كتاب أكاديميا

تنقيح المناهج لا العقائد

ا.  د.  عبداللطيف بن نخيجريدة اكاديميا

اللقاء الصحافي الذي أجرته ونشرته إحدى الصحف الكويتية مع وزير التربية يستحق التوقف عنده لتقييمه لأسباب واعتبارات عدة، منها ما تضمنه اللقاء من تصريحات حساسة في مواضيعها ومفرداتها وما تبعه من هزات ارتدادية إعلامية بأبعادها السياسية والاجتماعية والدينية. وسأتطرق في مقالي لجزئية واحدة من الحدث الأكاديمي، وهي تلك المرتبطة بمحور علاقة المناهج الدراسية بالوحدة الوطنية وتوجه وزارة التربية لتنقية مناهج التربية الإسلامية.

الدورة الطبيعية لاستحداث أو تطوير البرامج أو المناهج الدراسية تبدأ من واقع المجتمع بأولوياته واحتياجاته. يتعاطى التربويون مع ذلك الواقع كمادة خام في عملية انتاج الأهداف التربوية، بمختلف تصنيفاتها، والتي بدورها تعتبر محور صياغة المناهج وكتابتها. المواضيع المشمولة في المناهج يجب أن تكون مرتبطة بهدف تربوي أو أكثر ولا يجوز أن تتعارض مع أي من الأهداف التربوية المعلنة، كما يجب أن يعيها ويراعيها كل من يشارك في استحداث وتقديم وتقييم وتطوير المناهج، ويجب أن تكون حاضرة في المدارس بفصولها ومكاتبها وساحاتها ولدى المعلمين في تدريسهم وسلوكهم وعلاقاتهم. لذلك المدرس، كالمنهج الدراسي، يحتاج لإعادة تأهيله بالأهداف التربوية كلما تغير الجيل المتعلم أو بيئته وإن استمرت تلك الأهداف من غير تغيير.

الحالة الطائفية في المجتمع موثقة لا يختلف على وجودها اثنان وإن اختلفا في تحديد درجتها وأسبابها. والكويتيون متفقون بأنها مستمرة منذ سنوات وإن تباينوا في تاريخ نشأتها، والأكاديميون يجمعون بأن التعليم إحدى المصحات التخصصية لاحتواء تلك الآفة واجتثاثها وإن تفرقوا في تقدير الآثار السلبية لمناهجنا ودورها في خلق الفتنة ودوامها، لذلك أدعوك لمشاركتي في تقييم مناهج التعليم العام وفق أحد الاهداف التربوية للتعليم العام وهو «تقوية روابط التضامن والإخاء وروح الأسرة الواحدة بين أبناء الوطن، والتخلص من أي تعصب يرجع إلى المذهبية أو الإقليمية أو القبلية أو الطبقية». أتساءل هل في مناهجنا ما يتعارض مع هذا الهدف ولذلك يجب إزالته؟

خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة حضرت العديد من الندوات التي تعرضت للمناهج وتهديدها للنسيج الوطني. حاضر فيها وحضرها فسيفساء من شرائح المجتمع، وتمت الإشارة فيها إلى أمثلة عدة صريحة لإباحة دم ومال شرائح من المجتمع الكويتي. لست بصدد التقييم العقدي للموضوع لأنني لست مؤهلا لذلك ولا أرى صفحات المقالات بيئة مناسبة لذلك الغرض التخصصي. ولكنني أبحث عن إجابة لسؤال محدد وهو هل تدريس ما يبيح دم ومال كويتيين يتعارض مع الهدف التربوي الذي ذكرته.

كيف ستكون العلاقة بين طالبين كويتيين أحدهما يبيح مال ودم الآخر وفق المنهج الدراسي؟، وكيف ستكون علاقة الطالب بمدرسته التي تصنفه مناهجها مشركا مباحا دمه وماله؟، أليس التعارض صارخا بين هذه المواضيع والهدف التربوي؟، لماذا لا تلغى هذه الدروس أو تطور لتشمل عرض حجة الطرف المقابل وأدلته من القرآن والسنة على جواز ممارساته؟، ألا تستدعي المستجدات الإقليمية تحويل تلك الدروس من خطابات كراهية وازدراء معتقدات الغير من المواطنين إلى مواضيع معرفية تعزز اللحمة الوطنية؟

لا أريد أن أربط بين من شارك من طلبتنا السابقين في القتل على الهوية الطائفية وبين مناهجنا بعلاقة سببية، ولكنني أسعى لتأكيد الحاجة لتطوير مناهجنا الدراسية لتواكب ضرورات مواجهة الحالة الطائفية في المنطقة وحماية مجتمعنا منها، لابد من التأكيد هنا بأن المقصود هو «تنقيح المناهج الدراسية وليس العقائد الدينية». نحن متفقون في أن المسلمين افترقوا على 73 فرقة كلها في النار إلا واحدة، وكل جماعة ترى بأنها هي الفرقة الناجية. ومن حق كل فرد، بما يمتلك من أمهات كتب وتراث إسلامي، أن يعتقد بأنه من الفرقة الناجية وله أن يرى بأن الآخرين في النار. وليس لوزارة التربية حرمانه من حقه الدستوري في حرية الاعتقاد، طالما البعد العقدي للأفراد لم يخترق حدود «ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» ولا «لكم دينكم ولي دين». ولكن إن كانت المناهج تنمي ثقافة القصاص على يد أفراد وبفتوى من مشايخ ضمن كيان مستقل عن الدولة، فهذا الوضع يستوجب تدخل الحكومة وفي مقدمتها وزارة التربية لتنقيح المناهج.

نحن في ألفية تنبذ التطرف والعنف وتصون الحريات والحقوق.. عليك بالموعظة والقدوة الحسنة إن أردت أن تهدي الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock