “العائلة” والذي يشير لفئة من فئات مجتمع الدراسة وهي فئة ” الحضر” إلى مفهوم ” الأسرة” التربوي، والحقيقة أن مصطلح “العائلة” في الدراسة يشير لفئة “الحضر” كمكون أصيل من مكونات مجتمع الدراسة مقابل لمصطلح ” القبيلة” والذي يشير لفئة “البدو”، وهذة مغالطة خطيرة تؤكد لمحاولة الباحث توجيه نتائج الدراسة لآرائه الشخصية وتشتيت القارئ عن دلالة هذا المصطلح.
سابعا: افتقار الدراسة لمعلومات إحصائية أساسية لمنهج الدراسة:
لم يدرج الباحث جدول الاختبار التائي لدلالة الفروق للمحور الأول “الولاء للوطن” وفقا لمتغير الانتماء الاجتماعي ( البدو – الحضر ) كما في محاور الدراسة الأخرى على الرغم من أهميته في هذا المحور على وجه الخصوص ، بينما قام بإدراج الجدول في محاور الدراسة الأربعة حيث خلت أسئلة الاستبانة في هذه المحاور من مصطلح ” العائلة” كمكون أصيل من مكونات مجتمع الدراسة والمقابل لمصطلح “القبيلة” .
ثامنا: وجود أخطاء في الجداول والبيانات الإحصائية مما قد يهدد صحة النتائج:
أدرجت الدراسة الكثير من الجداول الإحصائية الخاطئة (الجداول رقم (5)، (21)، (24) و(27))، ولتوضيح أثر هذه الأخطاء على نتائج الدراسة نذكر المثال التالي :عندما أشار الباحث في صفحة 144و145 للبند السابع في الجدول رقم (٥) ” أفضل الكويت على عائلتي ” وأنه حصل على أقل قيمة للمتوسط الحسابي وعند الرجوع للجدول نجد أنه قد تم تبديل العبارة من : “أفضل الكويت على عائلتي ” إلى ” أفضل الكويت على قبيلتي ” فهل هو خطأ مطبعي أم خطأ مقصود ؟ وفي كلا الحالتين هي أخطاء غير مقبولة في دراسة أكاديمية محكمة ومنشورة. (مرفق صورة (٣))
تاسعا: التحيز والتضخيم في تحليل النتائج الاحصائية المتعلقة في طلبة كلية الشريعة:
استند الباحث في دراسته على دلالة الفروق الإحصائية واتجاهاتها بالنسبة لمتغير الكلية للتشكيك في ولاء طلبة الشريعة للوطن. ولكي يتم توضيح حقيقة ولاء طلبة كلية الشريعة محل الجدل نورد ما يلي:
1. كانت إجابات طلبة كلية الشريعة مماثلة لزملائهم في الكليات الأخرى ولا يوجد أي فرق في خمسة بنود من أصل التسعة في المحور الأول.
2. ظهرت الفروق ذات دالة إحصائية بالنسبة لطلبة كلية الشريعة في كل من البند الثاني والرابع والخامس والسادس.
3. عارضت نسبة 4% فقط من عينة الدراسة البند الثاني “أحافظ على الهوية الوطنية بالولاء لوطني دون غيره”، واظهرت النتائج فروق ذات دالة إحصائية بالنسبة لكلية الشريعة وذلك لولاءات الطلبة الدينية والتي لا تتعارض مع الولاء للوطن حيث أشارت المادة الأولى والثانية من دستور دولة الكويت أن “الكويت دولة عربية إسلامية ” فالوطن دولة لها امتدادها وبعدها العربي الإسلامي ولا يتعارض ولاء الفرد لوطنه مع ولائه للأمتين العربية والإسلامية.
4. عارضت نسبة “4.7% من العينة البند الرابع “ولائي للكويت يفوق ولائي للطائفة” وأظهر فروق ذات دلالة إحصائية لأجوبة طلبة كلية الشريعة عن غيرهم من الكليات، ولكن عند المفاضلة بين الكويت والطائفة في البند (9) ” أفضل وطني الكويت على طائفتي” عارضت نسبة 6.9% ولم تظهر هذه الفروق الدلالية لكلية الشريعة، وهذا يشير بما لا لبس فيه إلى عدم ثبات ومصداقية أداة الدراسة.
5. عارضت نسبة 3.9% من عينة الدراسة البند الخامس ” أشعر بالولاء لدستور البلاد وأحرص على حمايته” وأظهرت النتائج فروق ذات دالة إحصائية بالنسبة لكلية الشريعة وذلك لولائهم للشريعة الإسلامية الذي لا يتعارض مع التوجه العام للدولة حيث شكلت لجنة في الديوان الأميري لاستكمال تطبيق الشريعة الإسلامية في الدستور الكويتي.
6. التحيز في صياغة البند السادس “ولائي لقانون البلاد يفوق ولائي للقبيلة أو الطائفة”، ولم تدرج العائلة كفئة من فئات مجتمع الدراسة مما يشير لتحيز السؤال وتوجهه لفئة دون فئة.
هذا ومع التقدير لطلبة جامعة الكويت بكل انتماءاتهم ومذاهبهم وتخصصاتهم وكلياتهم والذين لا نشكك ولا نسمح بالتشكيك في ولائهم لوطنهم واستعدادهم للتضحية من أجله وسعيهم الحثيث ومبادرتهم لرفع اسم الكويت في المحافل الدولية وأنهم للوطن من بعدنا يقودون مسيرة العطاء والبناء لكويت الغد هذا وحفظ الله الكويت وأميرها وشعبها من كل مكروه ، والله من وراء القصد يهدي السبل .
د.دلال فرحان العنزي
مناهج وطرق تدريس رياضيات – كلية التربية الأساسية