كتاب أكاديميا

الإطار المزيّف للتعليم التطبيقي

 

pic copy

أ.د. عبداللطيف بن نخي

تاريخ التعليم الفني، بشقيه التطبيقي والمهني، في الغرب يرجع إلى القرن 18 ولكن الجانب التطبيقي منه انتعش مع بداية النهضة الصناعية استجابة لمتطلباتها ولسد الفراغ الفني الذي عجز التعليم الجامعي التقليدي عن ملئه. التعليمان الأكاديمي والتطبيقي مكملان لبعضهما البعض وفق منظور جامعات وهيئات اعتماد أكاديمي وجمعيات مهنية في الغرب. فالأكاديمي يتمحور حول مهارات التحليل والاستنباط والابتكار، والتطبيقي يتمركز عند قدرات استعمال المعارف والتكنولوجيات المتاحة وفق افضل الممارسات.

في هذا المقال، سألتزم بعرض العلاقة التكاملية في نطاق الهندسة الميكانيكية فقط.

في نهاية ثمانينات القرن الماضي التحقت بجامعة دايتون لدراسة ماجستير الهندسة الميكانيكية الأكاديمية، وكنت الطالب الكويتي الوحيد في هذا القسم ولا استبعد أن أكون كذلك لغاية اليوم. إلى جانب التخصصات الأكاديمية في الهندسة، الجامعة تقدم برامج عدة في تكنولوجيا الهندسة (التطبيقية) ومنها الميكانيكية، وتخرج منها العديد من المهندسين الكويتيين المتميزين. الشاهد أن جامعة دايتون، إلى جانب جامعات أخرى، في الولايات المتحدة الأميركية تقدم برنامجين «بكالوريوس» في الهندسة الميكانيكية: أكاديمي وتطبيقي.

كلا البرنامجين في جامعة دايتون معتمدان من مجلس الاعتماد للهندسة والتكنولوجيا (ABET) المعني بالاعتماد الأكاديمي لبرامج التعليم العالي لصنفي التعليم الهندسي. في الكويت أيضا، برنامج بكالوريوس الهندسة الميكانيكية في جامعة الكويت ونظيره، بالتعليم التطبيقي، برنامج دبلوم تكنولوجيا ميكانيكا القوى، كلاهما معتمدان من مجلس أبت (ABET) الاميركي. وعليه فإن المجلس أيضا يقر بالعلاقة التكاملية بين الهندسة الأكاديمية وتكنولوجيا الهندسة (التطبيقية) وفق شهادات الاعتماد التي يصدرها ووثائقه الارشادية التي يوفرها.

الجمعيات المهنية الأميركية أيضا تؤكد التكامل بين ذراعي الهندسة، ومن أفضل ما تم تأليفه حول هذه العلاقة هو الصورة التي أنتجتها الجمعية الأميركية لمهندسي الميكانيكا والتي تحدد المساحة المشتركة بين القطاعين وتوضح مواقع التميز لكل منهما. يشتركان، ولكن بنسب متفاوتة، في مجالات الادارة الهندسية وعمليات التصنيع وتصميم الأجزاء. في المقابل، الميكانيكا الأكاديمية تؤهل، في المقام الأول، الخريج لتصميم النظم الهندسية وإجراء الأبحاث والوصول للحلول الابتكارية، في حين أن التكنولوجيا الميكانيكية تهيئ الطالب لاستيعاب أعمال تركيب وتشغيل وصيانة وإصلاح الأجهزة والأنظمة الهندسية المعيارية والشائعة.

في الغرب، التعليم التطبيقي يصنف كتعليم عالٍ ويمنح شهادات دبلوم بالإضافة إلى البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. بعض الدول الغربية التي كانت تعزل التعليم التطبيقي عن الأكاديمي، أزالت الفاصل بدرجات متفاوتة وفي فترات مختلفة. في بريطانيا مثلا، تم تحويل 35 معهدا للعلوم التطبيقية (Polytechnic) إلى جامعات للعلوم التطبيقية بعد صدور قانون التعليم المستمر والتعليم العالي في 1992 الذي أزال الفوارق التنظيمية والتمويلية بين الجامعات الأكاديمية والمعاهد التطبيقية، ولا يخفى على خريجي أميركا أن من بين أفضل 10 جامعات في الهندسة بالعالم، تتربع 3 جامعات تكنولوجية أميركية «دمجت» التعليم الأكاديمي بالتطبيقي، وهي MIT و Caltech و Georgia Tech.

أما في الكويت فالتعليم التطبيقي يعاني من جبال من المشاكل التي قد تتطلب إزالتها الاستعانة «ببعارين البلدية». ولكن بعض هذه العقبات حجمها أكبر من قدرة تلك البعارين، ومنها الإطار المجتمعي المزيف الذي يحجم دور الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.

ويعتقد كثيرون، ومن بينهم أساتذة وقياديون في التطبيقي، بأن الغرض من إنشائها هو «اعداد القوى العاملة لمستويات العمالة الوسطى الفنية والمهنية»، ولكن عند الرجوع إلى القانون رقم 63 لسنة 1982 في شأن إنشاء الهيئة، تدرك بأن «غرض الهيئة هو توفير وتنمية القوى العاملة الوطنية بما يكفل مواجهة القصور في القوى العاملة الفنية الوطنية وتلبية احتياجات التنمية في البلاد» كما جاء في نص المادة رقم 2 من القانون.

إضافة صفة «وسطى» لم تحد أنشطة الهيئة فحسب، بل أنها رسخت ثقافة عامة حابسة لهمم الارتقاء والتميز لدى بعض منتسبيها، وأنا لست بصدد تبرير إخفاقات الهيئة الفادحة، بل أسعى لإزالة أكبر العراقيل من أمام المبادرات المتميزة فيها وإن كانت نادرة جدا.

أدعو المعنيين والمهتمين بالتعليم العالي، من قياديين ونواب ونقابيين وشخصيات عامة، للتعاضد من أجل اتلاف الإطار وإصلاح التطبيقي وتمكينه من أداء رسالته الطبيعية إلى جانب نظيره بل مكمله الأكاديمي، عوضا عن انشغال بعضهم في ترميم الإطار الملفق… وللحديث تتمة.

أ.د. عبداللطيف بن نخي

[email protected]


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock