كتاب أكاديميا

كوب رمان كتبت : د.غنيمة الحيدر

  

دخلت علي في حجرتي كالعادة منذ خمسة وأربعون عام، وهذا أيضاً ما اعتدت عليه، فقط اعبر الشارع بلا موعد أو تلفون يحدد موعد الزيارة. البيت واحد والنفوس طيبة والبيوت عامرة بكل خير. نعم، أهل الكويت أهل حشيمة وكرامة وكل بيت كويتي بيت مضياف للأهل والجيرة والصحبة، حتى لو تباعدت الدروب لا تتباعد القلوب.
دخلت حبيبتي الوفية سعاد والسعد منها، ولو أقول عنها لقلت وردة وعبيرها منها، دخلت بيدها كوب مُغطى وتقول لي قبل السلام: “أعلم أنك تحبين الرمان فوجدت الأهل فاتين الرمان فوضعت لك منه نقصة، وأحببت أن تأكلي منه”. كشفت غطاءه، إذ أن طعم الإحساس والمودة وحمله بين يديها يفوق طعم العسل بفمي. 
أطعمك الله ووالديك وأهل بيتك من ثمار الجنة وجميع أهلي ووطني الغالين أهل الكويت، كم هو إحساس رائع وشعور في غاية الشفافية عندما يتذكرك جيرانك فيما تحب، كما أن حقوق الجار هي من الحقوق العظيمة التي يجب علينا جميعاً أن نلتزم بها ونراعيها في كل الأحوال؛ وقد أكدت الأحاديث النبوية الشريفة والأحاديث المنقولة عن حقوق الجار إلى أبعد الحدود، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه”.    
‎كما أن الدين الإسلامي جاء لتحسين حياة البشر وتعزيز روح التعاون والمساعدة بين الناس، ولا سيما بين الجيران، وجعل المحبة والتفاهم والصفاء تسود فيما بينهم، وعلى هذا الأساس فإن الإسلام أقر بعض الواجبات والوظائف التي يجب أن نلتزم بها ونطبقها تجاه جيراننا، ومن جملتها تلك التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال في حقوق الجار: “إن استغاثك أغثه، وإن استقرضك أقرضه، وإن أفتقر عدت إليه، وإن أصابه خير هناته، وإن مرض عدته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن مات تبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فأهدها له، وإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك فيغيظ بها ولده، ولا تؤذه بريح قدرك إلا ان تغرف له منها”.
أما حق جارك فحفظه غائباً، وإكرامه شاهداً، ونصرته إذا كان مظلوماً، ولا تتبع له عورة فإن علمت عليه سوء سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه عند شديدة وتقيل عثرته وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرة كريمة. 
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأ صحابه يوماً: “ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع”، فقلنا: “هلكنا يا رسول الله!” فقال: “من فضل طعامكم ومن فضل تمركم وورقكم وخلقكم وخرقكم تطفئون بها غضب الرب”. 
نسأله تعالى أن يوفقنا من خلال تطبيق تعاليمه السمحاء والعمل بتوجيهات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، لجعل روح التعاون تسود العلاقات فيما بيننا، ولكي تصبح حياتنا وحياة كل الذين يعيشون معنا وتربطهم بنا روابط سعيدة مليئة بالنشاط والحيوية، حيث أن حسن التعامل مع من تحب من الجيرة الطيبة يجعلك تحس بالأمن والأمان.
أسعد الله جيراني، فإنهم نعم الأهل والصحبة، أهل الكويت الطيبين. اكسرو حواجز الانشغال وضيق الوقت، والحياة لهو وكبد، اسألو عن جيرانكم تواصلوا معهم، شاركوهم الأفراح والأتراح، واعملوا بوصية سيد الخلق عليه أشرف الصلاة والسلام. ولله الحمد والشكر أن لديه سبع خوات، لطيفة الحبيبة عين البيت الكبير ويدربه العقل المدبر، وأديبة الرزينة، وصبيحة الحنونه، وسعاد أم الوصل والطيبة، ورجاء السنع والمنع التي تشرب أحلى قهوة من يديها، ويسرى السماحة والحبابة. 
أحلى جيرة بيت حمد رجب العبدالهادي، الله يهدي كل أهل الوطن ويسيرون على جيرانهم ويتواصلون معهم، ولنعيد أجمل ماضي عاش به الأجداد والوالدين رحمهم الله. شكراً سعاد بعدد حبات الرمان التي في كل جمعيات الكويت يمني، هندي، حامض، حلو، أم عسل مثلك، لكم كل الحب. 
بقلم:

د. غنيمة محمد العثمان الحيدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock