علامات تحذيرية تنبهك من احتمال قيامك بالتدمير الذاتي فكيف تتغلب عليه؟
يسعى الفرد بفطرته إلى الحفاظ على ذاته وبلوغ الأفضل دائما. ويُجيد كثيرون معرفة ذواتهم وفهمها والوصول بها إلى الأهداف المنشودة، وهذا ما يسمى “تحقيق الذات”. في المقابل، وعلى العكس من ذلك تماما، يسعى بعض الناس -بوعي أو من دون وعي- إلى تخريب ذواتهم.
وتخريب الذات يعني اعتناق الأفكار أو الإحساس بالمشاعر أو ممارسة السلوكيات التي تودي بنا إلى الوقوع في المشكلات، أو تقف حائلا بيننا وبين تحقيق أهدافنا، سواء على مستوى العمل أو العلاقات أو حتى الصحة. هذا ما تؤكده الباحثة والمستشارة الاجتماعية الدكتورة فاديا إبراهيم.
وتوضح المستشارة الاجتماعية أن هناك كثيرا من الطرق التي تؤدي إلى تخريب ذواتنا، وأهمها وأخطرها الحالة الشعورية أو الحسيّة، كالشعور باليأس والإحباط الذي ينعكس سلبا على أفكارنا، فتصبح سلبية وسوداوية، ما ينتج عنها سلوكيات مؤذية لذاتنا. وكذلك، بقية المشاعر السلبية، كالاكتئاب والتوتر والقلق، لها التأثير ذاته.
كما تؤذينا الأفكار السلبية والسامة والمحبطة عن أنفسنا، والتي قد تتشكل من عوامل داخلية لدينا أو عوامل خارجية كانطباع يتركه الآخرون لدينا، مثل تلك التي يتركها الأهل لدى أولادهم أو بعض الأزواج لدى زوجاتهم أو العكس، فنرى أنفسنا أشخاصا فاشلين في الحياة.
وكذلك، تُعد السلوكيات الضارة والمُسيئة لذواتنا من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى تخريب ذواتنا، مثل الكسل ومصاحبة الأشخاص السلبيين، وعدم التعلم أو تطوير الذات باستمرار، وإهمال الصحة، وعدم السعي وقلة المحاولة من أجل الوصول إلى الأهداف، وكذلك إضاعة الفرص وعدم المحاولة والتجريب.
ماهي أعراض التخريب الذاتي؟
يمكن أن تكون علامات التخريب الذاتي خفية للغاية، لكنّ علماء النفس استطاعوا حصرها في الأعراض التالية:
● رفض طلب المساعدة.
● السيطرة أو الإدارة الدقيقة للسلوك.
● إثارة الشجار أو بدء الخلافات مع الزملاء والأحباء.
● تحديد أهداف منخفضة جدًا أو عالية جدًا ثم تقويضها.
● التجنب أو الانسحاب من العلاقات.
● الحديث السلبي عن النفس والنقد الذاتي الشديد.
● اختلاق الأعذار أو إلقاء اللوم.
● الإدمان بكافة أشكاله.
● عدم الرغبة في التحدث عن النفس.
الاعتراف بالمرحلة
تقول الدكتورة فاديا إبراهيم “بصرف النظر عن العوامل أو الطرق التي وصلنا بها إلى تخريب ذواتنا، فإن المهم هو كيف نوقف التخريب الذاتي الذي نمر به أو نعيشه”، وترى أن ذلك يكون بفهم المرحلة التي وصلنا إليها والاعتراف بها والنية والسعي الجاد إلى إنقاذ الذات.
وتوضح أن ذلك يتم من خلال الثقة التامة بالنفس والإيمان بالقدرة على التغيير نحو الأفضل، والبدء بحل مشكلاتنا والتخلّص من كل العوائق التي تَحول دون تحقيق أهدافنا، والابتعاد عن الاشخاص السلبيين والسلوكيات السلبية التي كنا نقوم بها، والتعلم من قصص النجاح والتجارب الناجحة والملهمة.
إضافة إلى ذلك، لا بد من طلب المساعدة إذا لزم الأمر من الأهل أو الأصدقاء، أو اللجوء إلى متخصصين نفسيين واجتماعيين إن أمكن، والبدء فورا بوضع الأهداف والعمل على تحقيقها، مع تغيير الأساليب والطرق القديمة التي لم توصلنا إلى أهدافنا ولم نجد من خلالها ما كنا نسعى إليه، واتباع أسلوب التجديد والتغيير كأسلوب حياة والسعي دائما إلى التطوير والتقدّم والتعلّم.
مراجعة الذات
من جانبها، ترى المستشارة النفسية الدكتورة عصمت حوسو أن هنالك أشخاصا لا يمكنهم التمييز بين التخريب الذاتي ومراجعة الذات (التقييم الذاتي)، وغالبية من يمارس التخريب الذاتي لديهم أسباب مرتبطة بتدنّي الثقة بالنفس واحترام الذات منذ الطفولة، مثل التعرّض للتنمر، أو مشكلات تتعلق بالتربية والتنشئة.
وترى حوسو أن هذا يعني مواقفَ متراكمة تُضعف أدوات الشخص، فينشأ لا يحب ذاته، وقد يصل إلى درجة كره نفسه، فيواجه نفسه والآخرين ضمن هذه الحالة.
وتجزم بأن سلوك الفرد مع الآخرين هو انعكاس لسلوكه مع نفسه، فإذا كان محبا للناس فإنه محب لذاته، وإذا كان مؤذيا لمن حوله فإنه مؤذٍ لنفسه بالدرجة الأولى. ومن شأن تراكم ذلك أن يقود الشخص إلى أن يصبح “سايكوباث” (معتل نفسيا)، وبالتالي يؤذي الآخرين، بل يصبح هذا هو أساس علاقته مع الآخرين، ويتضمن الإيذاء والحسد والغيرة والحقد والكره، بدلا من الحب والخير والطيبة.
وتوضح حوسو أن مراجعة الذات تختلف تماما عن التخريب الذاتي. وثمة مَن يخلط بينهما، فالأولى تتميز بأن الفرد يسعى إلى تصفية حساباته مع نفسه، ويتعلّم من أخطائه في آخر كل يوم أو أسبوع، أو كلما واجه مشكلة ما. فيجلس مع نفسه ويراجع سلوكه وأخطاءه ودوره في وقوع خطأ ما، وما حجمه، ثم يفكر في كيفية إصلاحه وعدم تكراره. وهذا سلوك إيجابي يحقق للفرد توازنا نفسيا وصحة نفسية عالية، فضلا عن شعور بسلام ذاتي مع نفسه يكون أساسه الخير والحب للذات وللآخرين أكثر من الشر.
في المقابل، فإن الشخص المدمّر لذاته يكرّر سلوكياته دائما، ولا يتعلم من أخطائه، بل يلعب دور الضحية ويلقي اللوم على الآخرين، وبالتالي، فإن التدمير الذاتي يؤذي صحة الفرد النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية، وفق حوسو التي تلفت إلى وجود مؤشرات كثيرة لسلوك تخريب الذات (أو تدميرها) يمكننا القياس عليها وإصلاحها. وبالتالي، يمكن للمحيطين بالشخص “المدمر لذاته” ملاحظة ذلك، والتقرب منه والإصغاء إليه ونصحه. وحتى إن وصل الفرد إلى مرحلة متأخّرة، يمكنه طلب المساعدة والاتجاه إلى العلاج، إذ يمكن تعديل هذا السلوك الخاطئ الذي يراه مراجعة للذات، في حين هو تدمير لها.
وقف التخريب الذاتي
وحول كيفية وقف التخريب الذاتي، نشر موقع “سيكولوجي توداي” بعض الطرق لتحقيق ذلك، منها:
- اعرف نفسك: لمحاربة التخريب الذاتي، من المهم معرفة المحفّزات الخاصة بك وتحديد السلوكيات التي تخرّب ذاتك. قد ترغب في قضاء بعض الوقت في التفكير. لذا، ابحث عن المجالات التي تسير فيها الأمور بشكل خاطئ والتي ترغب في تحقيق مزيد من النجاح فيها.
- اليقظة: عندما تركّز وعيك بطريقة إيجابية على بعض المحفّزات أو السلوكيات التي تؤدي إلى تخريب الذات، لا يمكنك فقط معرفة المزيد عن نفسك، ولكن أيضا توليد مزيد من الفهم الذاتي.
- التعاطف مع الذات: تشير الدراسات إلى أن التعاطف مع الذات يرتبط بالسعادة والحكمة والمرونة العاطفية، عندما تتدرّب على التعاطف مع الذات، يمكنك بسهولة الانتقال من حيث أنت الآن إلى حيث تريد أن تكون.
- القبول: يمكنك تجربة ممارسة القبول بقول أشياء مثل “ما حدث في الماضي لا يمكن تغييره.. يمكنني أن أتفاعل بشكل مختلف الآن”.
- كن أكثر راحة مع الإخفاق: قد يأتي التخريب الذاتي من الخوف من الإخفاق أو الرفض، ما قد يجعلك تتجنب تجربة الأشياء الصعبة. إذا لم تحاول، فلن تخفق. وفي هذا الحالة، أنت تخرّب نفسك من دون وعي. على سبيل المثال، في علاقة جديدة وسعيدة، قد تميل إلى الاعتقاد بأنها مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ الأمور في التدهور، لذلك تبدأ القيام بأشياء تؤدي إلى التوتر، مثل الشّجار أو الغضب.