دراسة للدكتورة فاطمة السالم: خطاب الكراهية.. أزمة أخلاقية
القبس – شهد الشارع الكويتي في السنوات الاخيرة انتشارا موسعا لخطاب الكراهية في الاوساط السياسية وبين النشطاء، لاسيما مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت في حرية التعبير من جهة الا انها ادت الى ازدياد العنصرية والتطرف الفكري والاستقطاب من جهة اخرى، وهذا مثال لما جلبت لنا التكنولوجيا من فرص وتحديات.
وقد سجلت ادارة الجرائم الالكترونية قضيتين تختص بالكراهية منذ مطلع العام الحالي. ولعل من يراقب وسائل التواصل الاجتماعي يجد تحول اي تعليق او خبر سياسي او ديني الى نقاش طائفي مليء بالكراهية والشتائم. ولا يقتصر الأمر على الساحة السياسية، فقد طال خطاب الكراهية جميع فئات المجتمع ومنها المراهقون والذين يتعرضون للتعنيف و التنمر و ما يتسبب من مشكلات نفسية و اجتماعية.
ويجادل البعض ان مايحدث في وسائل التواصل الاجتماعي ماهو الا تعبير عن الرأي، لكن ماهي حدود حرية التعبير ومتى تتوقف حرية التعبير لتتحول من الحرية الى الكراهية، وماهي المعادلة بين حرية التعبير والحفاظ على الكرامة الانسانية.وماهي دوافع الاشخاص لتحقير وشتم الآخرين وكيف نواجه هذه الظاهرة؟ هل القوانين والتشريعات وحدها تكفي ؟
القبس تناقش في هذا التحليل ظاهرة انتشار خطاب الكراهية.
خصال شخصية
خطاب الكراهية هو اي نوع من التواصل الذي يسيء الى شخص او مجموعة بسبب خصال شخصية بهم او بسبب انتماءاتهم العرقية او الاثنية او الايدلوجية او الدينية، وقد بدأت تلك الظاهرة بالتفشي مع استخدام الانترنت، حيث يوفر مجالا مفتوحا وواسعا للتعبير حتى بدأ العديد من المتعصبين والمتطرفين استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الكراهية.
ويؤكد استاذ علم النفس في جامعة تيكساس اوستن د. ارت ماركمان ان انتشار الكراهية والعنف في الانترنت ظاهرة سلبية، فالتجربة النفسية التي يتخللها نزاع وتبادل احاديث عنيفة دون الوصول الى تسوية وحل لا يمكن ان تكون تجربة مفيدة وصحية.
شروط الاستخدام
وقد قام العديد من مواقع التواصل الاجتماعي بتقديم تعريف خطاب الكراهية على مواقعهم للحد من انتشاره ومنعه، فمن جانبه اكد موقع فيسبوك ان الكراهية هي اي محتوى يشمل التعدي على اشخاص بناء على عرقهم ودينهم وجنسهم وانتمائهم الوطني واعاقتهم ومرضهم.
من جانب آخر، لم يقم موقع تويتر بتقديم مفهوم واضح عن خطاب الكراهية، لكن الموقع يمنع نشر اي تهديدات صريحة ومباشرة بممارسة العنف تجاه الآخرين.
اما موقع يوتيوب فيؤكد بصريح العبارة منع نشر خطاب الكراهية، حيث يذكر ذلك في قسم شروط الاستخدام، وقام موقع البحث الشهير جوجل بنشر التحذير ذاته.
وبالرغم من تلك التحذيرات والشروط فان هناك العديد من المواقع الالكترونية التي تروج مثل هذا الخطاب، اضافة الى حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، واصبحت ظاهرة تهدد امن واستقرار المجتمعات، فطبيعة الانترنت المفتوحة والخالية من الرقابة المسبقة تسمح للجماعات المتطرفة فكريا بأن تمارس تطرفها على المجتمع كما تسمح للاشخاص العنصريين والمتعصبين ببث افكارهم وسهولة الوصول لجمهور مستهدف وفئات معينة كالسياسيين والمجموعات العرقية والدينية والليبرالية وفئات شبابية لاسيما مع امكانية التخفي وراء اسماء مستعارة مما يوفر لهم ضمان عدم المساءلة والحفاظ على السمعة والهوية.
التنافر الفكري
وقد سمح الانترنت بتلاقي اصحاب الفكر المتعصب والمتطرفين عبر المسافات وبأسماء وهمية وسهل عملية التواصل في ما بينهم بمبالغ زهيدة، وذلك بهدف الحشد والتجنيد لبث الكراهية تجاه فئات ومجموعات معينة. فطبيعة الانسان كما تؤكد نظرية التنافر الفكري لليون فسنجر تسعى دائما للتوافق الفكري وتبحث عن كل ما يتوافق مع ارائها ومعتقداتها لتقلل من حالات التنافر التي تحدث مع اي آراء متناقضة.
ويجد الاشخاص المتطرفون والمتعصبون والذين يودون نشر خطاب الكراهية ورسائل ازدراء وتحقير في وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت العديد من السبل منها التعليق في مواقع الاخبار وعادة ما تكون تعليقات لا علاقة لها بالخبر نفسه حتى بدأت العديد من الصحف فرض الرقابة المسبقة على التعليقات وقامت صحف اخرى ومنها صحف في الولايات المتحدة بالغاء تلك الخاصية بسبب الكراهية المنشورة.
وهناك ايضا مواقع نشر وترويج الصور ومقاطع الفيديو كاليوتيوب والانستغرام والتي يجد من خلالها الاشخاص المتطرفون ومن يود نشر خطاب الكراهية فرصة ذهبية لترويج افكارهم او التعليق على صور ومقاطع كل من يختلف معهم.
كما اصبحت مواقع التدوين كالمدونات والتويتر والفيسبوك مكانا لكل من يريد ان ينشر خطاب الكراهية ضد فئة معينة او عرق معين او جنسية او حتى شخص معين، حيث يجد هؤلاء وسيلة لشن الحملات المنظمة للتشويه والترويع والتهديد وكل ما يندرج تحت الارهاب الفكري، حيث يتم ترهيب كل من يختلف معهم.
وتتعرض الجماعات المهمشة والاقليات والنساء لحملات كراهية شنيعة، وذكرت صحيفة هفنغتن بوست في مقال عن خطاب الكراهية ان العديد من النساء يتعرضن لتهديد بالاغتصاب والعنف والايذاء النفسي بسبب ارائهن وانتماءاتهن او حتى بمجرد انهن نساء.
وزيرة الطفولة في النرويج
وهذا الارهاب الفكري له سلبيات كثيرة، فتؤكد وزيرة الطفولة والمساواة في النرويج سولفيج هورن ان خطاب الكراهية يؤدي للخوف والانسحاب من النقاش والمناظرات الاجتماعية، وهذا يؤدي للعزلة وحرمان المجتمع من اصحاب العقول المهمة.
خطوات المواجهة في مواقع التواصل الاجتماعي
ماهي الطريقة المثلى لمواجهة مثل هذا الخطاب في مواقع التواصل الاجتماعي.؟ و كيف يجب على السياسيين و المشاهير و الوزراء و نواب مجلس الامة و ممن يطرح رأيه على المنصات الالكترونية ان يواجه موجات الغضب و الكراهية و الشتام في بعض الاحيان؟
اولا: يؤكد دكتور علم النفس وصاحب كتاب شخصيتك الالكترونية الياس ابوجودة ان تويتر وفيس بوك قد تجلب الانتقاد والغضب بسبب وجود جمهور متأهب لمشاهدة الصراع و النزاع. فلا تقدم هذه المتعة للجمهور.
ثانيا: اذا كان الانتقاد او خطاب الكراهية موجه لك من قبل شخص مهم او يعني لك فلابد من توجيه خطاب مباشر له من خلال رسالة خاصة والاستفسار عن سبب ردة الفعل والانتقاد ومحاولة النقاش الودي اما اذا كان الفعل من باب الترفيه فاما حجب المستخدم او عدم الرد بتاتا.
ثالثا: في مقال نشر على موقع سي ان ان 2011 عن كيفية مواجهة الكراهية يؤكد الكاتب على ان من يمتلك موقع الكتروني او مدونه ان يقوم بفرض نوع من الرقابة على موقعه وهذا ينطبق ايضا على تويتر من خلال مراقبة ومسح التعليقات المسيئة لبعض الفئات والخطاب الغير لائق وهذا ما يسمى في الاعلام بنظرية (حارس البوابة).
رابعا: ان من اسباب توجيه خطاب الكراهية هو لجذب انتباه القاريء و الحصول على التفاعل فلا تقوم بالرد او التفاعل حتى لا تحقق لهم مبتغاهم فان الرد احيانا يؤدي الى القاء الضوء على الموضوع وتتفاقم حدة الكراهية في الخطاب.
الأسباب والدوافع
ما دافع الاشخاص من تحقير الاخرين؟ وما الدافع من التدوين بتغريدات تحتوي على خطاب الكراهية؟ وما سبب قيام بعض المتعصبين بسب وشتم كل من يختلف مع ارائهم؟ وما الذي يدفع اي شخص متطرف فكريا الى ازدراء افكار غيره ويصل احيانا الى القذف وتشويه السمعة؟
الغيرة..
حاول العديد من الباحثين والمتخصصين الوقوف على ابرز الاسباب ووجدوا ان اهم الاسباب هو الغيرة، وقد لا تكون الغيرة هنا بالمرضية ولكن البعض يشعر بعدم ارتياح وارتباك من اي شخص يتفوق عليه شهرة او فكرا او علما او معرفة وهذا يدفع الاشخاص للكتابة بطريقة سلبية مليئة بالكراهية بدافع الغيرة ولذلك نجد الكثير من التعليقات السلبية والسب والشتام وكل ما يندرج تحت خطاب الكراهية في حسابات الفنانين والمشاهير والمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي فما ان يقوم احدهم بنشر صورة شخصية الا وتنهال التعليقات المسيئة والتجريح الشخصي والتطاول الذي يصل احيانا الى افراد اسرته.
نظرية التنفيس
السبب الاخر للغضب في وسائل التواصل الاجتماعي والكراهية يرجع للتنفيس، وهي نظرية نفسية تؤكد ان مشاهدة العنف في وسائل الاعلام تساعد الاشخاص على التنفيس عن غضبهم وازالة مشاعر التوتر واذا طبقنا ذلك على الكراهية نجد ان ممارسة خطاب الكراهية في وسائل التواصل قد يكون نوعا من التنفيس وازالة مشاعر الغضب التي يشعر بها الشخص من ضغوطات الحياة.
وفي مقال نشر في مجلة العلوم الاميركية (ساينتفك اميركا) عن اسباب خطاب الكراهية في مواقع التواصل الاجتماعي فيؤكد الباحث ان الاشخاص يشعرون براحة اكثر للتعبير عن الغضب والسب والكراهية عندما يكونون بعيدين في المسافة لان البعد يزيل الكثير من العقبات والحواجز النفسية.
الكتابة أسهل
كما تشير الدراسات الى ان الاشخاص يشعرون براحة اكثر لممارسة التمرد والسب والشتم وبث الكراهية عبر الكتابة اكثر من التلفظ شفهيا.
حراك «الكنبة»
وهناك سبب جدلي لتزايد الكراهية وانتشار الخطاب العنيف في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ان الاشخاص يشعرون بالانجاز عندما يعنفون شخصا ما حتى وان كان انجازا سلبيا.
فيؤكد الخبراء ان حياتنا اصبحت سريعة وصاخبة ولا يوجد وقت للانجاز الفعلي فيبني الكثير من الاشخاص نشاطهم على ما يسمى بــ «حراك الكنبة».
الخطاب السياسي
ومن جانب اخر، يؤكد استاذ الصحافة والاخلاقيات في جامعة واشنطن د.ادوورد وسرمان ولي ان احد اسباب تفشي خطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي هو الخطاب السياسي في وسائل الاعلام ويؤكد وسرمان ان خطاب الكراهية والذي ينتشر في فترة الانتخابات الرئاسية عبر وسائل الاعلام بين المتنافسين والسياسيين هو احد اسباب انتقال العدوى الى عامة الشعب.
تشريعات وقوانين
للحد من خطاب الكراهية لابد من الوقوف عند التشريعات والقوانين التي تمنع مثل هذا النوع من الخطاب في المجتمعات والذي يهدد الامن القومي وترابط المجتمعات. فمثلا في الولايات المتحدة وتحت المادة الاولى من الدستور فان خطاب الكراهية ومهما بلغت حدته مكفول تحت بند حرية التعبير الا ان ومن المهم الاشارة اليه انه اذا اشتمل خطاب الكراهية على تهديد صريح وواضح موجه الى شخص او جماعة او جهة، فان ذلك يتوقف من كونه خطاب كراهية ويتحول الى جريمة. اما في المملكة المتحدة فهناك نص قانوني صريح يجرم خطاب الكراهية والعنصرية.
وفي الكويت، لم يكتف المشرع بنصوص قانون الجزاء التي تجرم السب والقذف وما قد ينطوي تحت مظلتها الازدراء وبث الفتنة وخطاب الكراهية، بل عمد بدوره إلى إصدار تشريع خاص بحماية الوحدة الوطنية، معتبرا إياه كذلك ضرورة ملحة واصدر عملا بذلك مرسوم قانون رقم 19 لسنة 2012 أثناء غياب مجلس الأمة.
بمقتضى مرسوم القانون المذكور امتد التجريم والعقاب يمتد بصفة عامة إلى الدعوة أو الحض بأي وسيلة من وسائل التعبير على كراهية أو ازدراء اي فئة من فئات المجتمع أو إثارة الفتن الطائفية أو القبيلة خطاب الكراهية، وذلك كله دون أن يقف فقط على ما يعد من قبيل السب والقذف بالمفهوم التقليدي. وبعد مرسوم قانون الوحدة الوطنية توالت عدد من التشريعات التي تؤكد على تجريم ما سبق ذكره بالإحالة اليه شأن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون الاعلام الالكتروني.
وعلى الرغم من اهمية التشريعات والقوانين التي تنظم المجتمع وتحمي الفئات المستهدفة، الا ان مكافحة خطاب الكراهية تتطلب مشاركة جميع افراد ومؤسسات الدولة. وتواجه الحكومة مشكلة اخلاقية اذ ما قررت فرض الرقابة والحد من خطاب الكراهية وتطبيق القانون بحذافيره وهي الخوف من الحد من حريات افراد المجتمع الا ان نيلز موزينك عضو لجنة حقوق الانسان في الاتحاد الاوروبي يؤكد ان لا علاقة بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، حيث ان خطاب الكراهية هو تعد واضح على حريات الاخرين وعلى الامن الوطني والسلامة العامة. ويضيف ان خطاب الكراهية ما هو الا تصريح لممارسة العنف.
توصيات مقترحة
لمكافة خطاب الكراهية في مواقع التواصل الاجتماعي لابد من الايمان بدور المجتمع وتعزيز الاخلاقيات العامة في التوعية من اضرار العنف والكراهية وهنا ياتي دور الحرية المسؤولة ونشر الثقافة العامة في المجتمع، ونقترح ما يلي كخطوات اولية:
– تحليل وتجميع التغريدات والتعليقات التي تحمل خطاب الكراهية لدراستها وفهم دوافعها.
– انشاء وحدات خاصة تابعة للدولة للمتابعة والدراسة وتقديم الحلول.
– نشر ثقافة التسامح في الخطاب الديني.
– نشر ثقافة التعددية الفكرية في المدارس والجامعات من خلال المناظرات والندوات المفتوحة.
– نشر ثقافة قبول الاخر والتعددية الدينية والمذهبية والفكرية.
– مناقشة الامر مع الاطفال والمراهقين في المدارس.
– مراقبة تصرفاتنا امام الاطفال.
– مراقبة حديثنا في الزيارات العائلية.
– ادماج الاقليات في المجتمع.