د. حمود العبدلي يكتب: التعليم الرقمي بناء قدرات لعصر رقمي أم تقديم معلومات في بيئة رقمية
تتوجه أنظمة التعليم وعلى وجه الخصوص في التعليم العالي نحو التحول الرقمي في التعليم، ويغلب الظن وعلى وجه الخصوص في المنطقة العربية ودول العالم الثالث التي لم تنضج بعد تجاربها ان التحول الرقمي هو توفير قدر من الأدوات التكنولوجية المتقدمة للتفاعل التعليمي، وطرق استخدامها في البيئات التعليمية الرقمية، وإن كان هذا يعد واحد من متطلبات التحول الرقمي، إلا ان رقمنة التعليم اشمل فالرقمنة في نهاية المطاف تُعني ببناء “القدرات الرقمية” digital capabilities التي تمكن الفرد من العيش في عصر رقمي وتمكينه من استثمار وتوظيف البيئات الرقمية في التعلم والعمل واستمرار التطوير وإيجاد الحلول للمشاكل والقضايا التي تواجهه التي تتزايد بحجمها وتعقيداتها بمرور الوقت وتزايد الابتكارات.
بداية اذكر بمظهر التعليم التقليدي المألوف الذي يعتبر الطالب مخزن للمعلومات يحشو بها المعلم عقله، و يحاول في أوقات قليلة بناء المعرفة، ولكنه لا يُعنى بتطوير القدرات التي تمكن المتعلم من فك القيود والتفاعل مع محيطه الاجتماعي، ومع عصره الذي يعيش فيه ليتحول إلى إنسان منتج، ومبتكر ومبدع، و تنحصر العلاقة في نظام التعليم التقليدي بين اركان ثلاثة (معلم، ومحتوى، وطالب)، مهمة المعلم تخزين المعلومات التي يتم استرجاعها يوم الامتحان وتتحدد مهارة المعلم والطالب كليهما بمقدار ما استرجعه الطالب يوم الامتحان من تلك المعلومات وهو ما يسمى بالتعليم البنكي او كما يطلق عليه باولو فرايري تعليم المقهورين، ولا يعطى الاستقصاء حول ماهية الأشياء، وكينونتها، و قيمتها، و تأثيراتها بما يجعل الطالب إنسانَا مفكّراً مساحة في مثل هذا النوع من التعليم.
ولا يعني دمج او استخدام التكنولوجيات في التعليم بأي طريقة كانت أن هذا التعليم تحول إلى تعليم رقمي، فهو لا زال تعليم تقليدي، رغم وجوده في بيئة رقمية؛ فطالما لا زال المعلم يبث المعلومات وعلى الطالب استقبالها وتفريغها يوم الاختبار على ورقة الإجابة، حتى وإن استخدم أدوات رقمية فنحن أمام تعليم تقليدي بأدوات رقمية.
بطبيعة الحال فان استمرار المعلم في حشو المعلومات، والتعامل مع الطلبة كأنهم قالب واحد، فإنه يربي جيل اليوم للقرن السابق، فيخرج لدينا جيل تائه يتخبّط في عوالم اليوم دون وجهة ودون قدرات للتعامل مع الحياة العصرية التي من ابرز سماتها الرقمية، وشواهد الحياة من حولنا كافية.
ويدرك عموم المربين والباحثين والمفكرين في التريبة ان التعليم يهدف إلى بناء شخصية الفرد تمكنه من التعامل مع محيطة الاجتماعي ومع المتغيرات من حوله والعيش بإيجابية في عصره، ولأجل ذلك يتطلب مجموعة من القدرات تمكنه من ذلك، وتتمثل القدرة بمجموعة المعارف والقيم والمهارات التي يمكن للفرد توظيفها في عصره ومجتمعه وتنعكس ايجاباً على حياته.
وفي العصر الرقمي على سبيل المثال ربما يكون لدى شخص معرفة و مهارات رقمية ممتازة لكنه يستخدمها بمتابعة الشبكات الاجتماعيّة ومشاهدة الأفلام أو الألعاب، ولا يستثمر تلك المعرفة والمهارة لتطوير مهارات أخرى من شأنها أن تعود عليه وعلى من حوله بالفائدة، مثل التسويق الرقمي وصناعة المحتوى الإلكتروني، وبناء المواقع، و التصميم الجرافيكي، أو أي خدمة رقمية أخرى، فالتعليم الذي يكتفي بتقديم المعلومات او حتى بناء المعرفة لا يلائم عصر المعلوماتية المتقدمة، الذي فيه المعلومات متاحة بضغطة زرّ، إننا نحتاج التعليم الذي يطور القدرات الملائمة للنجاح في العصر الرقمي وبناء المستقبل، ومن هنا يحتاج مجتمع التعليم العالي لمجموعة قدرات هي أدواته للتعامل مع العصر الرقمي الذي يعيش فيه على النظام التعليمي توفيرها بالقدر الكافي وهي:
1- الكفاءة الرقمية: وتعني القدرة على استخدام الأجهزة الرقمية والشبكات والتطبيقات والبرامج والخدمات والقدرة على مواكبة التطورات الرقمية، والقدرة على التعامل مع مشاكل وفشل الأجهزة الرقمية والتطبيقات والبرامج والخدمات عند حدوثها، وتصميم وتنفيذ الحلول الرقمية.
2- الإنتاجية الرقمية: تعني كيفية استخدام المهارات الرقمية لإنجاز المهام والعمل بطلاقة عبر مجموعة من الأدوات والأنظمة الأساسية والتطبيقات لتحقيق المهام المعقدة المتنوعة.
3- الإبداع الرقمي: يتعلق بالإنتاج الرقمي للمحتوى والقدرة على تصميم و / أو إنشاء محتوى رقمي جديد مثل الكتابة والتصوير والصوت والفيديو والرمز الرقمي والتطبيقات والواجهات وصفحات الويب، وفهم عمليات الإنتاج الرقمي المختلفة وأساسيات التحرير، وفهم إمكانية الوصول التقني والفكري المتعلق بإنتاج المحتوى الرقمي.
4- حل المشكلات الرقمي: هو القدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات والإجابة على الأسئلة؛ ربما يتوفر للباحثين الرقميين العديد من الأساليب الرقمية المتخصصة، اعتمادًا على مجال البحث الخاص بهم، لكن الجميع يتشارك في حل المشكلات الرقمية يومياً.
5- الابتكار الرقمي: تعني الرغبة في تجربة ممارسات جديدة والبحث عن حلول جديدة باستخدام التكنولوجيا الرقمية، ويتضمن القدرة على: تحديد واعتماد وتطوير ممارسات جديدة مع التكنولوجيا الرقمية في بيئات مختلفة (شخصية وتنظيمية واجتماعية وقائمة على العمل)؛ و تقييم فرص وفوائد ومخاطر التطبيقات الرقمية الجديدة؛ واستخدام التقنيات الرقمية في تطوير الأفكار والمشاريع والفرص الجديدة.
6- التعلم والتطوير الرقمي: التعلم الرقمي هو القدرة على تحويل الفرص الرقمية إلى مكاسب تعلم شخصية، وتوظيف واستخدام موارد التعلم الرقمية؛ والمشاركة في حوارات التعلم عبر الوسائط الرقمية؛ و استخدام تطبيقات وخدمات التعلم (الشخصية أو التنظيمية) ؛ إضافة إلى استخدام الأدوات الرقمية لتنظيم التعلم والتخطيط له والتفكير فيه؛ وتسجيل أحداث / بيانات التعلم واستخدامها للتحليل الذاتي والتفكير وعرض الإنجازات؛ ومراقبة التقدم الخاص؛ والمشاركة في التقييم الرقمي وتلقي ردود الفعل الرقمية؛ وإدارة الوقت والمهام الخاصة والاهتمام والتحفيز للتعلم في الإعدادات الرقمية، ويعني التعليم الرقمي القدرة على دعم وتطوير الآخرين في البيئات الرقمية.
7- ثقافة المعلومات والبيانات والإعلام: الثقافة المعلوماتية هي قدرة الفرد العثور على المعلومات الرقمية وتقييمها وتنظيمها ومشاركتها، سواءً استخدمها للتعلم أو البحث أو لأغراض مهنية، و تفسير المعلومات الرقمية للأغراض الأكاديمية والمهنية، ومراجعة وتحليل وإعادة تقديم المعلومات الرقمية في بيئات مختلفة؛ إضافة إلى تطبيق المعلومات الرقمية على المهام المهنية مثل حل المشكلات واتخاذ القرار، وتغطي محو الأمية الإعلامية جميع الطرق التي تتلقى وتستجيب للرسائل في الوسائط الرقمية، والأسلوب النقدي لتقييم الرسائل الإعلامية من حيث مصدرها والغرض منها.
8- الاتصال الرقمي والتعاون والمشاركة: الاتصال الرقمي هو أي اتصال يستخدم الوسائط الرقمية والشبكات، و يتضمن أيضًا وعيًا بمختلف الجماهير، وأسلوب وطرق التعامل معهم، ومن الذي يمكن ان نستبعدهم من خيارات التعامل، و القدرة على: المشاركة في الفرق الرقمية ومجموعات العمل؛ والتعاون بشكل فعال باستخدام الأدوات والوسائط الرقمية المشتركة؛ إضافة إلى إنتاج مواد مشتركة؛ واستخدام أدوات الإنتاجية المشتركة؛ والعمل بفعالية عبر الحدود الثقافية والمادية والاجتماعية واللغوية، وتعني المشاركة الرقمية المشاركة بطريقة أكثر انفتاحًا من التعاون، على مدى وقت أطول، وفي مجموعة من الإعدادات المختلفة.
9- الهوية الرقمية والرفاهية: الهوية الرقمية هي كيفية تطوير وإبراز هوية رقمية – أو عدة هويات – وكيفية إدارة السمعة الرقمية (شخصية أو مهنية أو تنظيمية) عبر مجموعة من المنصات؛ و بناء وحفظ ملفات التعريف الرقمية وأصول الهوية الأخرى مثل سجلات الإنجاز؛ مراجعة تأثير النشاط عبر الإنترنت؛ جمع وتنظيم المواد الشخصية عبر الشبكات الرقمية؛ أما الرفاهية الرقمية فهي تتعلق بتأثير استخدام الأجهزة والأدوات والخدمات والأنظمة الرقمية على الشخص، ويتعلق الأمر بكيفية الاعتناء بالصحة الشخصية والسلامة والعلاقات والتوازن بين العمل والحياة في الإعدادات الرقمية.
د. حمود العبدلي
الأول من رمضان 1444هـ