رؤية إستراتيجية
الاقتصاد كلمة تحتوي في طياتها معاني كثيرة. وقد عرفت في معجم الوسيط على أنها علم يبحث بالظواهر الخاصة بالإنتاج والتوزيع. كما عرف الاقتصاد بأنه نظام تتولى فيه الدولة توجيه مجالات الإنتاج ومسؤولية الأمور المعيشية بكاملها. ومن هنا ندرك أن الاقتصاد يسهم بشكل كبير في رسم ملامح حياتنا اليومية، بل نذهب أكثر من ذلك ونقول إن عصرنا الحالي تتحكم فيه العوامل الاقتصادية كأساس لكل العلاقات والارتباطات بين الدول والمجموعات والأفراد. ولا يخفى عليك عزيزي القارئ أن وجود رؤية إستراتيجية اقتصادية حكومية تمثل عصب كل تخطيط بالمؤسسات الحكومية وهو ما ينقصنا
إن النظم التعليمية يتم بناؤها وفق أربعة عوامل رئيسية هي:
– عوامل سكانية (الثقافة المجتمعية، الدين، اللغة.. الخ).
– عوامل جغرافية (طبيعة الجغرافية، الموارد الطبيعية، الموقع الجغرافي.. الخ).
– عوامل سياسية (طبيعة النظام السياسي، نظام الحكم، الممارسات السياسية.. الخ).
– عوامل اقتصادية (المجالات الاقتصادية، طبيعة الإنتاج، السياسات الاقتصادية.. الخ)، لذا نجد أن النظام التعليمي بالدول المتزنة يؤسس وفقا لرؤية اقتصادية ذات ملامح واضحة وواقعية، حتى يقوم ذلك النظام بدوره الطبيعي بتغذية تلك الرؤية الاقتصادية بالموارد البشرية اللازمة لترجمتها. ومع الأسف كثيرا ما نردد عبارات النقد للتعليم بالكويت بينما لا ندرك بصورة صحيحة أن أي نظام تعليمي لا يرتبط برؤية اقتصادية إنما هو نظام عشوائي ليس له أهداف تنموية واضحة.
كما أن الديناميكية التي يقوم عليها الاقتصاد المعرفي الحديث تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية للاقتصاد (Core) وهي: محور التعليم ومحور التشريعات ومحور البنية التحتية.
وفي الكويت نمتلك هذه المحاور الرئيسية للنهوض بالاقتصاد وتحويل منظومتنا الاقتصادية بحيث تعتمد على المعرفة والإبداعات الفكرية.
ونمتلك أيضا مدخلا لتطوير اقتصادنا بصورة صحيحة، وهو مدخل التعليم، الذي يتيح لنا إعادة صياغة الثقافة المجتمعية ويعزز من اقتصادنا ويحقق التنمية المنشودة.
ولكن قبل أن نقترح معالجات للنظام التعليمي يجب أن ننطلق من منطلقات سليمة حيث إننا نملك المعلومات الضرورية حول العوامل السكانية والجغرافية والسياسية، ولكن تنقصنا البيانات والمعلومات حول العوامل الاقتصادية (الرؤية والاستراتيجية الاقتصادية)، فالتعليم هو أحد روافد الاقتصاد وليس العكس وفقا لقواعد اقتصاد المعرفة. لذا قبل التأمل بالإصلاح التعليمي نحتاج رؤية وإستراتيجية اقتصادية وطنية واقعية. ويجب أن تراعي تلك الرؤية الاقتصادية واقعنا القائم، وتبنى الاستراتيجية الاقتصادية وفقا للأسس العلمية المعمول بها عالميا.
إن المعالجات الاقتصادية دائما ما تتسم بالعنف وتجلب الآلام للمواطنين وتربك المشهد السياسي والاجتماعي بالدولة، ولكن على المدى الطويل ستجلب تلك المعالجات فرصا تنموية تحقق الرفاهة بمفهومها الصادق. وما قامت به حكومات اليونان وإسبانيا وغيرها من الدول التي واجهت أزمات اقتصادية يؤكد أن الحلول الاقتصادية تتطلب تعاونا مجتمعيا وسياسيا يثمر بناء اقتصاد مستدام يحقق الأبعاد التنموية بشكل صحيح.
إن ما عجزت عن إنجازه الحكومة ومنذ 2001 حين تم اعتماد توصيات لجنة إصلاح المسار الاقتصادي، مرورا بتوصيات تقرير بلير في العام 2009، وكذلك توصيات المجلس الأعلى للتخطيط بالعام 2013 يعتبر جريمة بحق مستقبل البلد، وهو ما سيوقعنا بمشكلات اقتصادية نعجز عن حلها مستقبلا.
كما أن الفشل الحكومي بالتخطيط السليم وبناء الاستراتيجية الاقتصادية سببه العجز عن اتخاذ قرارات جريئة تعالج واقعنا وتوضح ملامح المستقبل. ولكن حين تتبع استراتيجية تثقيفية تضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية فان المخاوف من ردات الفعل المجتمعية والسياسية تتبدد بصورة تلقائية. ولعل ما قامت به اللجنة التوعوية والإعلامية بقيادة الوزير والنائب السابق أحمد باقر، يشخص لنا واقع مؤسساتنا التنفيذية المتهالك، حيث باشرت تلك اللجنة اجتماعاتها ووضعت إستراتيجية إعلامية توعوية، إلا أن أغلب الجهات الحكومية عجزت أو تجاهلت أهمية الدور التوعوي والإعلامي لتثقيف المجتمع بالأخطار الاقتصادية، وهو ما يؤكد ضرورة إعادة صياغة الفكر الحكومي ممثلا بمجلس الوزراء والقيادات العليا بالوزارات والجهات الحكومية (وكلاء ووكلاء مساعدين)، وذلك من اجل الكويت ومستقبلها وحتى لا يحاكمنا التاريخ وأجيالنا اللاحقة.
بقلم: محمد الشريكة
dralsharija@