وطن التسامح | كتب : د. محمد الشريكة
قديما وحديثا، كتابة وقولا، قلنا ونقول: الوطن للجميع وليس لفئة دون أخرى.
بالكويت سادت لغة التعايش منذ نشأة الدولة الحديثة وقبل ذلك بكثير، واتسم الشعب الكويتي ومنذ القدم بالتسامح وتقبل الأخرى مهما كانت الفوارق.
قديما كان السني يتزوج الشيعية والشيعي يتزوج السنية، ولم تحل الفوارق المذهبية بين هذه الزيجات.
إذن ماذا حدث حتى يكون المجتمع المتسامح، المنفتح بهذا النفور بين أبنائه؟ مثل هذه السلوكيات ـ وللأسف ـ نلاحظها بوسائل التواصل الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد، وصل الأمر إلى أن يتبرع احدهم لعمل مقاطع تهكم طائفية، والآخر يترصد الفئات الأخرى بالرد والنقاش والتشهير منذ 2009 تحديدا، كان التأجيج الطائفي ذا وتيرة منخفضة، وكان التراشق المذهبي يتم بالخفاء وذلك بسبب ضعف الرقابة وقصور التشريع.
واستمر هذا السلوك حتى قيام الثورة السورية، والتي كانت عاملا رئيسيا في التناحر المذهبي وركبت القنوات الإعلامية حصان التأجيج الطائفي.
ومارس المتعاطفون مع الشعب السوري من المشاهير دورا محوريا في التنافر المذهبي.
إن مثل هذه السلوكيات والتمادي فيها دليل واضح على التهاون وعدم الاعتراف بالخطر المحدق بالمجتمع.
وبعد التفجير الإرهابي لمسجد الأمام الصادق وما أحدثه هذا الإجرام من مشاعر حزن وأسى في أوساط المجتمع الكويتي تبادرت للأذهان خطورة غياب القيم الإنسانية وخطورة غياب لغة التعايش، وهذه المخاطر تمثل تحديات حقيقية للمؤسسات الحكومية والمجتمعية، لذا لابد من تطوير مشروع وطني واستراتيجية وطنية تركز على القيم الإنسانية والتعايش المجتمعي.
ولا بد من أن تباشر السلطات المعنية بالكويت بإجراءات وقائية لتحافظ على النسيج الاجتماعي وتعزز القيم البشرية والوسطية ورفض الإقصاء.
إن العنف رحلة تبدأ بالاستخفاف بالقيم الإنسانية وتنتهي بالاعتداء على الآخر.
وما بين المرحلتين التأجيج والرفض والإقصاء، ويجب أن ندرك بشكل واضح أن العنف والإرهاب بحقيقته سلوك بشري يتطلب معالجات وتعديلات سلوكية مقننة.
ومثل هذه المعالجات تحتاج تعاونا إقليميا ودوليا لتبادل المعلومات والاستفادة من الدراسات والأبحاث العلمية التي رصدت هذه الجماعات الإرهابية وحللت سلوكياتها ومنطلقاتها العقدية.
كما نحتاج ان يكون هناك دعم واضح للأعمال التطوعية والمجتمعية التي تصب في اتجاه تعزيز ثقافة التسامح والقبول للاختلاف.
وأخيرا نتضرع للعلي القدير بأن يحفظ الكويت وأهلها من كل مكروه وأن تسود لغة القبول والتعايش الإنساني بين جنبات هذا الوطن الطيب.
dralsharija@