تحقيق الوزير في شهادات التطبيقي! بقلم د. إقبال الشايجي
عاهدت نفسي بألا أتحدث في موضوع الشهادات المضروبة مرة أخرى لأنني اكتفيت بما قلت في آخر مقال، ولأنني سئمت قراءة المستنكرين منها ومن “مدى تفشي حاملي هذه الشهادات وتأثيرهم على حسن سير العملية التعليمية”، ولسان حالي يقول: “ما الجديد؟! ففاقد الشيء لا يُعطيه ، ومن أمن العقوبة وجهّز الواسطة، أساء الأدب (نقطة)”. إلا أن خبر تحقيق وزير التربية في الموضوع أغضبني في البداية، ثم سلّاني 🙂 كالعادة في الإعلام، كل شيء يبدأ بفتيل صغير (عدم رد أغلب أعضاء هيئة التدريس في التطبيقي على كتاب المدير العام بطلب نسخ أطروحات الدكتوراه)، وانتهى بزوبعة إعلامية واتهامات على أعلى مستوى لكل دكاترة التطبيقي، وأخيرًا (وتحت الضغط الإعلامي) صرح وزير التربية د. بدر العيسى بأنه سيقوم بالتحقيق مع “300” دكتور في التطبيقي لم يسلموا أطروحات التخرج “إلى الإدارة المعنية”، حيث “العشرات” منهم تدور حول شهاداتهم شبهة التزوير (فبدل التحقيق مع العشرات المعنية.. سنحقق مع مئات؟). في الحقيقة، لا أعلم مدى صحة هذا الخبر، وغير واضح فيه إن كان المقصود بتهمة “عدم تسليم الأطروحات” إلى “الإدارة المعنية” هو للمكاتب الثقافية أو للهيئة، ولكن لنمشِ مع الركب، ونهوِّل الحقائق! ولمَ لا؟ فالوزير والأمة فعلوها قبلنا، لربما يصل صوتنا للوزير كمعترضين على الأوضاع كما وصلت أصوات “المُهوّلين”.إن كان المقصود بالإدارة المعنية لجهة التسليم هو المكتب الثقافي ، وسيحقق الوزير مع أعضاء هيئة التدريس بدل محاسبة المكاتب الثقافية لتقصيرها في أداء مهامها؟ فهي مصيبة! إنه تصريحٌ واضح من الوزير بأنه لن يتم محاسبة أي مسؤول مقصرٌ في أداء واجبه! وإنما (كحال الكويت دائمًا) نمسك المتهم الصغير (على اعتبار أن الـ300 عضو متهمون حتى تثبت براءتهم)، لكي نقول للشعب: “أتقنا عملنا في حمايتكم وخدمتكم”، ونترك المتهم الكبير والأكبر. فإن كان الأمر بيدي، لحققت مع الوزير نفسه!أما إن كان المقصود بالإدارة المعنية هي الهيئة، فإن الوزير لم يترك المسؤولين الكبار فقط، بل “اشتط” بالتحقيق مع أناس قد تكون تهمتهم الحقيقية هي عدم العلم أو لربما الإنشغال، وترك التحقيق الأهم في المكاتب المنتشرة في الكويت والتي تتاجر بالشهادات والأبحاث علنًا دون حسيبٍ أو رقيب،! وترك التحقيق مع لجان التعيين التي عينت حملة شهادات غير معترفٍ بها أو مشكوك في أمرها! بل وترك التحقيق مع من لم يؤدي مهمته في التحقق من شهادات موظفيه وحصَر المشبوهين منهم، وسكتَ عندما حُصر اتهامهم في ردة فعلهم تجاه كتاب رسمي.خسارة! وددت لو لم أسلم نسخة رسالتي الدكتوراه، كنت أريد أن أعرف كيف سيتم التحقيق معي حينها :)ولن أتحدث عن دور الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم ، ليس لأنه حديث العهد على الساحة فقط ، بل لأن وزير التربية كان قد أصدر قرارًا يمنع فيه الجهاز من مخاطبة المكاتب الثقافية واقتصار المخطابات على التعليم العالي.بيني وبينكم، ولكي أصدقكم القول، أعتقد والله أعلم أن تعميم الهيئة لطلب نسخ رسائل الدكتوراه كان محاولة مبطنة للوقوف على حقيقة الإدعاءات بأن الكثير من الكويتيين قد قاموا بشراء شهادات الماجستير والدكتوراه ، وإلا لمَ تم طلب نسخ الأطروحات فقط بحجة الاستعانة بأعضاء هيئة التدريس كمتخصصين في مجالاتهم ولم تُطلب الأبحاث التي قاموا بها بعد التخرج؟! الله أعلم.على أية حال، لنخرج من الصندوق وننظر للصورة الأكبر. المسألة ليست مقتصرة أبدًا على حملة الشهادات المزورة، فهم “طرف ذيل الحيوان الأكبر المختفي خلف الحائط”.. فهذا الطرف الذي يشبه الأفعى ما هو إلا جزء بسيط من مصيبة أكبر هي سوء الرقابة وتفشي الفساد والتنصّل من المسؤولية.ولن نعفي المجتمع من بعض تلك المسؤولية، فتمجيده لأصحاب “الدال” هو أحد أسباب رغبة المزورين في الحصول على اللقب بسهولة والذي يصاحبه طبعًا المميزات المالية.. ولكن هذا ليس من شأن الوزير وتحقيقه حاليًا.فإن أراد الوزير فعلاً فعلاً معرفة ذوي الشهادات المضروبة ومحاسبتهم ، والأهم، محاسبة المسؤول عن توظيفهم، وليس مجرد رمي دكاترة مؤسسة كاملة بالاتهامات بسبب خبر عقيم في صحيفة لا تملك سعر الورق، فليشكل لجنة (فنحن بطبيعتنا الكويتية نحب تشكيل اللجان) ولنبدأ بالتطبيقي (ما عندنا مانع)، ويكون مهمة اللجنة حصر أعداد هيئة التدريس في التطبيقي والجامعات التي تخرجوا منها وتخصصاتهم..(على أن تتكفل إدارة البعثات وشؤون أعضاء هيئة التدريس والتدريب بهذا الشأن ، وإن لم تتوفر هذه المعلومات في الهيئة (أشك بذلك، فهي موجودة في النظام المتكامل للخدمة المدنية)، فسنكون كأعضاء هيئة تدريس متعاونين، في غاية السرور لتزويدكم (اللجنة وليس الأمة) بهذه المعلومات من كل قسم وكلية، علمًا بأننا زودنا بها القطاع مرارًا وتكرارًا.) .. ثم تتأكد اللجنة من “الشبكة العنكبوتية” (كبداية سهلة) ومن المكاتب الثقافية من جامعات أعضاء هيئة التدريس وأطروحاتهم فيها وتقارنها بقوائم التعليم العالي للجامعات المعتمدة ، حتى أنه يمكن الآن الحصول على نسخة رسائل الدكتوراه والماجستير “أونلاين” من مواقع الجامعات في أغلب الدول.طبعًا هذا هو الطريق الطويل، وليس طريق “الرد على كتاب”، ولكنه الأصح. وبعدها ستظهر علامات الاستفهام الحقيقية والتي يجب أن يؤخذ فيها ردة فعل، تبدأ بالتحقيق مع المعنيين وتنتهي بالفصل إن ثبتت تهمة التزوير، ومعاقبة المسؤولين عنها، من لجان تعيين وغيرهم من مقصرين في أداء واجبهم. ونترك بذلك أعضاء هيئة التدريس “المعتمدين” للعمل والإنتاج (ولربما لشراء البحوث، فالمكاتب موجودة وهذه اللجنة لا شأن لها بهم! وحينها يصبح كل دكاترة التطبيقي يشترون أبحاثهم، “وصبّوا حقنا لبن!”).طبعًا هذا كله تطبيقه سهل في المدينة الفاضلة، والكويت مدينة فقط. وقد كان من الممكن تفادي هذا كله لو كانت الرقابة أشد، والجزاء والعقاب واضحين ومُطبقين، وفعلاً مخافة الله ومصلحة الوطن هما الدافع للعمل، ولكن حرف الدال عندنا أعظم والحصول عليه أسهل.**تحديثعند كتابة هذا المقال قرأت بأن المدير العام للهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وبعد الاجتماع مع الوزير “سوف يشكل لجنة للنظر في الشهادات وسوف يصدر تقرير عام بهذا الشأن”.بانتظار آلية عمل اللجنة والتقرير وهذا الميدان يا حميدان :)ولرُبّ ضارةٍ (فضيحة) نافعة.بقلم/ د. إقبال الشايجي