إذا كنت تبحث عن السعادة.. فكّر كرجل عجوز
دراسة أظهرت أن كبار السن أقل عرضة من الشباب للشعور بالغضب والقلق في حياتهم اليومية
يقولون إنه إذا أردت أن تعيش سعيداً وأقل توتراً وبعيداً عن القلق والاكتئاب عليك أن تفكر مثل رجل عجوز، فقد توصلت العديد من الدراسات لنفس النتائج تقريباً وهي أنه على الرغم من فقدان كبار السن لوظائف الجسم وتدهور الصحة المعرفية فإنهم يكونون أكثر سعادة مقارنة بالشباب وصغار السن، ولكن هل تعرف السر وراء ذلك؟
يكمن السر فيما توصلت إليه الدراسات من أن كبار السن يقل لديهم القلق والاكتئاب والغضب بسبب زيادة “القبول” لمشاعرهم السلبية، إضافة للخبرة والحكمة في التعامل مع المشكلات، وعدم قلقهم بشأن المستقبل لأن آفاقهم الزمنية أصبحت أقصر مما ينعكس في النهاية على أهدافهم في الحياة.
دراسات كثيرة ورأي واحد
في دراسة أشرف عليها الدكتور ديليب جيستي، الطبيب النفسي للمسنين ونُشرت في مجلة الطب النفسي السريري، قام باحثون بتقييم 3 عوامل رئيسية لدى البالغين عبر فترات حياتهم وهي صحتهم الجسدية والصحة المعرفية والصحة العقلية، ووجدوا أن كبار السن يتمتعون بصحة نفسية أفضل من الشباب.
ووجد الباحثون أيضا بعد تحليل البيانات التي تم جمعها من عينة عشوائية من 1546 شخصا تتراوح أعمارهم بين 21 و99 عاما في سان دييغو أن الشباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر سجلوا أدنى درجات في مقاييس الرفاه النفسي لجميع الفئات العمرية في الدراسة والتي شملت أشخاصا تتراوح أعمارهم بين 21 و99 عاما.
وعلى الرغم من أن الدراسة أظهرت أن الأشخاص يعانون من تدهور في كل من صحتهم الجسدية ومهارات التفكير لديهم مع تقدمهم في العمر فإن الشيخوخة ارتبطت أيضا بصحة عقلية أفضل وسعادة كبرى ورضا أكبر عن الحياة وشعورا أفضل بالرفاهية.
بالإضافة إلى ذلك، كان التقدم في السن مرتبطا بقلق وتوتر أقل وانخفاض خطر الإصابة بالاكتئاب.
يقول جيستي، المؤلف الرئيسي للدراسة، لموقع “لايف ساينس” (Livescience) العلمي إنه غالبا ما يُنظر إلى الشيخوخة على أنها فترة من الكآبة والعذاب ووقت تدهور الصحة الجسدية والسعادة والرفاهية. ومع ذلك فإن نتائج دراسته تشير إلى غير ذلك فالشيخوخة يمكن أن تكون غالبا فترة من الرضا والسعادة.
في دراسة أخرى نشرت في 12 سبتمبر/أيلول 2022 في علم النفس والشيخوخة، وجد باحثون في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا سان دييغو أن كبار السن الأصحاء يظهرون رفاهية عقلية كبرى وأداء إدراكيا أضعف مقارنة بالبالغين الأصغر سنا.
اعتمدت الدراسة على عينة قوامها 62 شخصا من البالغين الأصحاء الأصغر سنا في العشرينيات من العمر و54 من كبار السن الأصحاء فوق سن الستين. وقام الباحثون بتقييم الصحة العقلية للمشاركين ومسح أعراض القلق والاكتئاب والوحدة والصحة العقلية بشكل عام، وأظهرت النتائج أعراضا من القلق والاكتئاب والوحدة لدى الشباب مقارنة بكبار السن.
لماذا يشعر كبار السن بالسعادة؟
في دراسة أخرى، كان كبار السن أقل عرضة من البالغين الأصغر للشعور بالغضب والقلق في حياتهم اليومية وكذلك عندما طُلب منهم أداء مهمة مرهقة.
كما سجل كبار السن درجات أعلى في اختبار مصمم لقياس مدى تقبل المشاركين لمشاعرهم السلبية. ويطلق الباحثون على هذه السمة اسم “القبول” أو الميل إلى التواصل مع المشاعر السلبية بدلا من تجنبها.
توصلت الدراسة لنفس النتائج وهي أنه على الرغم من الانخفاض في الصحة البدنية والعقلية، فإن كبار السن يكونون أكثر سعادة من الشباب أو البالغين في منتصف العمر.
تقول إيريس موس، عالمة النفس والأستاذة المساعدة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحثة الدراسة، لموقع “لايف ساينس” (Livescience)، إن الناس يميلون إلى الشعور بالسعادة مع تقدمهم في العمر، ويرجع السبب وراء ذلك إلى أن كبار السن أكثر قدرة على التعامل مع المشاعر السلبية مثل الغضب والقلق. كما أن كبار السن يستخدمون ميزة “القبول” أكثر من الشباب ربما لأنهم أكثر حكمة.
كما يقول إن التقدم في السن وتجارب الحياة لا يجلبان المزيد من الحكمة فحسب بل يجعلان كبار السن أكثر مرونة من البالغين الأصغر سنا، فضلا عن تحسين قدرتهم على حل المشكلات وتنظيم عواطفهم.
أسباب تدهور الصحة النفسية للشباب
يقول جيستي إن من أكثر نتائج الدراسة إثارة للدهشة هي المستوى العالي من التوتر الموجود لدى الشباب، حيث تظهر البيانات أن الأشخاص في العشرينيات والثلاثينيات من العمر لديهم مستويات من الصحة النفسية أسوأ بكثير من الأشخاص في أي فترة أخرى من مرحلة البلوغ.
ويفسر جيستي الضائقة النفسية التي يعاني منها الشباب بالضغوط الفريدة في هذه المرحلة من الحياة. بعد اضطرابات المراهقة تبدأ الحياة الواقعية بمطالبها المالية والتعليمية والرومانسية فهم يكافحون من أجل اختيار وتأسيس وظائف وإيجاد شركاء الحياة والتعامل مع ضغط الأقران وتجاوز مشاكلهم المالية.
تذكر مجلة “تايم” (Time) أحد الأسباب المتوقعة وراء الصحة النفسية المتدهورة للشباب وهي أن الحياة اليوم لم تعد كما كانت، حيث إن التغييرات في الأداء المجتمعي بسبب العولمة والتطور التكنولوجي والمنافسة المتزايدة على التعليم العالي والوظائف ذات الأجور الأفضل والأدوار المتغيرة للمرأة في المجتمع من المرجح أن تؤثر على الشباب والشابات أكثر مما قد تؤثر على كبار السن.
ويقترح جيستي في النهاية أن كبار السن يمكن أن يكونوا مورداً قيّماً للشباب البالغين ويمكن أن يساعدوا في تحسين صحتهم العقلية من خلال مشاركة ثروتهم من الحكمة والمهارات في اتخاذ القرارات الصعبة والقدرة على التغلب على الضغوط، كما يمكن لكبار السن أن يكونوا قدوة عظيمة للأجيال الشابة.