الإصلاح الاقتصادي يفرض نفسه أولوية
على وقع التعهدات التي أطلقتها الحكومة من تقديم برنامج عمل واقعي محدد الملامح، والشروط التي وضعتها بشأن البديل الإستراتيجي، بات واضحاً أن الملف الاقتصادي سيفرض نفسه على برنامج عملها.
وكان سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح قد أكد أن الحكومة تعتزم اتخاذ خطوات جادة نحو تهيئة بيئة الأعمال الخاصة بإنشاء المناطق الاقتصادية وفق معايير دولية وبشراكة عالمية، مع منح القطاع الخاص الكويتي دوراً في تحقيق الأهداف التنموية. في وقت أكد وزير المالية مناف الهاجري أن أي معالجة للبديل الإستراتيجي يجب ألا تؤثر في استدامة المالية العامة للدولة أو في قدرة الحكومة على إطلاق مشاريع ملموسة في قطاعات واضحة، كالإسكان والسياحة والنقل، وما يتطلبه ذلك من إنفاق رأسمالي أكبر.
وما يُستشف من التعهدات الحكومية السابقة أن الاقتصاد سيكون أولوية، وهو أمر مستحق بعد سنوات عجاف، وبهذا يقع على مجلس الأمة عبء التعاون لمساعدة الحكومة على إنجاز برنامجها من دون معوقات، لتعويض ما فات من تأخير.
كما أن الشروط التي وضعتها الحكومة لتمرير البديل الإستراتيجي تعني أنها تضع في الاعتبار التداعيات السلبية على قدرة القطاع الخاص على جذب العمالة الوطنية، في ظل سيطرة القطاع العام على %84 من عدد الموظفين، وارتفاع حصة الرواتب والدعوم إلى %80 من إجمالي مصروفات الموازنة لعام 2023 ـــ 2024.
ومع التوقعات باستمرار عجز الموازنة، فإن إقرار قانون الدين العام أو الاقتراض من صندوق الأجيال يبقى مستحقاً لسد العجز، وتحصين التصنيف السيادي الذي تعرض لتخفيضات متتالية نتيجة غياب مورد ثابت لسد العجز، لا سيما أن استمرار ارتفاع أسعار النفط، المورد شبه الوحيد للدخل حتى اليوم، غير مضمون.
فيما يلي التفاصيل الكاملة
على وقع التعهدات الحكومية، التي أطلقها سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد النواف في افتتاح دور الانعقاد العادي الأول للفصل التشريعي السابع عشر لمجلس الأمة، بتقديم برنامج عمل واقعي ومحدد الملامح، وما ذكره وزير المالية مناف الهاجري بشأن البديل الاستراتيجي، بات واضحاً أن ملف الاصلاح الاقتصادي سيفرض نفسه على برنامج عمل الحكومة الجديدة بالتوازي مع العمل على رفاه المواطن.
وكان رئيس الوزراء قد أكد أن الحكومة ستقدم برنامج عمل واقعياً محدد الملامح، وقابلاً للتنفيذ يراعي الأولويات والمستهدفات والاتجاهات التنموية العامة، ووفق برنامج زمني معين، ويعكس التوجهات الجادة لمواجهة مختلف القضايا والمشكلات التي تهم الوطن والمواطنين، ويحقق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية المطلوبة، ويعالج ما يشوبها من تشوهات واختلالات.
وأضاف: من أولويات برنامج عمل الحكومة اتخاذ خطوات جادة نحو تهيئة بيئة الأعمال الخاصة بإنشاء المناطق الاقتصادية في شمال وغرب وجنوب البلاد، بمساحة إجمالية تقدر بـ19 كيلومتراً مربعاً، تضم كل مقومات الاستثمار المحفز ضمن قطاعات تجارية وخدمية وصناعية وتخزينية وبيئية وفق معايير دولية وبشراكة عالمية، مع منح القطاع الخاص الكويتي دوراً في تحقيق الأهداف التنموية للمشروع وفقا لرؤية 2035.
وزير المالية سبق أن قال في تصريحه عن البديل الاستراتيجي للرواتب، إنه لا يزال قيد الدراسة ولم تستكمل عناصره التي تحقق أهدافه الأصلية بالشكل الذي يخدم الادارة العامة في الدولة بشكل خاص، والاقتصاد الوطني بشكل عام، مشدداً على وجوب ألا يسبب أي مقترح جديد إعراضاً اضافياً عن العمل في القطاع الخاص، الذي يعاني حالياً من إعراض شريحة كبيرة من الشباب عن العمل فيه بسبب ساعات العمل الطويلة، وتركيزه على قياس اداء الموظف وإنتاجيته.
وأضاف أن أي معالجة للبديل الاستراتيجي يجب ألا تؤثر في استدامة المالية العامة للدولة، أو في قدرة الحكومة على إطلاق مشاريع ملموسة في قطاعات واضحة، كـالإسكان والسياحة والنقل، وما يتطلبه ذلك من إنفاق رأسمالي أكبر.
◄ تعهدات حكومية
وما يستشف من التعهدات الحكومية السابقة أن الاقتصاد سيكون أولوية، إلى جانب العمل على رفاهية المواطن، وبالطبع هذا أمر مستحق، فبعد سنوات عجاف طويلة من تأخر الإنجاز وزيادة مؤشرات اختلال الموازنة، بات من الواجب على الحكومة العمل على صياغة برنامج متوازن يضمن تحريك الملف الاقتصادي وتعزيز رفاه المواطن، كما يقع على مجلس الأمة عبء التعاون لمساعدتها على انجاز برنامجها من دون معوقات.
فعلى الحكومة وضع معالجة الاختلالات الاقتصادية وإطلاق المشروعات التنموية ومشروعات البنية التحتية كأولوية لتعويض ما فات من تأخير، بالتوازي مع الملفات التي تعزز رفاه المواطن، وتزيد من قدرته على مواجهة الظروف المعيشية، لاسيما أن تشكيلة مجلس الأمة الجديد يؤمل منها أن تميل إلى الطرح المتوازن والتعاون لتحقيق انجازات سريعة تلبي مطالب المجتمع والناخبين.
من جانب آخر، يجب الأخذ بالاعتبار أن تحريك الملف الاقتصادي وإطلاق المشروعات من شأنهما معالجة الكثير من الأزمات التي يعاني منها المواطن، إذ يساعدان على تحسين الخدمات في الصحة والتعليم والطرق والإسكان وغيرهم، ويوفران المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص، وكذلك يساهمان في تقليص إنفاق المواطن على تلك القطاعات.
◄ البديل الإستراتيجي
في ظل الحديث المتواتر عن «البديل الاسترتيجي»، وترقب مجلس الأمة لإعلان الحكومة عن برنامج عملها، تزايدت التساؤلات، هل يكون الاقتصاد ومعالجة اختلالات الموازنة أم تحقيق بعض المطالب الشعبية المستحقة؟
يجب التأكيد على أن كليهما مطلوبان، وعلى الحكومة والمجلس التعاون معاً لتحقيق إنجازات كبيرة وسريعة في جملة من الملفات الاقتصادية، وتلبية الكثير من المطالب الشعبية، لكن في ظل استمرار عجز الموازنة والكم الكبير من المشروعات والمطالب المتراكمة، من الضروري التوافق المجتمعي على الأولويات ومراعاة المصلحة العامة عند تنفيذ أي منها.
◄ المصلحة العامة
وإذا كان «البديل الإستراتيجي» قيد الدراسة كما قالت الحكومة، فإن مراعاة المصلحة العامة في حال إقراره، أو تعديله، لضمان عدم زيادة الفجوة لمصلحة القطاع العام على حساب القطاع الخاص، الذي يعاني عزوفاً نتيجة تفضيل المواطن العمل في الحكومة للتمتع برواتب أعلى وساعات عمل أقل، علماً بأن الحكومة تستحوذ على %84 من عدد الموظفين تقريباً مقابل %16 للقطاع الخاص، وبالتالي فإن أي زيادة جديدة للرواتب ستفاقم المشكلة.
اختلالات الاقتصاد
مع ارتفاع حصة الرواتب والدعوم إلى %80 من إجمالي مصروفات الموازنة الحكومية لعام 2023 / 2024، والتي تصنف على أنها أحد أوجه اختلالات الاقتصاد، مع الاعتماد بشكل كلي على النفط كمورد وحيد للدخل، فإن إضافة أعباء جديدة من خلال إقرار البديل الاستراتيجي من دون معالجة أوجه الاختلال الأخرى كفيل بزيادة تلك النسبة.
المشروعات التنموية.. أولوية
تشير التوقعات إلى أنه من المحتمل أن تسجل الموازنة العامة للسنة المالية الحالية 2023 / 2024 عجزاً قيمته 4.5 مليارات دينار، كما تتوقع بعض التقارير الاقتصادية، لكن يظل العامل المهيمن والوحيد على حجم العجز أو الفائض هو إيرادات النفط، وبالتالي فإن الإنفاق على المشروعات التنموية يجب أن يكون أولوية لزيادة الإيرادات وتنويعها، بما يمكن الحكومة من إقرار حزم دعم إضافية للمواطنين.
شبح عجز الموازنة
مع استمرار شبح عجز الموازنة، فإن إقرار قانون الدين العام أو الاقتراض من صندوق الأجيال يبقى مستحقاً لسد العجز من ناحية، وتحصين التصنيف السيادي، الذي تعرّض لتخفيضات متتالية نتيجة غياب مورد ثابت لسد العجز، لا سيما أن أسعار النفط، المورد شبه الوحيد للدخل، حتى اليوم غير مضمونة.